ريحانة برس- أحمد زعيم
صدق عبد الرحمن الكواكبي عندما خلص في كتابه: “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” إلى أن: “الاستبداد أصل لكل فساد”… “لصوص البلاد والعباد أصل لكل فساد”
من الطبيعي أن يدرك المغاربة أن تغول لصوص المال العام أصل لكل فساد وكساد وتفقير وتجويع وتهجير واقتلاع السكان من أراضيهم بسبب الفساد المالي والإداري، والغش في المنشآت العمومية والبنيات التحتية أو إنعدامها، كالطرقات والمرافق العمومية المؤسسات الإستشفائية والتعليمية والتزويد بالماء والكهرباء، وغياب التدابير الاستبقاقية اللازمة لحماية الساكنة من الجوع والعطش و الكوارث الطبيعية: الأمطار السيول والجفاف….)
ولازالت المخططات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة التي لم تغادر غرف الاجتماعات، والتي فاقمت البطالة والتفقير، والتجويع والعطش، والهجرة السرية والعلنية الجماعية “عدم فتح أبواب التوظيف وتفويت القطاعات العمومية والأراضي السلالية، وأراضي الدولة للشركات وأصحاب المال، لبناء التجزئات الاسمنتية، وإنشاء الضيعات الفلاحية المستنزفة للمياه الجوفية تحت ذريعة المنفعة العامة، الأمر الذي تسبب في اختفاء الفلاحة والفلاحين في العديد من الاقاليم والجهات بالمملكة”.
هذا بالإضافة إلى الهرولة باتجاه خوصصة المؤسسسات العمومية كالصحة والتعليم والصناعة والفلاحة، والماء والكهرباء والنقل…
الأمر الذي أنتج نخبة من السياسيين تتحكم في ثروة البلاد واقتصاده، وجيوشا من من الفلاحين والعمال والتجار… وحاملي الشواهد….العاطلين عن العمل.
ومن الطبيعي أن تخطط الجهات المستفيدة من الفساد لشن قوانين وتشريعات جديدة للسيطرة على المؤسسات الرقابية والتشريعية… لتكميم الافواه، ومتابعة الإعلام والصحافة الحرة والجمعيات الحقوقية من التبليغ، وفضح جرائم الفساد، لأن الأهم هو حماية المكتسبات والاستمرار في الاستحواذ على الثروات الوطنية، والاغتناء غير المشروع بعيدا عن الرقابة والمحاسبة…
فليس كل هذا من مصلحة الوطن والمواطنين في حين تستمر الأزمات الاقتصادية والعطش والجوع وهجرة السكان وجرف السيول للبشر والحجر…. وفي تعميم إنشاء المرافق العمومية الصحية والتعليمية… بالمقابل يسجل الاستمرار في التنقيب على الأثرياء وأصحاب “الشكارة” المحترفين في اللعبة السياسية لتزكيتهم لخوص الانتخابات، لضمهم لتقوية الفريق مادامت المرجعية في الفوز بالإنتخابات هو المال والمقايضة وشراء الذمم واستغلال الطبقة الفقيرة التي أصبحت تكافح من أجل البقاء.
ومن غير الطبيعي أن لا تعرف الحكومة التي انتخبت لتكون مهمتها حماية المجتمع والدولة، ومن من يسرق الملايير، التي جعلت المغرب في الرتبة 97 من أصل 180 دولة على مستوى مؤشرات “إدراك الفساد”؟
وفي هذا الصدد صرح محمد الغلوسي رئيس جمعية حماية المال العام قائلا:
“يبدو جليا أن الحكومة تضايقت كثيرا من ورش مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة، وحصل إجماع داخل مكوناتها بأن هذا الموضوع أصبح مزعجا ومثيرا للقلق وأنها مستعدة للحزم مع كل الجهات التي تثير هذا الملف الشائك كيفما كانت طبيعة هذه الجهات (جمعيات مدنية ،مؤسسات دستورية )، ولذلك فإنها تسير بخطى حثيثة لمنع الجمعيات من التبليغ عن الفساد ومواجهة المؤسسات الدستورية المثيرة للموضوع لحشرها في الزاوية وتحويلها إلى مؤسسات صورية…
بالأمس كانت الحكومة تشحذ أسلحتها لمواجهة التقارير الدولية وتتهمها بخدمة أجندات مشبوهة، واليوم لاتجد أي حرج لترديد نفس الأسطوانة اتجاه مؤسسات دستورية وطنية بنفس المعنى ولكن بلغة مبطنة!!
