نحن لسنا مجرد وجوه مختلفة الألوان والأشكال، فقد تبين أن حجم، ولون، وشكل وجوهنا كلها أشياء تكشف عن أمور غاية في الأهمية عن شخصيتنا، وصحتنا، وحتى سلوكنا
نحن لسنا مجرد وجوه مختلفة الألوان والأشكال، فقد تبين أن حجم، ولون، وشكل وجوهنا كلها أشياء تكشف عن أمور غاية في الأهمية عن شخصيتنا، وصحتنا، وحتى سلوكنا الجنسي.
يمكنك أن تتوقع أن يتجاوز فيلسوف عظيم في نظرته إلي مظهرنا الخارجي، ويتأمل مكنون أنفسنا، لكن الفلاسفة اليونانين القدماء كانوا أيضا يهتمون بالمظهر الخارجي بشكل كبير. فقد وضع أرسطو وأتباعه مجلداً عن قراءة مكنونات النفس من خلال المظهر الخارجي للإنسان.
وكان مما يزعمون في ذلك الشأن: “الشعر الناعم يدل على الجبن، بينما الشعر الخشن يدل على الشجاعة”. “الوقاحة تبرز من العيون المفتوحة ذات الجفون المحتقنة،” بينما يعتبر الأنف العريض دليلاً على الكسل، كما هو الحال في الماشية. الشفاه الممتلئة رآها الفلاسفة علامة على الحماقة، أما أصحاب الشفاه الرقيقة فهم في العادة فخورون بأنفسهم كالأسود، كما يقولون.
لكن في هذا العصر، تعلمنا ألا نحكم على الأمور من ظاهرها. ومع أهمية هذا المبدأ، يرى علماء النفس أن شكل الوجه يشير إلى ما نخفيه في أعماق نفوسنا. فحتى لو حافظت على وجه متجهم، فتقاسيم وجهك تكشف تفاصيل عن شخصيتك، ووضعك الصحي، وكذلك مستوى ذكائك.
بنية جسدية قوية
تقول كارمين ليفيفر من جامعة نورث أمبريا: “الفكرة هي أن تركيبتنا الحيوية، مثل مستوى الجينات والهرمونات، تؤثر على نمونا، وشخصياتنا تتشكل وفق الآلية ذاتها.”
لو أخذنا بعين الاعتبار، على سبيل المثال، تركيب عظام الوجه، سواء كانت قصيرة نوعا ما، وعريضة، أو طويلة ورفيعة. توصلت ليفيفر إلى أن الأشخاص الذين يرتفع لديهم منسوب هرمون الجنس الذكوري “تستوستيرون” عادة ما تكون وجوههم عريضة وعظام الوجه لديهم أكبر حجماً، وعادة ما تكون لديهم شخصية حازمة وأحياناً عدائية.
الربط بين شكل الوجه والهيمنة أمر شائع، بداية من قرود الكابوشين، التي تتبوأ فيها القرود ذات الوجه العريض مكانة مرموقة في الجماعة، ومرورا بلاعبي كرة القدم المحترفين.
وعندما درس كيث ويلكر من جامعة باولدر في كولورادو كأس العالم عام 2011، وجد أن نسبة عرض وارتفاع وجوه اللاعبين أنبأت عن عدد المخالفات التي ارتكبها لاعبي الوسط في المبارايات، وعدد الأهداف التي أحرزها المهاجمون.
وربما ساعدك ذلك على توقع دوافع السياسيين أيضا. فقد استخدمت ليفيفر متطوعين للمقارنة بين رؤساء أمريكيين سابقين في عدة جوانب نفسية، فوجدت أن شكل الوجه يعكس دوافعهم وطموحاتهم.
فقد كان لدى جون كينيدي وجهاً أكثر سمكاً من وجه شيستر آرثر، على سبيل المثال. لكن هذا التحليل لشخصيات تاريخية ينبغي ألا يؤخذ على عواهنه، أي كمسلمات قاطعة، حيث أن صفات التعاون والذكاء على نفس القدر من الأهمية لنجاح أي شخصية.
