ومطالب زوار الأضرحة! هل تلبى وكيف؟

  • بتاريخ : 1 يونيو، 2014 - 14:15
  • الزيارات : 10
  •          جاء في “المدخل” لابن الحاج قوله: “ذكر الشيخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمه الله في كتابه  المسمى ب”سفينة النجاء، لأهل الالتجاء، من كرامات

     

     

    الدكتور محمد وراضي

    الموقع الإلكتروني:www.islamtinking.blog.com

    العنوان الإلكتروني:  mohamedouradi@yahoo.fr

             جاء في “المدخل” لابن الحاج قوله: “ذكر الشيخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمه الله في كتابه  المسمى ب”سفينة النجاء، لأهل الالتجاء، من كرامات الشيخ أبي النجاء” ما يلي: “تحقق لذوي البصائر والاعتبار، أن زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرك مع الاعتبار. فإن بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم. والدعاء عند قبور الصالحين والتشفع بهم معمول به عند علمائنا المحققين من أئمة الدين”! مما يعني أن مطالب الزوار تتحقق أو تلبى!

             فإن عد صاحب هذه المقولة الخاطئة عقلا ودينا نفسه من ذوي “البصائر والاعتبار”، فإن غيره ممن لم يتصف بهاتين الخصلتين، أعمى البصيرة لا شك! وغير مدرك لعواقب الأمور! فلو ادعى أحد مثلنا أن الهالك المزور، لم يعد يملك بعد رحيله عن الفانية ما يفيد به غيره، انبرى له الظلاميون ليخبروه بأنه يملك البركة! لكن البركة مفهوم تجريدي ميتافيزيقي غامض! سألت عنه عامة الناس وخاصتهم عساهم يدلونني على المقصود به ومنه، فلم أحظ من أي كان بإجابة واضحة مقنعة! فاضطررت حينها إلى كتابة مقال مطول في عشرة حلقات، نشرتها لي إحدى الجرائد منذ أعوام. حيث انتهيت فيها إلى التمييز بين نوعين من البركة: نوع تؤيده اللغة والكتاب والسنة. ونوع تؤيده أوهام الهندوس والبوذيين والطوطميين وغلاة الرهبانوالقساوسة والرحبان من اليهود والنصارى! والمراد بهذا النوع الأخير ما يعرف ب”الكا” عند قدماء المصريين. “فقد كانوا يطلقونه على كل كائن إلهي، وكانوا يرون أنه يتحد بالجسم بعد موته وتحلله. كما أنهم كانوا يعتقدون أنه يولد مع كل إنسان، وينفصل عن الجسد وقت الموت، ولا يعود إلى الجثة إلا بعد تحنيطها والقيام بطقوس أوزيريس!

             كما تشير كلمة “بركة” المستعملة في الجماعات الإسلامية، وخاصة في شمال أفريقيا، حيث تتصورها العامة على أساس أنها شيء سيال مقدس، يفيض من الأولياء والمرابطين، ويمتد إلى كل ما يمس الولي من ثياب أو طعام أو شراب أو ماء. ويظل هذا الشيء عالقا بقبره، يتبرك به المريدون ويزعمون أنه عن طريقه تقضى حاجاتهم وتشفى أمراضهم. كذلك تتمثل “المانا” في القوة غير الطبيعية التي يتمتع بها بعض أفراد الجماعة، أو التي يحاول الأفراد التزود بها لبلوغ أهداف تحقق لهم السيادة أو التنبؤ أو قوة التأثير، فهي بمثابة القوى الفعالة التي يمكن استخدامها في النفع والضر حسب الأحوال”!

