ريحانة برس
ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة بلغة بسيطة ومفهومة للجميع هو ما لاحظته في الآونة الأخيرة من انتشار خطابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحمل طابعًا مزدوجًا، يقودها بعض أصحاب المصالح المالية والسياسية والأيديولوجية. هذه الخطابات، التي تتخذ غطاءات زائفة، تهدف في جوهرها إلى النيل من الدولة المغربية، في وقت تستنفر فيه المملكة كل إمكانياتها ومواردها لمواجهة إحدى أدق وأصعب المراحل التي يشهدها القرن الواحد والعشرون. ويتجلى الخطر في تمرير رسائل معادية للقضايا الاستراتيجية للمملكة، تحت ستار مزيف لحرية التعبير، وهو ما يستدعي التوقف عند هذه الظاهرة لتحليلها وفهم أهدافها الخفية وتأثيراتها على استقرار الوطن ووحدته.
هيبة الدولة المغربية: حدود التأثير والضوابط أمام خطاب مواقع التواصل
تعد هيبة الدولة المغربية –التي هي بالمناسبة أقدم دولة في العالم- إحدى ركائز استقرارها ووحدتها، فهي تعكس قدرة الدولة على فرض سيادتها، حماية مؤسساتها، وضمان أمن مواطنيها. تُبنى هذه الهيبة على الشرعية السياسية، قوة المؤسسات، والاحترام الذي يحظى به النظام السياسي داخلياً وخارجياً. إلا أن هذه الهيبة لا تخلو من التحديات، خاصة في ظل التغيرات التكنولوجية والإعلامية التي جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية يمكن استخدامها لبناء الوعي أو هدم الثقة.
في السياق المغربي، شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في حملات –إعلامية– هدامة تهدف إلى تقويض الثقة في الدولة ومؤسساتها. هذه الهجمات تأتي من جهات متعددة: بعضها داخلي تحركه مصالح سياسية أو أيديولوجية ضيقة دون أن نقفز على المصلحة المالية “، وبعضها خارجي يخدم أجندات دول مثل الجزائر وإيران. هذه الأجندات تسعى إلى إضعاف المغرب إقليمياً ودولياً عبر استغلال الفضاء الرقمي لتوجيه حملات تضليلية تستهدف هيبته وسيادته.
ما الذي يجعل هيبة الدولة هدفاً رئيسياً للانتقادات الهدامة؟ وكيف يمكن تفسير تصاعد هذه الظاهرة، خاصة مع ارتباطها بأجندات خارجية؟ وهل يمثل تطور منصات التواصل الاجتماعي عاملاً مساعداً في تعزيز هذه الحملات، أم أن ضعف المواجهة الإعلامية الوطنية يزيد من تأثيرها؟
تحليل الظاهرة
1. الانتقادات الهدامة بين حرية التعبير وخدمة الأجندات
إن النقد البناء حق مشروع ومظهر من مظاهر الديمقراطية، وهو آلية أساسية لتحسين أداء المؤسسات. لكن، عندما يتحول النقد إلى هجوم ممنهجيهدف إلى زعزعة الثقة في المؤسسات وضرب استقرار الدولة، فإنه يدخل ضمن خانة الانتقادات الهدامة.فيالسياق المغربي، تتجاوز بعض الانتقادات حدود التعبير المشروع لتتحول إلى حملات ممنهجة، تتلاعب بالمعلومات وتسعى لتضخيم الأحداث أو اختلاقها، بهدف زرع الفتنة وتقويض الثقة بين المواطن والدولة. هذه الانتقادات غالباً ما تصدر عن فاعلين سياسيين أو حقوقيين يستخدمون شعارات شعبوية لكسب التأييد.
