ريحانة برس- تقرير/ محمد عبيد – فاس
خرج المؤتمر الدولي للصحافة الاستقصائية ومنهجية البحث العلمي في تغطية الحروب والنزاعات”، المنعقد يومي 4 و5 دحنبر 2024 بمدينة فاس بجملة من التوصيات التي دعت إلى تعزيز الصحافة الاستقصائية باعتبارها أداة للتغيير المجتمعي الإيجابي، وإلى توفير تدريبات مستمرة للصحفيين على منهجيات البحث العلمي واستخدام التقنيات الحديثة، وتعزيز الحماية القانونية للعاملين في مناطق النزاعات، وتوسيع نطاق التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والإعلامية لتطوير ممارسات الصحافة الاستقصائية، مع الالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية لضمان تقديم محتوى مسؤول يدعم الشفافية والمساءلة..
كما تمت مناقشة أهمية توثيق الجرائم والانتهاكات، مع التركيز على إسهامها في تعزيز العدالة الدولية من خلال تبني منهجيات علمية مبتكرة.
وعقد المؤتمر تحت إشراف “مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وبشراكة مع مركز الجزيرة للدراسات.
تناولت الأوراق البحثية المقدمة عدة محاور رئيسية، منها المسؤولية الاجتماعية للصحافة، حيث دعت الأبحاث إلى إعادة صياغة دور الصحافة لتعزيز قدرتها على كشف الفساد والانحرافات، مع بناء خطاب إعلامي يخدم النفع العام بعيدًا عن الإثارة السطحية.
فيما ركزت الأوراق على استثمار التقنيات الرقمية، مثل شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات المصادر المفتوحة، التي أثبتت دورها في دعم العمل الصحفي، لاسيما في النزاعات، من خلال جمع المعلومات والتحقق منها بدقة وسرعة..
وشدَّدت الأبحاث كذلك على ضرورة تدريب الصحفيين لاستخدام هذه الأدوات بفعالية، مما يُعزز جودة التغطيات الإعلامية.
ومن ناحية الأبعاد القانونية والمنهجية، فسلَّطت الأبحاث الضوء على أهمية البيئة التشريعية في دعم الصحافة الاستقصائية، مشيرة إلى الحاجة إلى أطر قانونية تضمن حرية التعبير وتحمي الصحفيين، مع تحقيق التوازن بين دور الإعلام الرقابي والحفاظ على المصلحة العامة.
وأكد الباحثون على أهمية اعتماد مقاربات علمية دقيقة في إعداد التحقيقات الاستقصائية، خاصة في تغطية النزاعات والحروب.
في حين تم تسليط الضوء على الأدوات والتقنيات الحديثة التي يستعين بها الصحفيون لإنتاج تحقيقاتهم الاستقصائية، باستخدام الذكاء الاصطناعي وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مناقشة دور المؤسسات الإعلامية والأكاديمية في دعم الصحافة الاستقصائية ومجموعة من الإشكالات القانونية التي تحيط بها.
وتمت الإشارة إلى أن التوثيق الدقيق، والتحليل الموضوعي، والابتعاد عن التحيز، تعد عناصر أساسية لضمان مصداقية النتائج المقدمة للجمهور.
وبخصوص التقنيات والابتكار في الصحافة، فتناولت محاورها مناقاشات توظيف الذكاء الاصطناعي وصحافة البيانات أدوات رئيسية لتعزيز دقة وكفاءة الصحافة الاستقصائية.
إذ أكد المحاضرون على أهمية تبني المنهج العلمي أثناء إعداد التحقيق الاستقصائي.
ففي كلمته، سلَّط الدكتور الخليل الضوء على التحديات التي تواجه الإعلام الدولي في ظل الاستقطاب الحاد، حيث يُستغل وسيلةً لترويج السرديات والأيديولوجية وتغييب الحقائق وتضليل الجمهور.