             فتكون البركة بهذا المفهوم مرادفة ل”الكا” لدى المصريين! ول”المانا” لدى الطوطميين. فالمصريون قديما مشركون يعبدون آلهة متعددة. والطوطميون مثلهم يلتفون حول معبود يحرم عليهم أكله، وقتله، ومسه بسوء. ويعتبرونه أصلهم الذي انحدروا منه، ويطلقون عليه اسم الطوطم كالأسد والقنفد. ويرون في القيم المشرف على الطقوس التي يؤدونها له كعبادة، شخصا يتمتع بقوة “المانا” التي تمنحه قدرة خارقة على فعل أي شيء، فكان أن جرى تقديسه وهو حي، كما جرى تقديسه وهو ميت! ونكون نحن كعباد القبور، قد تسلمنا من قدامى المصريين ومن الطوطميين مشعل تقديس الصلحاء، لأنهم مزودون بكرامات وبالبركة التي هي بمثابة وسيلة جاهزة لحل أية معضلة مرضية، حتى لو استعصى علاجها أو إزاحتها عن كل من الطب القديم والحديث، بما يتوفر عليه من تجهيزات ومن وصفات جرت عليها اختبارات فاتضح كونها فعالة ذات مردودية عالية!

             ولن نصف هنا بالقبوريين الضلاليين، قصاد الأضرحة من العامة الذين دأبوا على التوجه إليها كلما حلت بهم نازلة، أو كلما اشتد بهم الحنين إلى الركوع والسجود لغير الله أمام صنم وهمي غير موجود! لأن الموجود هو الدربوز وما تحته وما عليه من أردية مزركشة! لن نصفهم بذلك لأنهم مخدوعون! وإنما نكتفي بإسداء نصحنا إليهم عساهم يتراجعون عن الغي الذي غرقوا فيه كغرق ركاب إحدى السفن في قعر المحيط! ونقول للمشرفين على تدبير الشأن الديني: كفاكم خداعا للأمة التي تصغي إلى ما تقولون! لكنها لا بد مستنكرة في العاجل من السنوات، لما يعتبر لديكم ضمن أضلاع ثلاثي الأمن الروحي للمغرب المسلم!

             ويصر الظلاميون – وكل الأدلة الدينية والعقلية ضدهم – على أن البركة ذات مفعول سحري سري لا ينبغي جحده. فيقولون: “واعلم أن من أعظم نعم الله علينا وأكبر أياديه لدينا، وجود الأولياء وظهورهم وظهور أضرحتهم، وفي ذلك من المنافع والفوائد ما لا يدخل تحت الحصر. فمن الفوائد في ذلك وجود البركة بالأرض (أية بركة وبأي معنى؟) وكثرة النفع! وإدرار الأرزاق! إذ لولاهم ما أرسلت السماء قطرها، ولا أبرزت الأرض نباتها، ولصب البلاء على أهل الأرض صبا“! وقد صب البلاء مع وجودهم أحياء وأمواتا! فما علينا غير استحضار همجية هولاكو! وتيمور لانك! وهمجية هيتلر! والمشاركون معه في الحرب العالمية الثانية! وهمجية القذافي! وعلي عبد الله صالح! وهمجية عبد الفتاح السيسي! وهمجية بشار الأسد الذي ألزم جلاوزته المواطنين بتكرار “لا إله إلا بشار”!!!

             وفي كتاب “الأزهار العاطرة الأنفاس، بذكر بعض محاسن قطب المغرب وتاج مدينة فاس” لنفس مؤلف ” سلوة الأنفاس” محمد بن إدريس الكتاني. نقف على ألوان من الضلال والادعاءات القاتمة التي خص بها هذا الضلالي كلا من مدينة فاس وبانيها أو مؤسسها إدريس بن إدريس.