الخدان الممتلئان
حالتك الصحية وماضيك الصحي مسجلان كذلك في ملامحك، وما تعكسه هذه الملامح من تفاصيل يثير الدهشة. كمية الشحوم في وجهك، على سبيل المثال، تعطي إشارة على أن لياقتك البدنية أقوى من المقاييس المعروفة، مثل حجم الجسم.
أصحاب الوجوه النحيلة أقل عرضة للإصابة بالالتهابات، وعندما يصابون بها، يكون مرضهم خفيفاً، كما أن مستوى القلق والاكتئاب لديهم يكون أقل. يعود ذلك على الأرجح إلى أن الصحة الذهنية عادة ما ترتبط بشكل وثيق باللياقة البدنية بشكل عام.
كيف يمكن لامتلاء الخدين أن يكشف عن صفات شخصيتك؟ بينيدكت جونز من جامعة غلاسكو يعتقد أن فهماً جديداً لدور الشحوم في الجسم قد يساعد في فهم ذلك.
يقول جونز: “وجود الشحوم في الجسم ليست دليلاً على أن صحتك على ما يرام، ولكن مكان وجود هذه الشحوم هو الذي يدل على اعتدال صحتك”.
الأشخاص الذين تشبه أجسامهم ثمرة الكمثرى؛ حيث تكتنز أردافهم بالشحوم، بينما تكون منطقة الجذع نحيلة، يكونون أفضل من الناحية الصحية من الذين تكون أجسامهم على شكل ثمرة التفاح؛ حيث تكون منطقة الجذع والحجاب الحاجز لديهم ممتلئة.
ويعتقد أن الدهون في منطقة الصدر ينتج عنها جزيئات التهاب من شأنها الإضرار بالأعضاء الرئيسية في الجسم. وربما كان امتلاء الوجه يعكس وجود الدهون المكتنزة في أكثر المناطق إيذاء في الجسم، أو أن شحوم الوجه في حد ذاتها ضارة لسبب ما.
إلى جانب هذه المؤشرات الواضحة، من شأن الاختلافات في لون الجلد أن تكشف أيضا عن حالتنا الصحية. فقد تبدو في صحة تامة على سبيل المثال إذا كان جلدك مائلاً إلى الصفار الذهبي. الأصباغ التي تتحكم في لون الجلد تعرف باسم الكاروتينات، والتي يمكن أن توجد في الفواكه والخضروات الحمراء، والبرتقال.
هذه الأصباغ تساعد على بناء نظام مناعة صحية، كما تقول ليفيفر، وتضيف: “عندما نتناول الطعام الكافي، تستقر هذه الأصباغ في الجلد وتحول لونه إلى الأصفر. وتظهر هذه الأصباغ لأننا لا نستخدمها لمقاومة المرض.”
وتساهم الحالة الصحية الممتازة في المقابل في الكشف عن جاذبيتك الجسدية، وذلك أكثر من اللون الذهبي الذي قد تضفيه على جسدك بطريقة صناعية في صالونات التجميل.
أما المسحة الزهرية فتشير إلى صحة الدورة الدموية التي تنتج عن أسلوب معيشة مفعم بالنشاط، ويمكن أن تكون أيضاً علامة على خصوبة المرأة.
وقد وجد جونز أن لوناً ورديا يعلو وجوه النساء في ذروة دورة الطمث، ربما بسبب هرمون الجنس الذي يدفع الأوعية الدموية في الخدين إلى التمدد قليلاً.
ولعل ذلك من بين عدة تغيرات في المظهر الخارجي والسلوك والتي تجعل في مجملها المرأة أكثر جاذبيةً عندما ترغب في الجنس.
المظهر الذكي
ويشير جونز إلى أننا استغرقنا وقتاً طويلاً في اكتشاف هذه الأسرار التي ندركها الآن بمجرد النظر. هذه المعرفة تساعد على ترميم سمعة فن “الفراسة” التي كانت متقلبة منذ تأملات أرسطو.
