ترجع فكرة تأسيس “جماعة العدل والإحسان” إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث ارتبطت هذه الفكرة من الناحية التنظيمية باللحظة التاريخية للثورة الإيرانية
ترجع فكرة تأسيس “جماعة العدل والإحسان” إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث ارتبطت هذه الفكرة من الناحية التنظيمية باللحظة التاريخية للثورة الإيرانية التي أطاحت بشاه إيران ومباشرة بحلول سنة 1980، فبعدما كان الأستاذ “عبد السلام ياسين”يحاول توحيد الصف الإسلامي في إطار تنظيمي موحد، سعى – بعد فشل محاولته– إلى تأسيس إطاره التنظيمي، في شتنبر عام 1981 فأعلن عن تأسيس “أسرة الجماعة”، كأول تعبير تنظيمي عن فكرة ” العدل والإحسان”. وبعد مرور سنة على تأسيس “أسرة الجماعة”، وبالضبط في شتنبر 1982، بدأ التفكير في تأسيس إطار تنظيمي جديد يعكس تحولات المرحلة ويحظى بالشرعية القانونية، حيث ظهرت “جمعية الجماعة” كثاني تعبير تنظيمي عن “جماعة العدل والإحسان”،فوضع قانونها الأساسي لدى السلطات المختصة بتاريخ 15 أكتوبر 1982، غير أن هذا التحول قوبل بالرفض من لدن السلطات المعنية.
بعد ذلك، قامت “جماعة العدل والإحسان” بتأسيس ثالث تعبير تنظيمي لها بتاريخ 29 مارس 1983 تحت اسم “جمعية الجماعة الخيرية”. وللتذكير، فإن الجماعة رفعت في شتنبر 1987 شعار “العدل والإحسان” الذي أصبح، منذ ذلك التاريخ، لصيقا بها وعنوانا لها ومؤسسا لفكرها المنهاجي. العدل من جهة في الأرض كنظام منظم للأفراد ووسيلة لبلوغ مقامات الإحسان ونيل رضا الله في الدنيا ولآخرة.
إن كثيرا من المحللين والسياسيين والمتتبعين يرى أن قوة جماعة العدل والإحسان تكمن في قوتها السياسية، وقدراتها على التكيف مع المستجدات الحاصلة في الساحة من خلال مراجعتها المستمرة لتصوراتها فقط،، لكنني أرى بالإضافة إلى ذلك أن سر قوة الجماعة مستمدة من خطها ألإحساني التربوي وفي علاقتها مع مرشدها عبد السلام ياسين بما يعرف بالصحبة والجماعة كأول خصلة من الخصال العشر فغي المنهاج المنظم للجماعة والصحبة مفتاح كما يقول عبد السلام ياسين بمعنى أنها باب من أبواب المقامات الإيمانية التي توصل إلى مقامات الإحسان والعبودية التامة الكاملة،وهذه هي قومة الإنسان بينه وبين نفسه أولا أو كما يقول عبد القادر الجيلاني في كتاب الفتح الرباني بمصطلح قلب الدولة ويعني بدلك قلب دولة النفس البشرية ومن هنا يأتي النصر، وتأتي القومة التي تتحدث عنها جماعة العدل والإحسان، التي هي أشمل وأعمق من الثورة،ولها قصة طويلة في حياة الإنسانية يختلط فيها ما هو روحي ووجداني بما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وعلمي،وواقعية تتعلق بوقائع تاريخية حدثت في التاريخ واختير لها من الوسائل ما تراوح بين التحرك العنيف والتسرب اللطيف الذي يسمى في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين قومة.
لذلك فقد جعل عبد السلام ياسين رحمه الله أهمية قصوى لمسألة المصطلح حتى لا تلتبس المفاهيم فيحدث التخبط في فعل الحركة، لذلك فرق بين كلمتي”الثورة” و”القومة”،أولا من منطلق تاريخي لأن “المسلمون في تواريخهم يستعملون كلمة “ثورة” للدلالة على خروجٍ عنيف بغير حق كالثورة الفرنسية عام 1789والثورة الروسية عام 1917 ويستعمل مؤَرِّخونا كلمة “قومة” للإخبار عن الخارجين على الظلمة بحق، وكلمة “قومة” موحية بالقوة والثبـات والثقـة، لذلك يستعملها تميزا في الاصطلاح لينتقد أساليب العنف وحرق الناس وبقْرَ بطون النساء وإطفاء السجائر في عيون بني آدم وما إلى ذلك من إفناء الطبقة البائدة وتسليط المخابرات”،وثانيا من منطلق تقييم تجربة ثورية عنيفة سعت إلى إفناء خصومها وهي تجربة الثورة الروسية،إلا أنه بعد أن يشترط النهج السلمي لا يجد مانعا من استعمال الكلمتين”الثورة”و”القومة”،هذه الأخيرة ليست عملا انقلابيا،ولا بوسع تنظيم واحد أن ينجزها وينسبها لنفسه فهي عملية طويلة وشاقة تشترك كل فعاليات المجتمع المدني في تحقيقها.