             فمن مزايا فاس – كما يقول – أنها “محل الأشراف والعثرة الطاهرة والذرية الهاشمية الفاخرة”! وأنها دار العلم… حتى قيل. إنه ينبع العلم من صدور أهلها كما ينبع الماء من حيطانها! وذلك من فيض مدد هذا الإمام رضي الله عنه (إدريس الثاني). وشدة عناية الله سبحانه وتعالى به”! ومنها “أنها تسمى عند الأولياء وأهل الله تعالى بالزاوية”! ومنها أن اجتماع الأولياء والصالحين على الأمورالمهمة يكون بها، كما دلت عليه المرائي والكشوفات”! ومنها – هذا الضلال الذي نسمعه – أنه ورد في فضلها على ما ذكروه حديث نقله الخلف عن السلف. وهو ما وجد في كتاب سيدي غراس بن إسماعيل الفاسي المعروف بابن ميمونة بخط يده قال: حدثني ابن أبي مطر(؟؟؟) بالإسكندرية قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن المواز، عن عبد الرحمان بن القاسم (كذب!). عن مالك بن أنس (كذب!). عن محمد بن شهاب الزهري (كذب!). عن سعيد بن المسيب (كذب!). عن أبي هريرة مرفوعا إلى الرسول قوله: “ستكون بالمغرب مدينة تسمى فاسا! أقوم أهل المغرب قبلة! وأكثرهم صلاة! أهلها على السنة والجماعة ومنهاج الحق!  لا يزالون متمسكين به، لا يضرهم من خالفهم، يرفع الله عنهم ما يكرهون إلى يوم القيامة”

             ثم يقدم إلينا من مزايا ومن كرامات مؤسسها ما يندى له الجبين فيقول:     “ومنها ما يوجد من الروائح الطيبة عند ضريحه، نقل ذلك متواترا. وأدرك بحاسة الشم في الأوقات التي لا يطلق فيها عنده عود ولا غيره. وذلك من الطيب الوهبي الملكوتي المنتشر من شراب الخمرة الإلهية والنبوية التي سقي منها والده رضي الله عنه. ومنه طلعت شمسها بالمغرب، ثم تسقى هو بعده وراثة منه، ثم منه انتشرت في هذه الأقطار، وسرى سرها في فؤاد الداني ومن هو بعيد الدار“!

             و”منها ما يحصل عنده من إجابة الدعاء ونجح المطالب الدينية والدنيوية، والحكايات بذلك مستفيضة كثيرة، ونصوص العلماء به شهيرة”!

             و”منها ما نقل عن غير واحد من الخواص من أنه وقع له أنه طلب منه عنده في حرمه شيئا من الدراهم ونحوها (الذهب أو الفضة أو الماس) فوجد ذلك في يده حسا في الحال، يقظة لا مناما”! وبما أن مدينة فاس تعج بالعاطلين عن العمل في وقتنا الراهن، فلماذا لا يوجه القيمون على تدبير الشأن الديني كل عاطل بها وبغيرها من مدن المملكة إلى مرقد إدريس الثاني ليتلقوا من الأموال ما ينتفعون به، ريثما تفتح أمامهم أبواب الشغل التي وعدت حكومة بنكران بفتحها أمام أكبر قدر ممكن من البطاليين البؤساء؟

             ومن مزايا المزور المقدس في قلب العاصمة العلمية يقول نفس الكاتب: “ما ينقل عن غير واحد من الناس من استغاثتهم به في بعض ما ينزل بهم من الشدائد وهم في أقطار متباعدة. فيفرج الله عنهم ببركته. والحكايات بذلك كثيرة لا تنحصر”!

             و”منها ما حكي عن بعض العلماء من أنه كان إذا أضره الفئران في كتبه شكاهم له، فيرفع الله عنه ضررهم. حكي ذلك في “تحفة الإخوان بمناقب أهل وزان”! وربما صحت هذه الحكاية العجيبة قبل اختراع سموم تفعل في الفئران وفي الجردان فعل النار في الهشيم!

             و”منها ما يذكره كثير من الناس من ذهابهم إليه واستشفائهم به فيما ينزل بهم من الأمراض المعضلة التي يعجز الأطباء عن معالجتها فيشفيهم الله ببركته! بحيث يكون على المرضى الفاسيين وعلى مرضى سكان مدينتهم من غير أهلها التوافد على ضريح قطب المغرب القادر على علاج كل ما يصاب به الإنسان في بدنه وفي عقله ونفسه!

