محمد متوكل – ريحانة برس
وجدته (بخنشته) المملوء نصفها بأشياء لا تمثل أي شيء للذين رموها في (بركاسة) تحتوي على جميع أنواع النفايات والازبال و(لاوبيل)…ثم ما لبث ان لحق عليه شخص اخر رث اللباس وسخ الحالة شاحب الوجه عليه اثار الفقر والخصاص والعوز والهشاشة، ينبش هو الاخر في (البركاسة) لعله يجد شيئا ثمينا وهو يعلم ان مغاربة المملكة الشريفة لا يرمون في (البركاسة) الا الأشياء الوسخة والمتلاشيات والمكسورات والمنتهية الصلاحية، لكن صديقنا هذا ف(البركاسة) بالنسبة اليه مخزنا لأشياء ثمينة سيأخذها ربما لياكلها كالخبز وما تبقى من المشروبات و(المعلوفات) المغربية، او أشياء أخرى كالقارورات و(الكانيطات) والزجاج و(الكارتون)، وغير ذلك مما من شانه ان تشكل قيمة إضافية له في حياته البئيسة والفقيرة والمشلولة ماديا ومعنويا.
ف(البركاسات) بيت مغاربة الفقر والعوز والخصاص، الذين لفظهم التاريخ المغربي والجغرافيا المغربية والتربية الوطنية المغربية التي كانت ولا زالت تحاول غرس مبادىء (التاواطانيت) في نفوس أهلها وذويها، لكن لما يتعلق الامر بالثروات والخيرات والنعم والبركات وأشهى أنواع الأكل واشهى أنواع الشراب …اقصد الماء والعصائر وليس المشروبات الكحولية…فتلك حرام بنص الكتاب والسنة، وأحسن أنواع الألبسة وأحسن آليات الركوب وأفخر المنازل وأحسن السيارات واروع الأماكن سفرا وتجولا و(تحواسا) وأرقى التحسينيات والكماليات، إلى غير ذلك مما لا يحظى به مغرب 2023 والذي كان وبقي ولازال وسيستمر…لا قدر الله…في إنتاج نفس البرامج والأنشطة والآليات التي تخدم الطبقة الميسورة، وترفع من أرصدتها البنكية وتعلي من شأنها مقابل الإهمال والتهميش الذي تقابل به الطبقة الفقيرة للأسف الشديد.
إنه مغرب المفارقات سادتي الكرام، ومغرب التناقضات ومغرب الفوارق الاجتماعية مغاربة ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب…ومغاربة ولدوا وفي أفواههم ملاعب من تعب، مغاربة الهامش والحاشية والطرف…مقابل فئة محظوظة ولدت في مملكة محمد السادس وتربت فيه لكن استحوذت على كل الخيرات وجمعت (الحصيصة)… (حب وتبن) أكلت خيرات البلاد ونهبت ممتلكات العباد وأدخلت المملكة الشريفة إلى ما يشبه بالسكتة القلبية لا قدر الله.
فاينما وليت وجهك ستواجهك (بركاصة) عليها جمع غفير من المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة يبحثن فقط عن لقمة عيش ولو كانت مختلطة بالأوساخ والقاذورات، وآخرون لا يعرفون حتى معنى (البركاسة) لأنه في الحقيقة قد يفطرون هنا في المملكة الشريفة وقد يتناولون الغذاء في بلد ما ولا ينزلون من طائرة إلا ويركبون طائرة أخرى…اما الفقراء فهم لا يسمعوا بهم ابدا… وإن سمعوا بهم فهولا يجدون قولا ينبسون به إلا قولهم المشين والعنصري والمقيت…”وسختوا البلاد…ياك احنيني يحساب ليك البلاد جاتك فالورث”…البلاد بلاد الله…والارض أرض الله ونحن مستخلفون في ذلك لا أقل ولا أكثر…وعوض أن نزيد العلف في ظهر المعلوف، علينا أن نفكر في الطريقة المثلى من أجل أن نعيد للفقراء والمساكين والمحتاجين الاعتبار، وأن نمكن لهم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ونجعلهم محور التفكير والتخطيط والبرمجة…والا فسفينة البلد حتما لن تقلع مادام طرف محظوظ يحظى بكل خيرات المملكة الشريفة…وطرف مقصي مهمش محگور لا يجد إلا (البركاسة) من أجل الاقتيات.
لقد آن الأوان أن نعيد التفكير في سن استراتيجية وطنية شاملة من أجل أن نعيد لمغاربة (البركاسات) الاعتبار لأنهم جزء منا ونحن جزء منهم وما يصيبهم يصيبنا وما يهمهم يهمنا وما يضرهم يضرنا…وعيب في الحقيقة ونحن في 2023 أن نجد بعض المغاربة يقصدون (البركاسات) من أجل أن يبحثوا عن لقمة خبز… لأن ذلك هو الحل الوحيد بالنسبة لهم إذا جاعوا أو عطشوا أو أي شيء…ومملكة محمد السادس ولله الحمد وبقيادة جلالته الحكيمة مليئة بالخيرات والنعم…(ها الفوسفاط)…(ها الأنواع ديال الحوت)…(ها الأراضي)…(ها الفلاحة)…لكن ذلك لا يصل منه شيء إلى (البوفرية) الذين لا يجدون ملجا إلا البحث في (البركاسات) في الوقت الذي يرفل فيه المحظوظون في بحبوحة من النعيم المقيم.
إرسال تعليق