وأوضح أن الصحافة الاستقصائية تلعب دورًا محوريًّا في مواجهة هذه التحديات من خلال الكشف عن الحقائق بعيدًا عن الانحيازات الأيديولوجية. ودعا إلى تزويد العمل الاستقصائي بأطر منهجية تعزز دقته واستقلاليته؛ مما يُمكِّنه من تقديم تغطيات أكثر مصداقية وموضوعية.
بدوره، أوضح مدير مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل، الدكتور محمد القاسمي، أن المؤتمر ينعقد في سياق عالمي يتسم بتغيرات جوهرية في وظائف الإعلام.
وبيَّن الدكتور محمد القاسمي أن الإعلام المعاصر تجاوز دوره التقليدي ناقلًا للأخبار، ليصبح أداة لصناعة الأخبار وتوجيه الرأي العام، ما يفرض تحديات جديدة تتطلب معالجة علمية وأكاديمية دقيقة.
وفي ذات السياق، شدَّد ممثل اللجنة التنظيمية للمؤتمر ورئيس شعبة علوم الإعلام والتواصل، الدكتور المصطفى عمراني، على أهمية هذا المؤتمر في تسليط الضوء على إستراتيجيات تغطية النزاعات والحروب بأسلوب يراعي المعايير المهنية والمصداقية.
كما أشار إلى ضرورة استثمار أدوات البحث العلمي مدخلًا رئيسيًّا لتطوير الصحافة الاستقصائية، بما يسهم في تحقيق إعلام قائم على التحري الدقيق والطرح الرصين.
وفي مداخلته، أبرز الأستاذ “محمد كريم بوخصاص” أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة المولى إسماعيل بمكناس” أهم الفوارق وكذلك النقط التي تتقاطع فيها الصحافة الاستقصائية مع مناهج البحث العلمي، حيث قال: ”تختلف الصحافة الاستقصائية عن المنهج العلمي في التعاطي مع المصادر والإجراءات المنهجية وعرض النتائج”…
وذكر أن “أربعة تحديات رئيسية تواجه تطبيق مناهج الاستقصاء الصحافي، تتمثل في القيود الزمنية والمعوقات الأخلاقية، وتقييدات الوصول إلى المعلومات، وصعوبات التعامل مع المصادر السرية”.
من جهته، أكد الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، على أهمية التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والإعلامية لتطوير الصحافة الاستقصائية كونها أداة فاعلة تخدم القضايا المجتمعية والإنسانية.
وأشار إلى أن المؤتمر يعالج إشكاليات متعددة تتعلق بالعلاقة بين الصحافة الاستقصائية ومناهج البحث العلمي، لاسيما في سياقات النزاعات الدولية مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، والحرب في السودان، والحرب على غزة.
وقد حذَّر الباحثون مخاطر إساءة استخدام الإمكانيات الهائلة التي توفرها أدوات الاشتغال المتاحة، داعين إلى توفير تدريبات متخصصة للصحفيين لتمكينهم من استثمار هذه التقنيات بطريقة أخلاقية ومسؤولة.
كما أبرزت الدراسات المقدمة في المؤتمر أهمية الصور الصحفية أداةً توثيقية في الصحافة الاستقصائية، حيث تم التأكيد على ضرورة اعتماد معايير دقيقة لتحليل الصور واستخدامها بطريقة تُسهم في تقديم محتوى متوازن وموثوق، يعكس الواقع بموضوعية ودقة.
هذا، ولقد أجمع المشاركون في هذا المؤتمر على أن الصحافة الاستقصائية تُعدُّ حجر الزاوية في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، لما توفره من أدوات دقيقة لكشف الحقائق وتسليط الضوء على القضايا الجوهرية.
ومؤكدين على أهمية تعزيز الحوار العلمي حول مستقبل الصحافة الاستقصائية في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، مع العمل على مواجهة التحديات واستثمار الفرص المتاحة لبناء مجتمعات أكثر شفافية وإنصافًا.
إرسال تعليق