في شقة صغيرة من مبنى شعبي متواضع بأحد أحياء منطقة سد البوشرية في ضواحي بيروت، وجد الشقيقان سمير وفادي بيوس سليمان وعائلاتهما بعضاً من الأمان، رغم افتقار
في شقة صغيرة من مبنى شعبي متواضع بأحد أحياء منطقة سد البوشرية في ضواحي بيروت، وجد الشقيقان سمير وفادي بيوس سليمان وعائلاتهما بعضاً من الأمان، رغم افتقار الشقة لأدنى مقومات الحياة واضطرارهما للجلوس والنوم على الأرض
وصل الشقيقان من أربيل يوم الإثنين، 21 يوليو، بعد أن رحلا قسرا من الموصل أسوة بآلاف العائلات المسيحية التي خيرها تنظيم ما يعرف بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، بين النزوح أو إشهار الإسلام أو الموت بحد السيف.
ويقيم الأخوان الآن مع عائلتيهما في هذه الشقة التي وفرها لهما خادم رعية مار جرجس للطائفة الأشورية، الأب جورج يوحنا، ويحاولان لملمة حياتهما.
وبحزن، يقول سمير (27 عاماً) للشرفة” هجرت و زوجتي وطفلي ابن السنة من الموصل، كما شقيقي وآلاف غيرنا من المسيحيين، على يد تنظيم إجرامي وعناصره“.
ويتابع “هجم علينا أفغان وسعوديون وعراقيون، وألزمونا بمغادرة المدينة”، موضحا أن عناصر داعش يوم الخميس، 17 يوليو، حددوا للمسيحيين مهلة يومين لمغادرة الموصل، “بعدما رفعوا أعلامهم السوداء في كل مكان، لاسيما على كنائسنا، وكتبوا على أبواب بيوتنا حرف ’ن‘، بما معناه ’نصراني‘”.
وانتشر عناصر داعش في جميع أحياء الموصل، كما يضيف سمير، “لذا، وبعدما أغلقوا كل مخارج المدينة باستثناء واحد، غادرنا قافلة واحدة باتجاه المناطق الأكثر أمناً“.
وفي الطريق إلى خارج المدينة، استولى عناصر داعش على السيارة التي كان هو وعائلته فيها، وفتشوهم فرداً فرداً وأخذوا منهم ما يحملون من مال، وقالوا لهم “هنا الدولة الإسلامية في الموصل، وغير مرحب بكم بدولتنا. لا تعودوا”، حسب ما يروي سمير.
وبعد رحلة طويلة إلى قراقوش ومنها إلى أربيل، وصل الأخوان العراقيان إلى بيروت، تاركين وراءهما والديهما المقعد والمريض ووالدتيهما، لا يعرفان ما إذا كانا سيتمكنان لاحقا من الالتحاق بهما في لبنان.
’أخذوا منا كل شيء ‘
وفيما يستسلم سمير لبكاء صامت على ما حل بهم وما ينتظرهم من مصير مجهول، يعبّر شقيقه فادي (23 عاماً) عن سخطه لممارسات داعش “المزعجة والدنيئة“، والتي لا تمت للإسلام بشيء، على حد تعبيره.
ويضيف فادي للشرفة “تركنا بيوتنا وأملاكنا. أخذوا منا كل شيء بما في ذلك تعب والدي لسنين طويلة. وأعيش وزوجتي كما عائلة شقيقي بالخوف رغم وصولنا إلى لبنان، لأننا لا نعرف مصيرنا“.
وفي حي الزعيترية بمنطقة الجديدة، وجد ابن بلدة قراقوش خليل عطالله غرفة صغيرة تأويه وعائلته المؤلفة من زوجته هيفاء وبناته الثلاث لارا، سبع سنوات، وديانا، خمس سنوات، ولاريتا، أربع سنوات، وابنه بهنام، سنتان.
وفي هذه الغرفة التي لا تزيد مساحتها عن الـ30 مترا مربعا وتحولت إلى غرفة منامة وقاعة جلوس ومطبخ، يجد عطالله ما يخفف من خوفهم.
ويقول للشرفة “بعد محاصرة داعش لقراقوش وقصفها بالمدفعية واستهداف النساء والأطفال، انتابني الخوف على عائلتي وبخاصة على ابنتي لارا التي تحتاج إلى العلاج لإصابتها بداء الذئبة الحمراء، لاسيما أنه سبق وفقد ابنته بالمرض نفسه“.
ويوضح عطالله أنه غادر إلى أربيل ومنها إلى لبنان لتأمين العلاج لها وهربا من داعش.
ويتابع “لم نكن نتوقع حدوث ما يحصل، وجميعنا كمسيحيين خائفون من داعش خوفاً حقيقياً داهماً“.
داعش تصادر منازل المسيحيين
وكان الأب يوحنا دنحا، راهب الكلدان الكاثوليك، في الموصل عندما بدأ هجوم داعش عليها.
ويروي للشرفة ما حدث قائلا “أغلقنا أبواب كنائسنا وأديرتنا عندما بدأ الهجوم، وفوجئنا يوم الجمعة، 18 يوليو، بما تضمنته خطب الجوامع وإمهالنا من قبل داعش 10 ساعات لإخلاء المدينة“.
ويضيف أنه وقبل انتهاء المهلة، كتب عناصر داعش على أبواب بيوت المسيحيين حرف “ن” باللون الأحمر مضيفين باللون الأسود “بلدية دولة داعش” في إشارة إلى أن العقار بات ملكا لهم.
وبين الجمعة وصبيحة السبت، خرج من الموصل أكثر من 1050 عائلة، وبقي فقط المسنون والمرضى الذين لا يُعرف شيء عن مصيرهم حتى الآن، وفقا للأب دنحا المتواجد حاليا في بيروت.
ويقول “تشوه داعش صورة الإسلام الحقيقية، فالإسلام ليس كذلك“.
ويختم الأب دنحا بأسى “يعيش أهلنا من كل الطوائف المسيحية خوفا من إبادة حقيقية. لقد شرّد أكثر من 40 ألفا من الموصل، وبات أكثر من 50 ديراً وكنيسة والعديد من المزارات والمقامات المسيحية بيد داعش التيأحرقت الكنائس، وكسرت الأيقونات والصلبان ورفعت عليها أعلامها السوداء“.
وكان رؤساء الطوائف المسيحية الشرقية قد دقوا ناقوس الخطر الأسبوع الماضي جراء ما يتعرض له أبناء رعاياهم في شمال العراق من تنكيل وتهجير على يد داعش.
وأطلقوا خلال لقاء لهم في بيروت نداء عالميا لتقديم المساعدة لمسيحيي العراق والعمل على وضع حد لتنامي شر داعش التي تشكل خطرا على الإنسانية جمعاء.
إرسال تعليق