             وقد ذكر في “الذر النفيس” أن رجلا كان به فتق قد أوجعه وآلمه كثيرا فجاء إلى قبره وجعل الفتق على تفاحة دربوزه وتضرع وبكى، فأقسم بالله أنه ما قام عند القبر حتى شفاه الله منه (بدون عملية جراحية). ولم يعاوده وجعه ولم يبق له أثر”! وذكر فيه أيضا “أن آخر كان مريضا بوجع المفاصل، وأعجز مرضه الأطباء، بل قال بعضهم إنه هالك. فرأى في المنام هذا الإمام وهو يقول له: قم نعطك الدواء، فمشى معه إلى أن وصل جامع الشرفاء، فأتى به إلى الحلاب الذي يذهن الناس من زيته للمرضى وقال له: هذا الدواء! فلما أصبح ادهن بزيته فشفاه الله بعد ثلاثة أيام”!

             ومنها – كآخر مزية له – “انتشار نسله المحمدي في جميع أقطار الأرض ونواحيها، وخصوصا في المغرب، انتشارا عظيما لا يكاد يوجد لغيره. وكان منهم العلماء والعاملون والأولياء الصالحون والأقطاب والأوتاد والزهاد والعباد. وغيرهم من أهل الخير والدين  والورع واليقين. وحصل للناس على أيديهم من الاهتداء والرشاد والتوفيق للطاعة وللخير، ما لا يكيف ويحد. فربح الناس بسببه في سائر الأقطار والبوادي والأمصار. وكانت أجورهم الصالحة كلها في ميزانه، وأعظم بذلك من غاية ربانية وكرامة إحسانية رضي الله عنه ونفعنا به! ولو تتبعنا هنا من كان من ذريته ممن هو متصف بوصف العلم أو الصلاح أو الخير والدين وانتفاع الناس به غاية الانتفاع، لخرجنا عن المقصود. وانظر إلى الشيخ مولانا عبد السلام بن مشيش، وتلميذه الشيخ أبي الحسن الشاذلي، شيخ الطريقة الشاذلية بالمغرب، والشيخ أبي الحسن بن ميمون بالمشرق، ونظرائهم ممن تقدم عصره. وإلى الشيخ الكبير والغوث الشهير مولانا عبد العزيز الدباغ، والعارف بالله القطب الأشهر مولانا علي بن عبد الرحمان العمراني الملقب بالجمل، وتلميذه القطب مولانا العربي بن أحمد الدرقاوي، والقطب الكبير والعلم الشهير مولاي عبد الله الشربيني الوزاني دفينها، والأقطاب من أولاده وغيرهم ممن يكثر جدا ممن تأخر عصره، وكثر الانتفاع به في سائر أقطار الأرض”!

             والأدهى والأمر بخصوص ما تضمنته المزية الأخيرة من مزايا إدريس الثاني، هو تصدر آل البيت هؤلاء الواردة أسماؤهم تباعا للاشتغال بالبدع، إن على المستوى النظري وإن على المستوى العملي. فعبد السلام بن مشيش في الصلاة التي ألفها والمنسوبة إليه يطلب من ربه أن ينتشله مما سماه ب”أوحال التوحيد”! يقصد التوحيد كما يفهمه عامة المسلمين… انتصارا منه لعقيدة الصوفية المتمسكة بوحدة الوجود! ويأبى الشاذلي تلميذه إلا أن يكذب على الله وعلى الرسول،، فقد ادعى أن الرسول هو الذي أملى عليه “حزب البحر” – وهو أحد أوراد أتباعه – ثم ادعى أنه لم يكتب حرفا واحدا من “حزب البر” إلا بإذن من الله ورسوله! أما الدباغ صاحب “الإبريز”، فغارق في الظلام الصوفي إلى حد الزندقة! بحيث إننا لو مضينا في تقديم ترهات من تقدم ذكرهم منذ حين، للزمنا تخصيص مجلدات ضخمة لمشايخ ولمريدين، نرى أنه  متبرئ منهم دنيا وأخرى. وهم مع ذلك من سلالته الطينية لا الروحية فحسب، كبقية المؤمنين!