هكذا نريد ثورتنا بالمغرب

  • بتاريخ : 24 مايو، 2014 - 16:54
  • الزيارات : 2
  • قناة ريحانة برس على اليوتيوب

    لاجدال في أن الثورة التونسية والمصرية أنضجتها سياسات الإضطهاد والإستضعاف وحرمان الشعوب من أبسط مقومات العيش الكريم وربما على المدى المتوسط ستتبعها

    هكذا نريد ثورتنا في المغرب

     

    لاجدال في أن الثورة التونسية والمصرية أنضجتها سياسات الإضطهاد والإستضعاف وحرمان الشعوب من أبسط مقومات العيش الكريم وربما على المدى المتوسط ستتبعها ثورة يمنية وسعودية وبعدها جزائرية ثم سورية ومن يدري ويستطيع التكهن بأن المغرب في منأى ومأمن عن هده الإرهاصات الثورية الجنينية ولكي لا نخطئ في التقدير فالصمت عند المغاربة ليس دائما خنوعا بقدرما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة وفي السياق ذاته نحن ملزمون بأن نقف إجلالا واحتراما وتبجيلا لرواد الثورة الفكرية التي زرعت بذور هذه الثورات واقتنصها شباب عبر مواقع اجتماعية وأحسنوا توظيفها ولو رجعنا إلى الوراء قليلا بقليل من الإحترافية لوجدنا أن تاريخ الثورات العالمية، والتي حققت أهدافها ثم سارت بعيداً في تحقيق العدالة الإجتماعية لمجتمعاتها والتقدم والتطور المعرفي، جاءت مباشرة بعد الثورات الفكرية التي أرست لوعي هو خلاف الوعي السابق لمفهوم الثورة الوصولية .

     

    و أشهر الثورات التي هلل التاريخ بها الفرنسية والأمريكية وثورة الملح بالهند حيت انطلقوا بتصور فكري مهد من خلاله الواقع ، وحققوا عبره الإصلاحات الدينية ومبادئ الفكر التحرري بمشاركة مجموعة من فلاسفة التنوير الأوروبي مما زلزل الأسس الفكرية التي لفظها المجتمع لصالح الأسس الفكرية الجديدة التي تمثلت قيم العصر، وعلى هذا قامت الثورات الفكرية لتعيد هيكلة الواقع البشري وتصوراته الذهنية الجديدة للحياة حتى السياسي منها.

    إنه تحول فريد أفرزته ثورتا تونس ومصر بنظرة جديدة للعالم العربي بكل صوره وأشكاله على اعتبار أن “الثورات هي في الواقع تغييرات جذرية في النظرة إلى سياسات الأنظمة الدكتاتورية ، وإذا ما قارنا بين الثورات الفكرية والثورات السياسية وحاولنا جمع تقاطعاتها فإن تأثير الثورة الفكرية بوصفها رؤية نخبوية لرؤية الواقع هو تحول في الرؤية إلى المجتمع، والذي يدفع في اتجاه التغيير عمق المستوى السياسي.

    لدلك نجد التاريخ يروي عن محاكمات كنسية للعلماء ، وهذا فعل سياسي يتناسب مع التصورات الدكتاتورية، فكان لا بد من تغيير الواقع السياسي حينما تم تغير التصور الفكري للواقع عبر جسر التصور النخبوي.

    إن تصور الدولة الحديثة خاضع لمثل تلك التصورات الجديدة في فهم العلوم والنصوص الدينية ومفهوم الدولة وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها من الحقوق …..، وهي بحق مفاهيم تحتاج إلى تصور فكري عميق يسبق التمردات السياسية والثورات المجتمعية، والتي لا تلبث أن تكرس نفس المآسي وتؤسس لدكتاتورية في لباس ديمقراطي بشعارات هي نفسها التي دعت إليها الوجوه الممقوتة من شعوبها.