**الثورة الإيرانية نموذجا**
قامت الثورة الإيرانية في بيئة حضارية إسلامية،وعلى أساس المراجعات الفكرية والسياسية التي أدخلها الخميني على الفكر السياسي الشيعي على وجه الخصوص، فالمعروف أن الشيعة لم يكونوا يضعون في حساباتهم إمكانيات الوصول إلى الحكم، ولهذا كانوا يعتبرون أن إمكانية إقامة الدولة الإسلامية عندهم هي من حق الإمام الغائب المهدي ، ومن ثم تقوقعت مراجع التقليد بعيدا عن الاهتمام بالشأن السياسي العام الشيعي، وابتعدت عن كل مهمة تغييرية وأرجأتها إلى ظهور “إمام الزمان” الغائب الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأت جورا، وقد كان أقصى ما وصل إليه الفقهاء هو تقديم النصح لأولي الأمر والحكام وتحذيره من مغبة الوقوع في الظلم، وظهرت عقلية الانتظار حتى في مناقشة قضايا فقهية كالجهاد وإقامة الجمعة.
ولذلك بدأالخميني تحركه نحو الإطاحة بالشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية بالعمل على تغيير جمهور الشيعة عن عقلية الانتظار والعزوف عن المشاركة في العمل السياسي، فشرع – منذ أوائل الستينات من القرن الماضي- يلقي دروسه الفقهية على طلبة علوم الدين بالنجف،وسعى من وراء تلك الدروس إلى إثبات أن نيابة الفقهاء عن الإمام الغائب وولايتهم عامة تشمل أمور الدين والدنيا والحكم، وهذه الفكرة هي صلب نظرية “ولاية الفقيه”، ومثلت قيام الثورة الإيرانية هزيمة كبرى للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني الذي اعتمد سياسة تغريبية حاول بها إلغاء الفترة الإسلامية من تاريخ إيران مما أثار سخط الإيرانيين وعجل بإشعال الثورة،وتلقى جهاز المخابرات الإيرانية”السافاك” ضربة قاضية،وأنهت الثورة حكم المَلَكية الذي دام قرونا بإيران،وتمكنت الدولة من استقلال قرارها الاقتصادي والسياسي،مما دفع الغرب إلى نسج مؤامرات عدة لوأد الثورة في مهدها عبر سياسة الحصار الاقتصادي،وعبر دفع عراق صدَّام إلى شن حرب عليها،لكن وللأسف فقد أضاع النظام الرسمي العربي فرصة تاريخية لإحداث تقارب عربي إيراني يخدم شعوب المنطقة من غير قفز على الخلافات المذهبية والتاريخية ولكن بتفهمها وتدبيرها، وحدث نوع من الانقلاب في فكر النخب القومية واليسارية لصالح المشروع الإسلامي الحداثي. واحتاجت الثورة أول ما احتاجت إليه هو كوادرها في كل الميادين سواء السياسية أو العلمية والثقافية والاقتصادية، وهذا ما يؤكد عليه عبد السلام ياسين في فكره حيث يدعو إلى ما يسمى بالتخصص في كل المجالات، كبداية للقومة.
يقول عبد السام ياسين:” لم يكن في الحوزات مشروع واضح للبناء يرسُمُ حدود الوُسْعِ، وصراعات القوى العالمية، وضغوط السياسة العالمية، وقسمة الأقوياء للمقومات الإستراتيجية، ومتطلبات الدولة الحديثة،كان من علماء الحوزات الشيعية أمثال آية الله باقر الصدر وآية الله مطهري مستبصرون بالعصر استبصارهم بالنصوص. لكن الذي فجر الثورة بقيادة الإمام الخميني هو العقل التقليدي المستظهر بشعبية المساجد والحسينيات وروافد الحوزات“.