تحدث السيد بايتاس ووزير العدل بنفس اللغة، وشعر هذا الأخير بنشوة خاصة لأنه لم يعد يتحدث لوحده في الموضوع…
موضوع مكافحة الفساد ظاهرة معقدة ونسقية ومعممة لاتقبل التسطيح الذي تم استعماله من طرفهما…
الأمر ليس كما قال وزير العدل: “أين هم من سرقوا مبلغ 50 مليارا درهما لنعتقلهم؟”…
هذا تهريج واضح وليس نقاش مسؤول صادر عن رجل دولة يحترم المؤسسات ويحترم نفسه قبل كل شيء؟!…
هو التفاف وتهريب للنقاش حول قضية مصيرية تهم الدولة والمجتمع…
الأمر يتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة معضلة الفساد…
معضلة جعلت المغرب في المرتبة 97 من أصل 180 دولة على مستوى مؤشرات إدراك الفساد الذي يستنزف مايقارب 50 مليارا درهما سنويا؟!!
الفساد واقع لايرتفع، وشظاياه أصابت أحزابا سياسية ضمنها أحزاب التحالف الحكومي التي تورط بعض أعضائها في شبكات فساد خطيرة، وربما وزير العدل تناسى أن قياديين في حزبه متابعون أمام القضاء بتهم مشينة!
لا أدري ماذا ستقول الحكومة حول تقارير بنك المغرب والمجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي والمندوبية السامية للتخطيط والمجلس الأعلى للحسابات ولجنة النموذج التنموي؟!..
وكلها مؤسسات تحدثت عن آثار الفساد والرشوة على البرامج والسياسات العمومية الموجهة للتنمية والمجتمع؟وربما ستتهمها هي أيضا بكونها تقدم المغرب بكونه بلد ينتشر فيه الفساد والريع، لأنها لاترى منجزات الحكومة في مجال محاربة الفساد!
المغاربة لايمكن الكذب عليهم أو مغالطتهم بتصريحات شاردة وفاقدة للمصداقية واللباقة تتوخى ترهيب الجمعيات والمؤسسات الدستورية بخلفية طمأنة لصوص المال العام، وتقمص الحكومة لدور المحامي الشرس للدفاع عنهم فقط لأن حفنة منهم تشكل صمام آمان هذه النخبة المرتشية لضمان المناصب والمقاعد في الإنتخابات المقبلة…
لذلك فإن حكومة الباطرونا وتضارب المصالح وزواج السلطة بالمال تقوم بكل شيء من أجل طي ورش مكافحة الفساد وإغلاقه بشكل نهائي خدمة لمصلحة لوبي الفساد ونهب المال العام…
هكذا فإنها جمدت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وأغلقت كل نقاش حول تجريم الإثراء غير المشروع وقتلت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد..
كما رفضت توصيات وخلاصات المؤسسات الدستورية حول الموضوع، وفي مقدمتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تفرغت الحكومة لتسفيه عملها والهجوم عليها عبر منصة البرلمان عوض استعمال القنوات الرسمية لتبادل وجهات النظر وتفعيل توصياتها وملاحظاتها خدمة للمصالح العليا للبلد…
لايسعنا إلا أن نقول: “هنيئا لنا فالفساد يتغول ويهدد الدولة والمجتمع، والحكومة تفرش له البساط الأحمر.”
الأمر معقد والأدهى من ذالك أن وهبي لم يعد يفرق بين الفساد و والنزاهة فحتى القوانين التي شرعها هي في أصلها تغذي الفساد وتحصن الفاسد و تدمر الأخلاق والتربية والمواطنة فلا وهبي ولا أقل منه أو أكثر منه يريد الإصلاح فالكل يسعى إلى إفساد الحياة السياسية والقوانين التشريعية لتكون في صالح النتغولين والداعمين لهم