بعد فتور وضعف تعرضت له الحركة الوهابية، إثر سقوط الإمارة السعودية الثانية وسيطرة آل الرشيد -الحليف التاريخي للدولة العثمانية- على منطقة نجد، سنة (1308هـ
بعد فتور وضعف تعرضت له الحركة الوهابية، إثر سقوط الإمارة السعودية الثانية وسيطرة آل الرشيد -الحليف التاريخي للدولة العثمانية- على منطقة نجد، سنة (1308هـ – 1891م)، فقدت الدعوة الوهابية السلطة السياسة الداعمة والمناصرة، التي تمكنها من استمرار النفوذ والهيمنة وبسط المذهب بين عموم الناس.
ولكن تجدد أمل علماء الدعوة من جديد، حين انبرى أحد أحفاد الأمير فيصل بن تركي، وهو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، لكي يعيد بناء سلطة العائلة الحاكمة، مع أوائل القرن العشرين.
ولإدراكه الأهمية الأيديولوجية للمذهب الحنبلي الوهابي، فقد سارع الملك عبد العزيز، إلى تجديد التحالف التاريخي، الذي ربط أسلافه من الأسرة بعلماء الدعوة وأتباعها، وقد تم التعبير عن هذه الرابطة عبر إحياء الصفقة التاريخية التوافقية بين السلطة السياسية والسلطة الدينية بلغة المصاهرة؛ إذْ تزوج الملك عبد العزيز من ابنة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، شيخ علماء المذهب(1) الوهابي حينها.
وقد عبر الملك عبد العزيز عن هذا التحالف بقولته الشهيرة: “ما هو بخافيكم (بخافٍ عليكم) أولا نشأة هذا الأمر وتقويمه من الله، ثم أسباب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأوائلنا رحمهم الله تعالى، وما جرى على المسلمين من اختلاف ولايتهم مرارا، وكلما اختلف الأمر وشارف على نقض دين الله وإطفاء نوره، أبى الله فأخرج من الحمولتين (آل سعود وآل الشيخ) من يقوم بذلك”(2).
لقد حشد علماء الوهابية، كل إمكاناتهم الرمزية والروحية، لمباركة ودعم النهج السياسي للملك عبد العزيز، وللوقوف معه بكل إخلاص في بناء الدولة، عبر التهيئة الدينية الشعبية والتحريض للقتال معه، في مقابل توظيف الملك كل إمكاناته السلطوية في سبيل تمكين شركائه الأوفياء من فرض خطابهم الديني ونشره بين الناس.
وقد كتب الشيخ القاضي عبد الله العنقري (ت1373هـ)، وهو من أبرز علماء الوهابية حينها(3)، أنه “قد منّ الله على المسلمين بولاية عادلة دينية، وهي ولاية إمام المسلمين عبد العزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، ما زالت رايته منصورة، وجنود الباطل بصولته مكسورة مدحورة، أقام الله به أود الشريعة، وأزال به الأفعال المنكرة الشنيعة”(4).
وكتب الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت1367هـ) موعظة قال فيها: “… فاذكروا يا إخواني نعمة الإسلام، وما منّ الله به عليكم من الانتقال، من عوائد الآباء والأجداد وسوالفهم، التي خالفوا في أكثرها ما جاء في الكتاب والسنة، واشكروه أيضا، على منَّ الله به في هذا الزمان، من ولاية هذا الإمام (الملك عبدالعزيز، الذي أسبغ الله عليكم على يديه من النعم العظيمة، ودفع به عنكم من النقم الكثيرة… فالذي يطلب الأمور على الكمال، وأن تكون على سيرة الخلفاء، فهو طالب محالا، فاسمعوا وأطيعوا، وراعوا حقه وولايته عليكم… فوالله ثم والله، إنا لا نعلم على وجه الأرض شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، شخصا أحق وأولى بالإمامة منه، ونعتقد صحة إمامته وثبوتها، لأن إمامته إمامة المسلمين، وولايته ولاية دينية”(5).