عندما يفقد العمل الإسلامي السياسي التمييز للمعالم؛ وعندما يصبح همه بلوغ الغاية السياسية، من دون مراعاة لأسس الدين نفسه؛ وعندما يُوظَّف الدين في ذلك
بقلم الشيخ: عبد الغني العمري الحسني.
عندما يفقد العمل الإسلامي السياسي التمييز للمعالم؛ وعندما يصبح همه بلوغ الغاية السياسية، من دون مراعاة لأسس الدين نفسه؛ وعندما يُوظَّف الدين في ذلك بوصفه محركا للجماهير، ومستثيرا لآمال لديها تدعمها صور من عزّ ماضٍ؛ فإننا نكون قد دخلنا في صهيونية إسلامية على غرار الصهيونية اليهودية التي ما كان لها أن تأتي بيهود العالم إلى فلسطين إلا بتوظيف الدين!..
إن أحبار اليهود يعلمون أن إقامة دولة يهودية، هي مخالفة لشريعتهم؛ ومع ذلك فإن طائفة منهم انساقت خلف السياسيين، واختلقت غايات محرفة استهوت بها عوامهم، الذين لا تفارق صورة مملكة يهود التاريخية خيالهم الجمعي؛ وإن كانوا يعيشون في زمن غير زمنهم (زمن رسالتهم).. فهل يسير إسلاميونا الذين غلب عليهم المنطق السياسي، على خطى إخوانهم من أئمة الصهيونية اليهودية؟!..
أولا: نحن بتساؤلنا، لا نريد أن نكفر أحدا من المسلمين؛ وإنما كلامنا عن سمات نراها مشتركة لدى الفريقين، لا نرى بأسا من تفحصها. وإن إحالة القرآن في كثير من المواضع على أحوال أهل الكتاب وأقوالهم، تعضد ما نذهب إليه.
ثانيا: إن إقامة المملكة اليهودية المزعومة، يشبه عندنا إقامة الخلافة في غير أوانها، وبغير شروطها. ومع أننا نؤكد أن الخلافة حق، وأنها آتية لا ريب فيها، إلا أننا لا نرى كل ما يُنسج حولها حقا. ولقد نبهنا في بعض كتاباتنا إلى المجهول من أمرها، لعل إخواننا يرعَوُون؛ لكن الظاهر أنهم ماضون خلف أهوائهم، وإن ألبسوها من ثياب الغيرة على الدين ما يُلبسون.
ثالثا: عندما يُقطع الدين عن الله، فإنه يصبح أيديولوجيا هدامة، أكثر مما تكون الأيديولوجيات الحقيقةُ الأخرى. وإن علامة هذا الانحراف الخطير، تكون هي عدم الالتفات إلى ما يخالف الأصول الدينية نفسها. فيصبح الكذب -مثلا- الذي هو من شر ما يؤتى، مستساغا لا يحرك في المتصهينين أيا من المضادات الإيمانية المعروفة.
رابعا: إن الاهتمام من قِبل المتصهينين بالجماهير، لا يكون إلا ظاهريا، ومن أجل تمام التحكم فيهم؛ وأما إن استدعى الأمر تقديمهم قرابين للغاية المخدومة، فلا يُلتفت إليهم، ولا تُعتبر لهم أعداد. ولا يخفى أن الاستخفاف بعموم الناس، هو من أكبر دلالات فقد الإنسان لإنسانيته، ناهيك عن دينه!..
خامسا: إن الإسلام واضح الغاية والوسيلة؛ والإمام فيه لا بد أن يعلم إلامَ يقود الناس؛ والأتباع لا بد أن يعلموا إلامَ هم مقودون!.. والاشتغال بما يقرب إلى الله فرديا، هو عمدة كل عمل جماعي بعد ذلك؛ وإلا فإنه الضلال المبين!..
إن ما نراه اليوم من إصرار من قِبل بعض الإسلاميين، على توظيفٍ للدين من غير أدنى ورع؛ وعلى استتباع أكبر عدد من الناس من غير أدنى خشية لربهم فيهم؛ تتقدم الصفوف فيه فئة تزكي نفسها بنفسها، في تجاهل تام أو شبه تام لكل من يهمه أمر المسلمين، لهو عندنا تأسيس للصهيونية الإسلامية، التي لن تكون نهايتها إلا إلى بوار.
إن أمتنا الإسلامية، رغم كل ما لحق بها من بلاء، ليست قطيع أغنام يُساق إلى المجازر، كما سيق يهود العالم إلى فلسطين حيث يكون حتفهم؛ ولكنها أمة حية صاحبة خاتمة الرسالات، لا يزال بين أظهرها ربانيون ينظرون بنور الله، يدلّونها بإذن الله على الطريق القويم، ويحذرونها من كل الأباطيل التي يدعو إليها دعاة الدجل وتجار الدين.
فعَمَلاً بني أمتنا جميعا، على التثبت من مبادئ أمورنا ومن مَعاداتها؛ فإن المرحلة حرجة، والأعداء متربصون. عودةً إلى الجادة عن رَوية واستبصار، إن كنا حقيقة نريد أن نرضي ربنا عنا، وأن يكون لنا شرف خدمة هذا الدين؛ بدل ما نراه من هوان عام، وتبعية للخارج مريبة. ألا هل من مستجيب؟!..