رشيد قريش – ريحانة برس
دون الرجوع على مقتضيات الدستور المغربي 2011، حول دور الأحزاب السياسية نختصر الكلام، حول علاقة الأحزاب السياسية والتمثيلية بالمجالس المنتخبة، في عملية تدبير الشأن الترابي.
فالتدبير الترابي، ليس مسالة هوس انتخابي، انها مسالة جد مهمة في مسار تنمية منطقة حضرية أو قروية، إنها تحدد مستقبل الساكنة، في الصحة والتعليم والبنيات التحتية الأساسية، إنها مسالة تنظيم حضري وعمراني يحتاج إلى كفاءات وليس إلى أشخاص لملا مقاعد دون إعطاء قيمة لمفهوم التنمية المحلية.
ولا بد هنا من ضرورة إيجاد آلية الانتقال الديمقراطي داخليا، من خلال تجاوز، العمل السياسي الشخصاني والانتهازي ومحاربة توسيع مدارات الريع والمحسوبية والزبونبة والبيروقراطية، لان ذلك، ومما لا شك فيه، يعيق أي إصلاح السياسي، ويقوض مبادرات تخليق الحياة السياسية والنقابية، ويؤدي إلى النفور والعزوف السياسي، عن المؤسسات الدستورية الحزبية.
مند 2007، سجل الملاحظون، تراجعا في العملية الانتخابية، وعزوفا عن المؤسسات الحزبية، التي تعتبر آلية للتمثيلية الشعبية بالمجالس المنتخبة.
ويعزى التراجع إلى غياب مستوى التأطير والتكوين، داخل الأحزاب السياسية، التي (طوقت) بالريع الحزبي، الذي أفشل عملية الاستقطاب للطاقات الشابة، وحرم العديد منهم، من ممارسة العمل السياسي، وهو نفس المسار الذي يمارس على مستوى النقابات المهنية. وبالتالي ضلت الكثة الناخبة، تعاقب هذه المؤسسات بالتصويت العقابي.
ولا أدل على ذلك، تراجع نسبت التصويت في الانتخابات التي توالت بالمغرب، كان آخرها، الانتخابات الجزئية التي وصلت فيها نسبة المشاركة، 6 في المائة. كما سجلت على مستوى الميداني، تراجع في التنمية المحلية بمعظم الجماعات المحلية، وخاصة على مستوى تطوير بنياتها التحتية الأساسية وضعف تنسيقها مع مختلف المصالح غير الممركزة وشركاء التنمية المحلية، حيث طغت على بعض الجماعات انتشار واسع لدور الصفيح والبناء العشوائي والأسواق العشوائية والجريمة…
هذه الأزمات، تفتح باب التساؤلات المشروعة، حول جدية المشروعية السياسية للأحزاب ككل، وحول المسار الحزبي بالمغرب، من قبيل، هل لازالت هناك مصداقية في الأحزاب السياسية المغربية؟ إلى أين يسير المشهد السياسي المغربي في ضل العزوف عن الممارسة السياسية وعن المشاركة في العملية الانتخابية؟ ما مآل العقد الاجتماعي في ضل هذه الأوضاع التي يمر منها المشهد السياسي المغربي؟
هناك مجموعة من الأسئلة التي لا يسع المجال لطرحها، وان كان لا بد من ذكرها، مثال، عيوب اللائحة الانتخابية، التي كشفت بالملموس، غياب الأطر الحزبية، والاكتفاء بالبحث، عن أشخاص خارج الهياكل الحزبية، وأيضا تضمنت بعض اللوائح، أسماء أبناء وأزواج ومقربين لزعماء سياسيين، انتقدها المغاربة في صمت، مع انتشار شراء الذمم، واستعمال المال “السائب” في مجريات عملية الانتخابية .
آلية تخليق الحياة السياسية من اجل تدبير شان ترابي فعال
حقيقية المشهد السياسي المغربي، يعتريه الفساد، ولتتجنب الأحزاب السياسية المغربية، الهزائم…. لا بد من عقد سياسي جديد، مؤسس على ضرورة مراجعة مدونة الانتخابات، وكذلك مراجعة القانون التنظيمي للجماعات الترابية، خاصة في باب حالات التنافي التي يجب توسيعها بما يتماشى مع الانتقال والإصلاح الديمقراطي.
كما يجب إعادة النظر في بعض فصول القانون التنظيمي للجماعات الترابية، حيث تتم عملية التنزيل بآلية بطيئة، لا تتماشى مع سرعة وديناميكية المجتمع المغربي. كما يلاحظ، أن العلاقة بين الجماعات المحلية والجهات، غير واضحة، حيث تتداخل الاختصاصات بين العمدة ورئيس الجهة، في قضايا تهم، الشأن الجهوي ككل، وتتقاطع أيضا في مسألة، الاختصاصات المنقولة من الدولة. أما بخصوص اختصاصات رئيس مجلس المقاطعة، فأسهل شيء يمكن تنزيله، صرف الاعتمادات المخصصة للتنشيط الرياضي والثقافي.
ولابد هنا، من تعميق المزيد من التدقيق في الاختصاصات المنقولة من الدولة للجهة، حيث تتشابه وتتقاطع مع الاختصاصات الذاتية في مجالات عدة، نقتصر هنا في هذا المقال بذكر بعضا منها، في مجال التنمية الاقتصادية، نجد دعم المقاولات، توطين وتنظيم مناطق للأنشطة الاقتصادية بالجهة، تهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي، إنعاش أسواق الجملة الجهوية، إحداث مناطق للأنشطة التقليدية والحرفية، جذب الاستثمار، إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية، وإذا ما قرناها بالاختصاصات المنقولة، وبصفة خاصة، التجهيزات والبنيات ذات البعد الجهوي، الصناعة، الصحة التجارة، التعليم، الثقافة، الرياضة، الطاقة والماء والبيئة.