الملك هنري الثامن كان متشككاً في فكرة الفراسة لدرجة أنه منع الدجالين من الاستفادة من قراءاتها، كما أن وضعها تعرض للتقريع في مطلع القرن العشرين، عندما ارتبطت الفراسة بنظرية تعرف باسم “الفرينولوجيا”، التي تقوم على التنبؤ بسلوك الإنسان بناء على شكل جمجمته.
لكن الفكرة الآن تكتسب مصداقية، إذ نجد كثيراً من المفاجآت المختبئة في الصور الذاتية “سيلفي” التي نلتقطها لأنفسنا.
ويبدو أننا نستطيع توقع معلومات معينة ذات مستوى معقول من المصداقية بمجرد النظر إلى تقاسيم وجه شخص ما. لكن مع ذلك، ليس من الواضح بعد ما هي العلامات المحددة التي تجعل شخصاً ما يبدو ذكياً مثلا.
آخرون يدرسون الميول الجنسية لدى الإنسان، وغالباً نستطيع بسرعة كبيرة توقع الميول الجنسية لشخص ما، حتى مع عدم وجود مؤشرات من نوع الأحكام المسبقة. لكن ما الذي يجعلنا نحكم على شخص ما بأنه مثلي الجنس على سبيل المثال؟ ما زال الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة لكي نتمكن من تفسير اطلاقنا أحكاماً من هذا القبيل بسرعة فائقة.
وسيكون من المثير بالفعل أن نرى كيف تتغير العلاقة بين الشخصية وأسلوب المعيشة، والشكل الخارجي على امتداد سنوات العمر.
وقد تمكنت دراسة من فحص سجل الشخصية والمظهر الخارجي من خلال تتبع نقاط معينة لأشخاص في الثلاثينيات إلى التسعينيات من العمر. ووجد العلماء أنه على الرغم من أن الرجال ذوي الوجه الطفولي المظهر ليسوا مهيمنين خلال فترة شبابهم، إلا أنهم يصبحوا أكثر حزماً مع مرور الوقت، ومع تقدمهم في السن.
ربما كان ذلك من باب التعويض عما عانوه نتيجة مظهرهم الأليف في سنوات الشباب الأولى. وتوصل الباحثون أيضاً إلى أن وجوه الذين يتقدم بهم العمر تبدأ في حمل صفات شخصية لم تكن قد ظهرت على وجوههم في سن الشباب.
فالنساء اللواتي يتمتعن بشخصية اجتماعية جذابة منذ سن المراهقة وحتى فترة الثلاثينيات، يصبحن بالتدريج أكثر جاذبية من ناحية الشكل الجسدي، حتى إذا ما وصلن إلى الخمسينات من العمر، يظهرن أجمل من أولئك اللواتي كن أقل جذبا ولكن أجمل من ناحية الشكل فقط.
أحد الاحتمالات وراء لذلك أنهن عرفن كيف يستفدن على أفضل وجه من مظهرهن، وأن ثقتهن بأنفسهن ساهمت في التعبير عن هذا الجمال.
في نهاية الأمر، أظهرت دراسة ذكية نشرت في الآونة الأخيرة أن مظهرنا لا يتوقف فقط على تركيب عظام الوجه، أو لون البشرة. فقد طلب العلماء من متطوعين ارتداء الثياب المفضلة لديهم، ثم يلتقطوا صوراً لوجوههم.
وعلى الرغم من أن الملابس لم تظهر في الصور التي تم التقاطها، اعتبر أشخاص محايدون من لجنة للتحكيم أن صور هؤلاء الأشخاص أكثر جاذبية من صور غيرهم من الذين اشتركوا في المسابقة.
الاستنتاج هنا في غاية الأهمية والإثارة، وهو أن أصحاب الصور الفائزة طلب منهم أن يحافظوا على تعبير محايد عند التقاط الصورة، لكن بطريقة ما، ظهر أثر الثقة والرضا عن النفس واضحاً في الصور التي التقطوها لأنفسهم.
وجوهنا ليست فقط نتاجاً لتركيبنا الحيوي من جينات وهرمونات. لكن بصقل شخصياتنا وتقديرنا لأنفسنا، تصبح وجوهنا مرآة تعكس أشياء أكثر أهمية من لونها أو شكلها الخارجي.