الأجندات الإيرانية والجزائرية: أبعاد التنافس الإقليمي
• إيران: تشكل إيران نموذجاً للدولة التي تستخدم الدين والطائفية كأداة للتغلغل في المناطق التي تسعى إلى زعزعة استقرارها. في الحالة المغربية، وثقت تقارير دولية وإقليمية دعم إيران لجبهة البوليساريو عبر حزب الله، ما يعكس رغبة واضحة في عرقلة المغرب عن لعب دوره كفاعل إقليمي في إفريقيا والعالم العربي. كما تسعى إيران إلى استغلال الخلافات الداخلية في المغرب لنشر أيديولوجياتها المذهبية.
• الجزائر: تعتبر الجزائر المنافس الإقليمي التقليدي للمغرب. تاريخياً، لعبت وتلعب الجزائر دوراً رئيسياً في دعم البوليساريو، وتواصل استخدام مواردها من غاز وبترول وتوظيف جزء كبير من عائدات هاته الطاقة دبلوماسيا وإعلاميا لتشويه صورة المغرب دولياً. وسائل الإعلام الجزائرية والمنصات الإلكترونية المرتبطة بها تعمل على تضخيم القضايا الداخلية المغربية، مثل الحركات الاحتجاجية أو الأزمات الاجتماعية، لتقديم صورة سلبية عن استقرار البلاد.
3. دور بعض الجهات التي تعيش في عصر غير عصرنا
• يمثل هؤلاء مجموعة من الناشطين الذين يحملون أفكاراً يسارية تقليدية، وأخرى توظف الدين لأغراض سياسية، يسعون من خلالها إلى مهاجمة الخيارات السياسية والاقتصادية للدولة. يتجاهل هؤلاء التطورات العالمية والإقليمية التي تفرض نهجاً أكثر انفتاحاً ومرونة، ويفضلون خطاباً شعبوياً ينتقد كل المبادرات الرسمية. ويزجون بأنفسهم في قضايا تعتبر من صميم مهام وثوابت الدولة الكبرى، مما يجعلهم يطلقون تصريحات ومواقف شعبوية عارية من كل صحة تشوش على مسار الدولة المؤسس على رؤية ثاقبة لما يجري سواء في الإقليم وفي العالم ، وما يمكنه أن يحدث، كل هذا لضمان موقع في ما يرسم من تغيرات استراتيجية ، وتحقيق مزيدا من الاستقرار والأمن لهذهالأمة المغربية .
أما الفئة الأخرى فتستخدم خطاباً مزدوجاً، يركز ظاهرياً على قضايا اجتماعية مثل العدالة والحقوقوالقيم الدينية، لكنه في العمق يسعى إلى استرجاع ما ضيعه عن نفسه من نفوذ سياسي عبر تقويض ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الأداة المثلى لهذا التيار لنشر دعايته واستقطاب المؤيدين. والمتتبع لهذين التيارين في السياق الحالي من خلال خرجاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي (يوتوب، فايسبوك X ،بودكاست ، فيديوهات ….) سيلاحظ بجلاء أنهم يتوهمون للحفاظ على نقائهم السياسي و طهارتهم الفكرية و ولائهم الأيديولوجي ، يجب عليهم تجنب الانخراط في أي شكل من أشكال التعاون أو الاعتراف بأي إنجازات تأتي من مؤسسات الدولة المغربية. هؤلاء يتبنون في كثير من الأحيان أسلوبًا هجوميًا، ويقومون بانتقاد الدولة ومؤسساتها، معتقدين أن ذلك يعد بمثابة الحفاظ على موقفهم الثابت ومصداقيتهم السياسية والفكرية. في المقابل، حتى عندما تحقق الدولة نتائج إيجابية تصدح بها مختلف دول العالم وتعتبر مرجعية على المستوى الدولي، لا يتردد هؤلاء في التشكيك في هذه النتائج والتقليل من قيمتها، بل إنهم في بعض الأحيان يتبنون نظرية المؤامرة كإطار تفسير دائم لأية منجزات تحققها البلاد، مدّعين أنها إما مغلوطة أو مدفوعة بمصالح خارجية. هذا النهج يعكس تناقضًا في الطريقة التي يتم بها التعامل مع القضايا الوطنية، حيث يتسم بالانغلاق والتشكيك الدائم فيما يحقق من نجاحات، دون التفكر بموضوعية في التوجهات الكبرى التي قد تكون وراء هذه النجاحات.