     

    إن الثورة التونسية والمصرية وضعتا أولى الخطوات في طريق البناء والتحرر ولا زالتا لم يتم حتى الآن التأمين على التضحيات الجسام والحفاظ على المكتسبات ، ولذلك فإن إمكانية عودة الدكتاتوريات المغلفة بالذلقراطية العربية واردة هنا كما أحسن في وصفها عالم المسقبليات الدكتور المهدي المنجرة في كتابه الدلقراطية؛ لأن الجو العربي على العموم مازال يعاني من ترسبات لم تكن يوما من مبادئ وقيم مفهوم الدولة العصرية المدنية، ولذلك فإن الحاجة هنا ماسة إلى تأصيل مفاهيم تسير في إطار مفهوم الدولة الحديثة، أو مفهوم المجتمعات المدنية الحديثة أكثر من أي شي آخر حتى لا يمكر التاريخ مرة أخرى بمن سودوا صفحاته كالهارب بن علي والعميل مبارك ومن قبله شاه إيران .

    فتاريخ الإنسانية عبر العصور غني بالأسرار والمواقف المشرفة والثورات الفكرية والسياسية والمسلحة على تنوع أهدافها برهان على إرادة هذه الشعوب والأمم التي ماهي إلا شرارة سرعان ما تتقد وتتوهج من تحت رماد القهر, فنجد أن معظمها حققت أهدافها التي قامت من أجلها كالثورات العرقيةا لتي ثارت ضد الإستعباد والعنصرية ضد الزنوج ولا نغفل الثورة الفرنسية والثورة الروسية وغيرها … ولم تقتصر الثورات على هده الشريحة حيث وجدت ثورات قامت بها نخبة من الطبقة العسكرية كما هو الحال في الثورة العلمانية بتركيا أو ثورة الضباط الأحرار بمصر , وثمة ثورات دينية مثلما وقع في إيران الخمينية أو طالبان الأفغانية وثورة الفلاحين بالصين.

    في غمرة فرحة العالم بسقوط أنظمة الخزي والعار وما خلفته الثورات الشعبية التي قادها الشباب في تونس ومصر هذه الأيام من بوادر الأمل في كثير من الدول التي يعاني شعوبها من ويلات الدكتاتوريات تتبلور بعض التساؤلات حول القيمة المضافة للثورات، وقوة تأثيرها على الواقع العربي، وهو واقع مُرٌ كنا نظن إلى وقت قريب ما قبل الثورة التونسية أن زمن الثورات قد رحل وولى لكن عودته أصابت العالم بالدهشة والذهول وبنوعية الوعي الذي يختلف جذريا عن وعي الثورات الوصولية والشعاراتية التي تكونت على أرضيتها الثورات العربية أيام الستينات والسبعينات الميلادية، والتي لا نشك بانحرافها السياسي عن صفائها الثوري الأول حتى لم يعد لها الصلة إلا بالمسمى دون تجسيد تلك الشعارات على أرض الواقع مما جعلها تؤكد أنها خارج السياق التغييري لمفهوم الثورات السلمية الجديدة، حتى فاجأتنا الثورات الشبابية، والتي بدأت تصنع متغيراتها الثورية الخاصة لتعيد صياغة الواقع السياسي من جديد، وتحويل مساره لخيارين لا ثالث لهما: الإصلاح أو الرحيل.

    وما أريد الإشارة إليه هو كوننا أمة أحوج ما تكون إلى إعادة النظر في مبادئها الروحية وأصولها الفكرية , وكسر حاجز الخوف ونبذ التردد وكفانا حيرة وكذلك صناع القرار فينا إلى مراجعة للخطوط العريضة للسياسة الوطنية وعلى رأسها قضية فصل السلط التي لطالما تناولتها المعارضة السياسية النخبوية والجهاز القضائي المطالب قبل غيره بالثورة ضد كل فساد وكل ما يهين كرامتهم ويلغي إنسانيتهم مما يدفع الشباب المغربي لثورة ربما لن تكون كالتونسية أو المصرية ولا يعني هذا الكلام أن نتمرد بصورة متهورة وطائشة في هذه الأسس التي انبنى عليها وجودنا الحضاري , بل أن نعيد فهمها واستيعابها على ضوء ما يقع في هذا العصر وهذا التاريخ من مستجدات متسارعة, وباستخدام مناهج نقدية وطرح تساؤلات جديدة تعيننا على فهم من نحن ؟ وماذا نريد كمجتمع أولاً ؟ , من أجل أن نفهم طبيعة العالم المُعقد الذي نعيش فيه عبر المتابعة الرقمية ويعيش هو أيضاً فينا وكأننا مجتمعات تتطابق في واقعها وتختلف في بعض تفاصيلها . فالثورة هي فكرة نصوغها بعقولنا التي نفكر بها , قبل أن نثور بأجسدنا التي زهدنا فيها !

