0

مصطفى كريمي – ريحانة برس

 تعد قضية إدماج المعتقلين الإسلاميين في المغرب واحدة من أبرز القضايا الحساسة التي تواجه الدولة، حيث تبقى الإشكالية قائمة دون حلول جذرية فعالة. ورغم جهود مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، فإن هذه المبادرات لم تنجح بعد في تقديم نموذج واضح وناجح لاحتواء المعتقلين الإسلاميين. هذا الفشل يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية خلف تعثر هذه الجهود، ويعيد طرح التساؤل: هل هي أزمة في المقاربة المتبعة، أم غياب إرادة سياسية حقيقية للتعاطي مع هذه القضية بجدية وعمق؟

أزمة في المقاربة

منذ بداية المبادرات الرامية إلى إعادة إدماج المعتقلين الإسلاميين، حاولت مؤسسة محمد السادس تقديم برامج تهدف إلى تحسين الظروف النفسية والاجتماعية للمعتقلين وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع. ولكن هذه البرامج تعرضت لانتقادات واسعة لكونها تفتقد إلى رؤية شاملة تستجيب للتعقيدات التي تميز هذه الفئة من المعتقلين. فالعديد من المعتقلين الإسلاميين يعتبرون أن الدولة لا تسعى إلى إدماجهم بقدر ما تسعى إلى “إعادة تأهيلهم” وفق منظورها الخاص، وهو ما يُعتبر بالنسبة للكثيرين محاولة لفرض تصور أيديولوجي معين، دون معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى اعتقالهم من الأساس.

غياب الإرادة السياسية

من جانب آخر، يرى بعض المراقبين أن فشل هذه المؤسسة يعود بالأساس إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لحل مشكلة المعتقلين الإسلاميين. فالدولة تبدو مترددة في اتخاذ خطوات جريئة من شأنها تفكيك التصورات السلبية التي تحيط بهذه الفئة. كما أن مقاربة الدولة تبدو أقرب إلى كونها رد فعل على الضغوط الدولية والداخلية المتعلقة بحقوق الإنسان، بدلاً من أن تكون نابعة من التزام سياسي وطني حقيقي بتحقيق العدالة الاجتماعية والمصالحة مع فئات المجتمع كافة.

الآثار السلبية لفشل الإدماج

فشل مؤسسة محمد السادس في إدماج المعتقلين الإسلاميين له تبعات خطيرة، ليس فقط على هؤلاء الأفراد بل على المجتمع ككل. فقد يؤدي غياب برامج فعالة إلى تعزيز مشاعر الإحباط والتطرف، وهو ما قد يدفع بعض المعتقلين السابقين إلى العودة إلى أنشطة متطرفة. إضافة إلى ذلك، يساهم هذا الفشل في تعميق الانقسامات داخل المجتمع، حيث يُنظر إلى هؤلاء المعتقلين كفئة منبوذة غير قابلة للإدماج، مما يزيد من تفاقم الاحتقان الاجتماعي.

الحاجة إلى مراجعة شاملة

من الواضح أن هناك حاجة ملحة إلى مراجعة شاملة لسياسات الدولة تجاه المعتقلين الإسلاميين. يجب أن تركز هذه المراجعة على فهم أعمق للأسباب التي تؤدي إلى اعتناق الأفكار المتطرفة، وتقديم برامج تأهيلية مبنية على الحوار والاحترام المتبادل. كما يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية تتجاوز الاعتبارات الأمنية إلى معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى التطرف.

خاتمة

يُعد فشل مؤسسة محمد السادس في إدماج المعتقلين الإسلاميين إشارة إلى أن المقاربة الحالية بحاجة إلى تعديل جذري. فالدولة مطالبة بإعادة النظر في سياساتها وتبني مقاربات جديدة أكثر شمولاً وإنسانية، إذا كانت تهدف حقًا إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والحد من التطرف. يبقى السؤال مطروحًا: هل هناك إرادة سياسية كافية لتحقيق هذا التغيير، أم أن الأمور ستبقى على حالها؟

مصطفى كريمي مسؤول التنسيقية المغربية لقدماء المعتقلين الإسلاميين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.