محمد سعيد – ريحانة برس
منذ سنة صدر لنا كتاب بعنوان “المغاربة المسيحيون وإشكالية حرية المعتقد”، وقد قام بالمراجعة المنهجية والأكاديمية لهذا العمل المتواضع الدكتور زكريا أكضض والدكتور عبد العالي صابر عن مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية (مدى)، برعاية مؤسسة water life التي عملت على إصدار هذا العمل.
في هذا الكتاب حاولنا أن نبين بأن “حرية المعتقد” نقطة خلافية عند صناع القرار تحتاج إلى شجاعة وندية سياسية من طرف كل الفاعلين، ففي ستة فصول من هذا المشروع الذي دام العمل فيه ستة سنوات، بينا بأن الثقافة الحقوقية بالمغرب ما تزال بحاجة إلى نضج أكبر، ذلك لأن المجتمع المغربي مازال محافظا ولم يصل بعد إلى مستوى من التطور لكي يتقبل تحول مواطن مغربي إلى ديانة أخرى، أو لا تدينه، ثم تطرقنا إلى خدعة الاسلام السياسي في محاربته لهذا المطلب وعدم ترسيخه من خلال الدستور الممنوح لسنة (2011)، لذلك نحث ونطالب على توفير الشروط الضامنة للتعايش السلمي والاستقرار الاجتماعي، فحرية المعتقد لا يمكن مصادرتها، فهي مسألة فردية لا دخل للجماعة أو النظام السياسي فيها.
لقد كان وعيي بالحقوق المسلوبة للمسيحيين حادا ومؤلما منذ أن اعتنقت المسيحية، فالأمر لا يتعلق بمشكلة أكاديمية يمكن حلها بمزيد من الدراسة، بل الأمر يتعلق بوجودي داخل نسق فكري وعقدي مغاير، فمعتقداتنا هي حوضنا الوجودي، لقد كان من أرهب ما عشته هو أن أحسب على الإسلام وأنا لست مسلما، أن أحسب من أتباع نبي الإسلام محمد وأنا لست من تابعيه، أن أحسب بأنني أحمل انتماء عروبيا أصيلاً للإسلام وأنا غير ذلك.
في هذا الكتاب تطرقنا لتقارير دولية تضع المغرب في مصاف الدول التي لا تقر بحرية الاعتقاد، فقد صدر تقرير دولي يقول بأن المغرب من أكثر الدول تضييقاً على “حرية المعتقد” من طرف الاتحاد العالمي للإنسانية والعلمانية، وعد تقرير “مؤشر الحرية الدينية” لسنة (2014) الذي قيم مستوى الحرية الدينية في كل دول العالم، أسباب دخول المغرب في هذه الخانة السوداء حسب توصيف الاتحاد الدولي، هو وضعية البهائيين والشيعة والمسيحيين، وكذلك الذين لا ينتمون لأي معتقد، وأوضح التقرير على أن السلطات تقوم في العديد من المرات بالتحقيق مع أتباع هذه الطوائف والمكونات الدينية، وتمنع تجمعاتهم الدينية، وتحدث التقرير عما أسماه التناقض بمسودة الدستور التي تقول، بأن المغرب يعترف بسمو المواثيق الدولية التي تضمن حرية المعتقد، قبل أن يعود نفس الدستور لكي يقول بأن هذه المواثيق يجب ألا تتعارض مع الهوية الوطنية، وهو الأمر الذي يحد من أثار توقيع المغرب على المعاهدات الدولية.
إننا من خلال هذا الكتاب نريد أن نقول للنظام المغربي، أننا مغاربة أبناء هذا الوطن ولسنا دخلاء عليه، نريد أن نقول له نحن نريد أن نقيم طقوسنا علانية كغيرنا من معتنقي الأديان الأخرى (المسلمين واليهود)، نريد أن نقول لصانعي قيمنا اليوم أن اختياراتنا العقدية والدينية هي مسألة شخصية وفردية ولا تعنيكم في شيء، ولا يحق للدولة أو من يمثلها مهما علاً شأنه أن يتدخل فيما نعتقد وندين به، فلكل منا قناعاته الفكرية والدينية، فالاستثناء المغربي الذي تتكلم عنه “الكاكفونياً الجديدة” (رجال النظام السياسي) لا يستقيم بدون احترام الحريات الفردية والخصوصية الشخصية للمواطنات والمواطنين المغاربة.