الملاحظة الأولى في هذا الباب، إعادة نفس المصطلحات بين الفقرات، بشكل فضفاض، فحين نقول مثلا، أن الدولة تمنح للجهات قطاع الصناعة، كيف يمكن لرئيس الجهة تنزيل هذا الاختصاص، الذي هو مرتبط بالسياسة الصناعية الوطنية، وبمجالاتها الجغرافية وتصاميمها.
لكن في حالة التعاقد بين الدولة والجهة تكون واضحة شيء ما، حيث يتم تنزيل عقد الشراكة المشمول بالموارد المالية والاعتماد المخصصة زمنيا ويكون التشارك وفق البرنامج الوطني للصناعة.
أما في حالة التي تنتقل فيها الصناعة إلى الجهة، فرئيس الجهة يجد صعوبة في عملية التنزيل وقس على ذلك، الصحة، فالجهة قد توفر المراكز الصحية والتجهيزات، لكنها لا تستطيع توفير الأطر الطبية والكوادر البشرية الإدارية الأخرى، وبالتالي، فان قرارات التداولية لمجلس الجهة، تبقى رهينة الإدارة المركزية لوزير الصحة، ولحجم الميزانية القطاعية المخصصة للصحة الموزعة على التراب الوطني، وبدورها وزارة الصحة، تنتظر تأشيرة رئيس الحكومة، أخدين بعين الاعتبار، حجم الخصاص للموارد الطبية بجميع أصنافها بالمغرب، والتي تقدر 120 ألف ممرض وممرضة.
وبالتالي، فان إحداث المراكز الصحية بالجهات مسالة صعبة، لن تخرج عن الخريطة الصحية الوطنية للدولة.
وللتوضيح، إذا كانت جهة درعة تافيلالت مثلا، في حاجة إلى مستشفى جامعي متعدد التخصصات، وتمت برمجته داخل المكتب التنفيذي لمجلس الجهة، فان وزارة الصحة ترى، أن جهة الشرقية هي ذات أولوية قصوى.
فعملية التأشير على مشروع إحداث مركز صحي بدرعة، سيتوقف وقد لا يرى النور، ومعه يهدر المال في بنيات وتجهيزات، إن العملية توحي لنا باستمرار أسلوب المركزية الغالب على اللامركزية وعدم التمركز الإداري، كما يعطينا الانطباع عن حرية التدبير الحر، الواردة في الدستور، مسالة تحتاج إلى توضيح.
اعتقد، أن مراجعة الاختصاصات الواردة في القانون التنظيمي للجهات، يجب مراجعتها بالكيفية الواقعية، حيث تشكل عملية التنزيل للمهام صعوبة.
الأمر الثاني في ما سلف ذكره، والذي يشكل حجرة عثرة أمام المجالس المنتخبة بصفة عامة، ضعف فهم وتفهم مضامين القوانين التنظيمية الترابية 3، للنخبة السياسية المدبرة للشأن الجهوي وكذا الافتقار إلى كفاءات عالية في المجال الترابي. كما نسجل الخوف من المساس ببعض الاختصاصات التي تقع على خط تماس مع العمال.
الاستنتاج الميداني، أعطانا على مستوى الجماعات الترابية وخاصة مجالس المقاطعات، غياب تام أي مبادرات تنموية، رغم صغر حجم المقاطعة، حيث لازالت نفس هموم المواطن تعاد، غياب النظافة ضعف الأمن، ضعف الإنارة العمومية، مشاكل الأحياء غير المهيكلة، فوضى تدبير ملاعب القرب، ضعف التنسيق بين المقاطعة والجماعة ومصالح العمالة في تدبير الدور الآلية للسقوط، غياب الشفافية في عملية إحصاء الساكنة المتضررة، ضعف في عملية إعادة إيواء الساكنة، التوزيع غير العادل في منح المخصصة للجمعيات الرياضية والجمعيات المجتمع المدني، طغيان الشطط في استعمال السلطة لرجال السلطة المحلية وأعوان السلطة.
وفي هذا الإطار، نلاحظ، اتخاذ قرارات ارتجالية في بعض البرامج الجماعية، وخاصة في المدن الكبرى، التي تعتمد على نظام وحدة المدينة. إذن لا بد من إدارة محلية تحترم إرادة الناخبين، وان مسالة تدبير شؤونهم أولوية قصوى يجب محاسبة الإدارة على تدبيرها ان فشلت، من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما لا ننسى المدن الأخرى، التي بدأت تتوسع ديموغرافيا وعمرانيا، والتي يجب التحكم في تطورها مستقبلا، حتى لا تنفلت من التنظيم الحضري والتطور العمراني، بشكل يحترم الأداة التوجيهية الوطنية والمخططات التهيئة الحضرية وتصاميم التنطيق والقانون الجزئيات العمرانية الجديدة، والأقطاب الحضرية الجديدة او المدن الفلكية.
لذلك، لا بد من تقييم تجربة وحدة المدينة، لكي نمر إلى تقيم تجربة الجهوية الموسعة، حيث ستمكن عملية التقييم من الوقوف على الأخطاء والهفوات التي ارتكبت أثناء الممارسة التدبيرية للشأن الترابي، كما تمنحنا العملية، إمكانية إدخال التعديلات القانونية والتشريعية المناسبة والتي تتماشى مع متغيرات المشهد الاجتماعي المغربي. كما تمكن من المزيد من التوضيح في مجال الاختصاصات بين الفاعلين الجهويين و بقية الفاعلين الآخرين.
إرسال تعليق