    أظن أن تناسل الأسئلة لن يقف عند هذا الحد بل سيفتح في دواخلنا آفاق أرحب لتعتمل في واقعنا المغربي الذي سبق وقلت أن لا أحد يستطيع أن يتكهن بأن المغرب في منأى ومأمن عن مكر التاريخ وأن هناك إرهاصات ثورية جنينية رغم وجود مساحات شاسعة للحرية وتطور سياسي وتقدم تنموي وتغيير للوجوه لكن هذا التحول غير كاف إذا ماقارناه بحجم الكوارث الإجتماعية بدءا من البطالة وتنامي مستوي الفقر والصحة والتعليم الذي جعل من أبناء الشعب المغربي حقل تجارب ناهيك عن القضاء وملفاة الفساد وهدر المال العام , أعتقد أن الضمير المغربي الحاكم مطالب باتخاد إجراءات سريعة وصارمة وقوية

    من أجل تفادي الأسوأ .

    لا شك أن هناك وعي جماعي مشترك لدى الشباب المغربي بقيم إنسانية مشتركة يمكن الوقوف عليها. هذا الوعي بالتقاطعات في العمل السياسي أو الحياة اليومية تبلور في نمطين الأول العزوف السياسي وثانيا إلحاحية السؤال حول الرؤى الفكرية للثورات مطروحاً بقوة في الشارع المغربي خاصة في ظل الحديث حول نوعية الفوضى التي قد تسببها مثل تلك المظاهرات التي أصبحت تتسع يوماً بعد يوم. هذا الوعي الشبابي هو وعي بالواقع نفسه ومتغيراته الفكرية والسياسية مما سيجعلها تخرج من محدودية المعارضة الحزبية الكرتونية إلى المطالبات الشعبية، والتي أهمها محاربة الفساد وأهله أيّاً كان نوعه.

    سيأتي يوم تحقق شريحة المستضعفين في أيام ما لم تستطع تحقيقه أحزاب المعارضة الكرتونية في سنوات وتسبق فيه تحقيقات الباحثين وجدالات السياسيين وصراعات المقربين والتكهنات الدولية .

     

    هذا الوعي أوجد تعاطفاً طوفانيا من قبل كافة دول العالم وليس المغربي فقط، لأنها تفاعلت برؤى تختلف عن المطالب الحزبية الضيقة التي تجاوزها الزمن إلى واقع أكثر حرية وأكثر تجذّراً من إصلاحات سطحية تُرَوجُ بشعارات استهلاكية سرعان ما ينكشف عورها ومسكناتها الوقتية آن الأوان للأحزاب التي تغرد خارج السرب وتطبل في الماء العكر والتي عنوانها الوصولية والإغتناء الفاحش على حساب دافعي الضرائب أن ترحل عن المشهد السياسي وإلا سيطالب الشعب المغربي يمحاكمتها على ماقترفته في حقه .

    الشارع المغربي يحظى باهتمام غير مسبوق من قبل أعلى الدوائر التي تصنع القرار وتراقب نبضه وهل هناك تطابق مع الحالة التونسية والمصرية؟

    يمكن القول أن الشباب المغربي قادر على المساهمة في خلق تحولات كثيرة على المستويات الشعبية والسياسية بعيدا عن العمل الحزبي الفاشل والنتن بالصراعات الداخلية ، وعلى مستوى انتشار الوعي الشبابي لمفهوم الثورة والتغيير السلمي مع الأخد بالحسبان الخصوصية المغربية وشبه الإجماع الوطني حول الملكية، ولعل نوعية الشعارات التي رُفعت أثناء المسيرة التضامنية توحي بهذا الوعي السائد لدى الشريحة الشبابية المغربية ّ’هناك اتفاق واضح حول سؤال التحول الآن ومطلب التغيير على الأقل في مسألة فصل السلطات وإعادة النظر في اقتصاد الريع وحقل التعليم الذي يشهد تراجعا وانتكاسة من جوانب عدة النوعية والقيمة ، وما يتمخض من خطاب سياسي ولى .