تصريحات الفاعلين الحقوقيين والسياسيين: بين المسؤولية والانحياز
برزت في الآونة الأخيرة تصريحات لبعض الفاعلين الحقوقيين والسياسيين الذين، بدل أن يساهموا في النقد البناء وتحقيق الإصلاح، يتجهون نحو تبني خطاب يستغل التوترات الاجتماعية والاقتصادية لتوجيه هجمات غير مبررة على الدولة. عبر منصات التواصل، تُنشر هذه التصريحات بسرعة، وتُستخدم لإثارة الشكوك حول كفاءة المؤسسات وشرعيتها. وأخيرا تم استغلال مفهوم حرية التعبير والذي لا يمكن نكران توسع هامشه إلا جاحد أو عدمي، للخروج على إجماع الأمة فيما يتصل بالقضية الوطنية المقدسة تعبيرا عن الولاء للخارج على حساب الوطن.
مواقع التواصل الاجتماعي كأداة لصراع الأفكار
وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب أصبحت الساحة الرئيسية لنشر المعلومات وتشكيل الرأي العام. هذه المنصات، رغم إيجابياتها، تسهل انتشار الأخبار الزائفة والدعاية المضللة. في الحالة المغربية، يتم استغلال هذه الأدوات لإضعاف صورة الدولة عبر تضخيم الأزمات أو نشر أكاذيب تستهدف رموز السيادة، وبالرغم من أن الدولة المغربية الراسخة في التاريخ لا يمكن نهائيا لمجموعة متناثرة هنا وهناك من النيل ولو قيض أنملة من دولة تجر وراءها تجارب قرون وقرون من التنظيم والقدرة على تدبير أدق وأخطر المراحل ، إلا أن التصدي لمن يقدم مصلحة جهات خارجية على مصالح بلده أمر مشروع . وفي مثل هذه الحالات تبرز مقاربة قانونية زجرية رادعة لمن توفرت فيه الشروط المتطلبة لذلك ،إلا أن هذه المقاربة لا توف تماما بالغرض. وتبقى المقاربة الاستراتيجية المقعدة على :1. تعزيز الإعلام الوطني بإطلاق حملات إعلامية فعالة وموجهة تستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة لتقديم رواية الدولة بشكل موضوعي وواضح، مع التركيز على تفنيد الأخبار الكاذبة وتعزيز الوعي، والتحسيس بالتربية الرقمية، وذلك بإدماج برامج تعليمية حول كيفية التعامل مع الأخبار والمعلومات المنشورة عبر الإنترنت، لتمكين المواطنين من التمييز بين الحقائق والأكاذيب، و تفعيل القوانين الخاصة بالجرائم الإلكترونية،مراجعة وتحديث الإطار القانوني لمواجهة التشهير الإلكتروني ونشر الأخبار الزائفة، مع احترام الحريات الأساسية،و تعزيز التواصل المؤسساتي، بتطوير قنوات تواصل مباشرة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، لضمان الشفافية وتقديم التوضيحات حول القضايا المثارة، و تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، والتنسيق مع الدول الصديقة لمواجهة الحملات المضللة التي تقودها أطراف معادية، مع الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في إدارة الأزمات الرقمية.
و في الأخير تظل هيبة الدولة المغربية ليست مجرد مفهوم رمزي، بل هي ضرورة استراتيجية لاستمرار استقرار البلاد ومكانتها إقليمياً ودولياً. التحديات التي تواجهها هذه الهيبة، سواء داخلياً أو خارجياً، تتطلب استجابة متعددة الأبعاد تشمل الإعلام، القانون، التعليم، والتواصل. المغرب يظل نموذجاً فريداً في الصمود والتقدم، ولكن الحفاظ على هذا النموذج يتطلب يقظة دائمة واستثماراً مستمراً في بناء الثقة مع مواطنيه ومواجهة الأجندات التي تسعى إلى تقويض استقراره.
إرسال تعليق