فمن مواسم الحصاد التي نعيشها هذه الأيام: حصادُ العام الدراسي، وحصاد العام الفلاحي، وحصاد مغاربة المهجر، الذين يكدحون طيلة العام، ثم يعودون بحصادهم في
د. أحمد الريسوني
موازين الفساد اختتمت، خابت وخسرت…
ومواسم الحصاد أقبلت، وتنوعت وبوركت…
فمن مواسم الحصاد التي نعيشها هذه الأيام: حصادُ العام الدراسي، وحصاد العام الفلاحي، وحصاد مغاربة المهجر، الذين يكدحون طيلة العام، ثم يعودون بحصادهم في هذه الأيام.
ومن أعظم مواسم الحصاد التي حلت بنا موسم الحصاد الرمضاني، بمساجده العامرة وتراويحه الزاهرة…
غير أن حصاد العام الدراسي لهذه السنة كان مُرًّا شديدَ المرارة؛ فقد شهدت امتحانات الباكلوريا المغربية درجة فظيعة وغير مسبوقة من حالات الغش الجماعي الممنهج، ومثلُ ذلك — أو أكثرَ منه — يقال عن سائر امتحاناتنا في كافة مدارسنا الإعدادية والثانوية والجامعية…
وقد تزامن هذا مع درجة أخرى فظيعة أيضا وغير مسبوقة من التحدي والاستفزاز، أقدم عليها أباطرة موازين الفساد، سواء في ساحاتهم بالرباط وسلا، أو بواسطة قنواتهم التلفزيونة المعلومة.
فأي علاقة بين هذين الأمْرين الأمَرَّين؟
لو كان عندنا مؤسسة أو مؤسسات للبحث العلمي التربوي المستقل والنزيه، لطلبنا منها، أو لبادرت هي من تلقاء نفسها، إلى إجراء بحث ميداني معمق حول علاقة المهرجانات، وخاصة تلك التي تنظم في أوقات الامتحانات وقبلها، مع تدهور مستوى تعليمنا، وتدهور حالة الامتحانات، وتصاعد لجوء الطلبة والتلاميذ إلى الغش، ولبادرت إلى التحقيق التربوي مع عينات من آلاف التلاميذ الذين أمكن ضبطهم رسميا وهم يغشون في امتحانات الباكلوريا، وأضعافهم في مختلف الثانويات والجامعات، وأن تستمع إلى أولياء التلاميذ… لكي تؤكد لنا في النهاية أو تنفي: ما إن كان هؤلاء التلاميذ — وأمثالهم من الطلبة — هم من ضحايا موازين وأخواتها وبناتها أم لا؟ وما هو تأثير السهرات والمهرجانات على التعليم والامتحانات؟. مع العلم أن مهرجان موازين ليس مهرجانا لمدينة الرباط كما يُظن، بل هو مهرجان يدخل كل المدن والقرى، وكل البيوت والأكواخ. ثم هو له أشباه ونظائر وفروع تنتشر في كل أنحاء المغرب. ومعلوم أن أكثر جمهور المهرجانات والسهرات هم من الطلبة والتلاميذ، ومن الغشاشين والحشاشين.
إن الانهيار المتواصل لتعليمنا، وتفشي الغش في كل أوصاله، يشكل كارثة وطنية حقيقية، ولو استمر تعليمنا ومضى على هذا المنوال، فسنجد قريبا دولا وجامعات تسحب اعترافها بالشهادات المدرسية والجامعية المغربية، باعتبارها شهادات مغشوشة. بل ربما ستظهر عندنا “الجمعية المغربية لمحاربة الغش السري”، مطالبة بتقنين الغش وتنظيمه، على غرار مطالبتهم بتقنين الإجهاض وتقنين زراعة الحشيش.
فالمهم في النهاية هو أن يحافظ المغرب على مكتسبه الكبير ووجهه الحداثي المشرق: موازين وأخواتها وقنواتها.