    وفي التجربتين التونسية والمصرية كان السؤال حول المعطى الفكري من خلال المعطى السياسي واضحاً جداً من خلال نوعية التحرك السلمي لتغيير الواقع. هناك وعي بعمق المشترك الوطني بين أبناء الوطن الواحد ظهر ذلك جليا بين المصريين، فكون المسيحي إلى جانب المسلم في المظاهرات يجعلنا نتساءل حول هذا الوعي الناتج من وجود ثورة بهذا الحجم التي تتصاعد شيئاً فشيئاً. السؤال المؤجل حتى الآن هو ما بعد الثورات والتضحيات الجسام التي ارتوت بالدماء .

    هل سوف تنتج خطاباً فكرياً عاماً ومواقف سياسية ومتابعة جادة تكون موازية لحجم الثورة ؟

    أم أنها تكاد تصبح ثورات معزولة سرعان ما تعيد صياغة نفس الإشكاليات السابقة التي ثار ضدها سيل الشبان في الشوارع العربية؟

    هناك ثورات فكرية نخبوية لم تعطى حجمها الحقيقي من الاهتمام كما حدث مع الثورات السياسية , تلك هي الثورات الفكرية العميقة , وهي برأيي بذرة كل تحول إيجابي يخاطب عمق الإنسان وصلبه ألا وهو العقل , بينما تمسي الثورات الأخرى ( السياسية والاجتماعية والاقتصادية ) امتداد للثورة الفكرية , أو مجرد تنفيس للضغط دون أدنى تأثير , إذا ما قورنت بالثورات الفكرية ! وقد تتبدل واجهات وشعارات الأحزاب واتجاهاتها السياسية وتتناقض , وقد ترحل وتأفل , أو تبقى وتثبت , ولكن هذا الأمر لا يعدو عن كونه مسألة سطحية تماماً عند التماسنا للجذور الفاعلة في تدشين أية حركة إنسانية بانية وإيجابية في جوهر أي مجتمع .

    فنجد الكثيرممن يتغنوا بهذه المرجعية أو تلك , ويسعى آخرون لترويج شعارات براقة ولماعة , بينما يحنّ صنف مخالف لهؤلاء جميعاً إلى ماضي عصر المخزن والطرح الأمني الذي جر على الأنظمة سخط شعوبها وقادها لشعار ( الشعب يريد إسقاط النظام ) أو ( إرحل إرحل ياطاغوت ) أو ( يكفي من الظلم ياقذافي) , وفي الآن نفسه تغفل هذه الطينة من الناس عن حقيقة راسخة في تاريخنا البشري العريض : وهي أن الفكر هو الذي يقود زمام الإنسان , فليس بالخبز ولا الماء ولا الهواء يعيش الإنسان , وإنما ينضاف العامل الفكري لهذه العناصر المادية , فتكتمل الصورة وتضيق فجواتها , فتكون واضحة على أنصع ما يكون الوضوح , وتكون النتيجة هي أن الفكر يجب أن يسبق أي تحرك كي يؤسس له ويمهد الطريق , فأي خطوة بلا فكر هو ارتجال أهوج وسليقة ساذجة لا تعي ما تفعل !

    وهذا الخيار الفكري النخبوي سيكون الموجه الذي يُمكن أن يحدد بوصلة الإصلاح الحقيقي والجذري وليس الترقيعي في أية أمة من الأمم , أعني بذلك : الجانب الفكري الصرف , وهو في مقام الأصل الذي تصدر عنه التحركات الإنسانية الأخرى من أخلاق , وعادات , وعقائد , ومسائل عملية واقتصادية . ومن الوهم والحمق , من يظن قيام هذه الثورات والمظاهرات والإحتجاجات والتفاعلات في الحياة الإنسانية دون الأخذ بالاعتبار تاريخ الأفكار وصواب الآراء الموضوعية في مسيرة الإنسان الطويلة .