إننا نطالب بتحديد حقل مؤسسة إمارة المؤمنين داخل المجال السياسي والديني المغربي من أجل ترسيخ “حرية المعتقد” بالدستور، فإذا لم يأخذ هذا الأمر المطالبين بترسيخ هذه الحرية بالدستور بجدية، فلن ترسخ مهما قدمنا من مذكرات ترافعية للجهات المسؤولة بكل تنوعاتها واختلافاتها، وللتوضيح فقط، يعد الملك رئيس الدولة المسؤول عن ترسيخ مبدأ “حرية المعتقد” في إطار اختصاصاته الدستورية، فلم يحمل مشروع القانون الجنائي لسنة (2016 م) في عهد وزير العدل “مصطفى الرميد” بخصوص حرية المعتقد بالمغرب، إباحة أو منعا صريحين لتغيير الديانة، إذ يكتفي بالتحدث عن ازدراء الأديان، مُحددا لها عُقوبة تتراوح ما بين 20.000 و 200.000 درهم، فيما يتوعد مُستعملي الإغراءات لزعزعة عقيدة مُسلم وتحويله لديانة أخرى بتغريمهم أموالاً تتراوح ما بين 2000 و 20.000 درهم، فليس هناك جديد بمشروع القانون، وليس هناك جديد لثلاثة عشر لجنة جهوية لحقوق الإنسان ببرامجها تعنى بحرية المعتقد، أو تقديم مرافعة قانونية أمام المحكمة الدستورية والجهات المختصة للمطالبة بدمج حرية المعتقد بالدستور.
إن السياسيون بالمغرب هم دائمو التحدث عن حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، حتى أصبحت العدالة الانتقالية كذبة يروج لها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالدول الإفريقية والإسلامية والعربية، ولا يجرؤ على الدفاع عن “حرية الاعتقاد” في نقاشاته الحقوقية الفضفاضة محلياً ووطنياً، فقد سبق أن أشرنا في حوار مع جريدة هيسبريس، إن “حرية المعتقد غير موجودة بتاتا داخل المجتمع المغربي، بل يتلاعب الفاعلون السياسيون بالمفهوم فقط، فحرية المعتقد تعتبر المدخل الرئيسي لأي نظام سياسي وأي ديمقراطية كيفما كانت، فإذا كنا نؤمن بأن حرية المعتقد موجودة مسبقا، فيجب إذن أن تترسخ على أرض الواقع”، وأضفت بأن الانفتاح الديني “مجرد بروباغندا موجهة للخارج، فهي قيمة غير موجودة بتاتا، لأن الانفتاح الديني مَقرون بالاعتراف بالمكونات العقدية” 1، فالنخبة السياسية التقليدية اليوم تحتاج لشيء من التواضع وصفاء القلب لتسمع الجواب على السؤالين التاليين:
كيف نحقق حرية المعتقد على أرض الواقع؟ وكيف نؤسس لأرضية الاختلاف وندافع عن الحرية الفردية؟
خلاصة: إن ما حدا بنا لتأليف هذا الكتاب هو النفي المبرح لوزير حقوق الإنسان الأسبق “محمد أوجار” لوجود مسيحيين مغاربة في أحد البرامج التلفزية التي حاوره فيها الصحفي المتميز “محمد التيجيني”.
الهامش:
1 – مقتطف من حواري مع جريدة هيسبريس الإلكترونية تحث عنوان “سعيد: حرية المعتقد وهم بالمغرب” (السبت 2 مارس 2019).
إرسال تعليق