هل يسبق القانون كشف ثروات الساسة؟"

0

ريحانة برس – هيئة التحرير

مع اقتراب ساعة الحسم في تمرير مشروع المسطرة الجنائية الجديد الذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، يجد المغرب نفسه أمام مشهد سياسي ساخر ومثير للتساؤل. فقد تصاعدت في الأوساط الشعبية والسياسية على حد سواء مطالبات جادة للكشف عن ثروات الوزراء والسياسيين قبل الشروع في أي إصلاحات قانونية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سنرى وزراءنا يسارعون إلى إعلان ممتلكاتهم علنًا، أم أن الكتمان سيبقى الخيار الأكثر أمانًا؟

في بلد يعاني فيه المواطن البسيط من أزمة ارتفاع الأسعار والتفاوت الطبقي المتزايد، يبدو الحديث عن الشفافية في أروقة السلطة أشبه بمحاولة إخفاء الشمس بالغربال. كيف يمكن لحكومة تدعي الإصلاح والعدالة أن تطلب من المواطن الالتزام بالقانون، في حين أن مسؤوليها لم يكشفوا بعد عن حجم ثرواتهم؟ يبدو وكأن مشروع المسطرة الجنائية ليس أكثر من ستار يحاول أن يغطي الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن، في ظل فشل الساسة في تقديم نموذج يُحتذى به.

الشفافية، التي لطالما كانت حديث الساسة في المناسبات الرسمية، أصبحت اليوم مطلبًا شعبيًا ضاغطًا. فلا يمكن الحديث عن العدالة والمساءلة في غياب الإفصاح عن ثروات المسؤولين. فهل يمكن لنا أن نثق في مشروع قانون يمس حياة المواطنين بينما القائمين على تمريره يتهربون من تطبيق الشفافية على أنفسهم؟ يبدو أن الفجوة بين ما يتم الترويج له وما يتم فعله على أرض الواقع أعمق مما يتخيله الكثيرون.

قد يكون من السخرية بمكان أن نطالب بالكشف عن ثروات الوزراء في وقت أصبح فيه الغموض السياسي هو سيد الموقف. فمن أين جاءت كل هذه الثروات التي نراها تتزايد عامًا بعد عام، في حين يظل المواطن المغربي يكافح من أجل تأمين أبسط متطلبات الحياة؟ هل أصبحت السياسة في المغرب هي أقصر الطرق نحو الثراء؟ أم أن هناك طرقًا أخرى تتبع بعيدًا عن الأعين؟

مشروع المسطرة الجنائية الذي يتحدث عنه وهبي، والذي من المفترض أن يكون خطوة نحو تعزيز العدالة، يواجه الآن تحديًا أكبر: هل ستلتزم الحكومة بتطبيق مبدأ الشفافية على نفسها قبل أن تطبقه على الشعب؟ أم أن هذا المشروع سيتحول إلى مجرد ورقة قانونية أخرى تضاف إلى رفوف البرلمان دون أن تحدث أي تغيير حقيقي؟

المثير للسخرية هو أن الوجوه التي تطالب المواطن بالالتزام بالقانون هي نفسها التي لم تكشف بعد عن حجم ما تمتلكه. هل يمكن لوزير أو مسؤول أن يتحدث عن مكافحة الفساد في حين أن مصادر ثروته ما زالت مجهولة؟ يبدو أن المغرب اليوم أمام معادلة صعبة: بين الإصلاح الحقيقي والكشف عن الممتلكات، وبين تمرير القوانين في صمت دون أي مساءلة حقيقية.

إن كشف ممتلكات الوزراء والمسؤولين ليس مجرد مطلب شكلي، بل هو اختبار حقيقي لمدى جدية الحكومة في تطبيق مبادئ الحكم الرشيد. فإذا كانت الحكومة صادقة في نيتها للإصلاح، فلا بد أن تكون الشفافية هي الخطوة الأولى على هذا الطريق. ولكن ما نراه اليوم هو تهرب مستمر من هذه المسألة، وكأن الإفصاح عن الثروات قد يكشف عن مفاجآت غير مرغوبة.

التجارب العالمية أثبتت أن الشفافية في إعلان الممتلكات تعتبر الركيزة الأساسية لأي نظام يسعى لتطبيق العدالة والمساءلة. فما الذي يمنع وزراءنا من الاقتداء بهذه التجارب؟ هل يخشون من ردود فعل الشارع أم أن الثروات التي يمتلكونها لا تتناسب مع ما يُفترض أن يمتلكوه؟

ومع اقتراب موعد مناقشة مشروع المسطرة الجنائية، يبدو أن الضغوط الشعبية والمطالب بالكشف عن الممتلكات ستزداد. فهل ستتمكن الحكومة من التهرب من هذا الملف الحساس؟ أم أن الوقت قد حان لأن تقدم نموذجًا حقيقيًا للإصلاح يبدأ من القمة؟

في النهاية، لا يمكن أن نتحدث عن أي إصلاح قانوني دون أن يكون الوزراء والمسؤولون هم أول من يلتزم بمبادئ الشفافية. فالعدالة لا تتحقق بالشعارات، وإنما بالأفعال. وإذا كانت الحكومة تريد أن تكسب ثقة الشعب، فلا بد لها أن تقدم خطوة جريئة في هذا الاتجاه: الكشف عن الممتلكات والمساءلة العلنية.

ولكن إلى ذلك الحين، سيبقى السؤال: هل سيفتح الوزراء خزائنهم أم أن القانون سيظل حبيس الأبواب المغلقة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.