مفاجئتان اخترقا علي باب خلوتي في العشر الأواخر من هذا الشهر الأبرك، ولم أجد بدا من فتحه وإن كنت أجلت الحديث عن المخاض الذي أدى إلى ظهور “حزب العدالة
مفاجئتان اخترقا علي باب خلوتي في العشر الأواخر من هذا الشهر الأبرك، ولم أجد بدا من فتحه وإن كنت أجلت الحديث عن المخاض الذي أدى إلى ظهور “حزب العدالة والتنمية” على المسرح السياسي في الظروف وفي الملابسات التي رافقت ولادته المتعسرة، وهي ظروف وملابسات لا دخل للكاتب رداد العقباني فيها، فقد رافقتها شخصيا – ولدي شهود عيان – منذ صيف عام 1980م إلى خريف عام عام 1992م.
– فالمفاجئة الأولى ما نشرته “هسبريس” للعقباني بتاريخ 21 يوليوز 2014م.
– والمفاجئة الثانية وفاة صديقي العزيز بوشعيب الشراطي في الرابع عشر من شهر رمضاء الحالي رحمة الله عليه.
وكان قبل سقوطه بمرض عضال، قد حمل إلي الكتاب الذي صدر للعقباني بتاريخ 2011م. والذي يحمل عنوان “على هامش أساطير جماعة بنكيران – مذكرات حزب العدالة والتنمية بداية ونهاية”. فكان أن ناقشت محتواه، أنا ومن يصح وصفه فعلا ب”العلبة السوداء” للدكتور عبد الكريم الخطيب! هذا إن نحن سلمنا بكون الفكر الخطيبي نظريا وتطبيقيا لم يكشف عنه الغطاء من عهد الاستعمار إلى حين وفاته. بل ظل جله في علبة مغلقة بإحكام، لا يملك مفاتيحها غير واحد من أصدقائه ومن معارفه، دون غيره، هو بالتحديد من قدم للناس عن الرجل ما لم يقدمه سواه، ولن يقدمه سواه في المقبل من السنوات، خاصة وأن اعترافات السياسيين القدامى في هذه الأيام، أصبحت عبارة عن مرايا تكشف عن أسرار فضحت ادعاءات بعض أصحاب الأقلام! هذه التي ملأ حملتها دنيا المغاربة المثقفين وغير المثقفين بأضاليل من ورائها تضخيم ل”الإنية” وصناعة البطولات الوهمية!
فما ادعاه العقباني من كونه “علبة الخطيب السوداء”، يفنذه ما سجله بيده في كتابه المذكور قبله. فتحت عنوان “أطراف الصفقة الخطيبية وشروطها” قال بالحرف: “بوشعيب الشراطي قيادي في الحركة (= الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) والكاتب الخاص للراحل الخطيب قيد حياته. قاد عملية إدماج الإخوان (= بنكيران ورفاقه في الحركة) صحبة كاتب هذه السطور من بدايتها إلى نهايتها”.
وكلام غير مسؤول كهذا، تغيب عنه الحقيقة التاريخية الواقعية لفائدة التباهي بإنجاز سياسي بطولي رفقة جماعة من المحيطين بالخطيب الذي أعرفه معرفة جيدة عن قرب! فكون بوشعيب الشراطي رحمه الله، كاتبا خاصا لمن هو مدار كلامنا أو محور حديثنا، يعني أنه أعرف الناس بواقع من هو له كاتب من جهة، وأقدر على إفادتنا بواقع حاله هذا من جهة ثانية! مما يدل على أن العقباني وغيره لن يكون على معرفة تامة بحقيقة رجل شغل الناس في حياته وفي مماته بمواقف، بعضهم يستحسنها وبعضهم يستهجنها! بينما الواقع يخبرنا كيف أن لكل إنسان محاسن ومساوئ! إلى حد أن محاسنه لدى البعض تغطي مساوئه، وأن مساوئه لدى البعض الآخر تغطي محاسنه، في حين أن النقد الموضوعي النزيه، لا يقتضي إغفال هذه على حساب تلك، ولا تلك على حساب هذه!
فقول العقباني بالحرف – وهو يقدم من عقدوا الاتفاق مع الخطيب للاتحاق بحزبه – “عبد الإله بنكيران، صاحب طلب اللجوء السياسي عند الخطيب بمسرح محمد الخامس، وعبد الله باها نائب بنكيران وصديقه، وعبد اللطيف السدراتي قريب من بنكيران، ومحمد يتيم القيادي الإسلامي بحزب بنكيران”، كلام في افتقار إلى وضوح وإلى تكملة، لأنه ناقص مبتور الأطراف. فقوله: إن عبد الإله بنكيران طلب اللجوء السياسي عند الخطيب بمسرح محمد الخامس قول مبهم غامض يطرح أكثر من تساؤل:
هل يقيم الخطيب بالمسرح كمسكن دائم له؟ أم إن اجتماعاته الحزبية لا تعقد إلا به؟ أم إن الأمر يتعلق بواقعة حدثت في ذات المسرح، حيث التقى بنكيران مع الخطيب فطلب منه ما طلب؟ مما يعني أن العقباني يؤسس ما يروج له على مجرد مسموعات، انتهت إلى أذنيه دون أن يتحقق من صدقها أو من كذبها! من صحتها أو من خطئها! وهو الذي ينقل إلى قراء ما يكتبه مناسبة أخبره خبر اليقين بأنني من ضمن من حضروها، إلى جانب صديقي الراحل بوشعيب الشراطي، وعبد الله بها، وبنكيران، ومحمد يتيم.
إن المناسبة التي لم يشارك العقباني بحضوره فيها، هي الندوة التاريخية التي نظمها “نادي الفكر الإسلامي” بدعوة من رئيسه صديقنا الأستاذ المفكر الداعية إدريس الكتاني أمد الله في عمره، فقد دعا إليها للإشادة بالمجاهدين الأفغان الذين أرغموا جنود الاتحاد السوفياتي البائد على مغادرة البلد، إذ كان انتصارهم انتصارا سجله الإسلاميون وعقدوا له أكثر من ندوة وأكثر من محاضرة، وبأكثر من كيفية، وبأكثر من كلمة أو بأكثر من خطاب. وكان أن حضر الندوة يومها كل من إدريس الكتاني، والمكي الناصري، وأبو بكر القادري، وبوشعيب الشراطي، نيابة عن الدكتور الخطيب، حيث ألقى كلمته باسمه. وكان المسرح غاصا بالإسلاميين الذين لم يكن فصيل منهم تاريخيا في المستوى المطلوب، فقد كان هذا الفصيل يقاطع المكي الناصري تحديدا بهتافات في غاية عنوانها تجسيد متعمد لسوء الأدب! وهي هتافات لم تترك للرجل مجالا ليوصل كلامه خارج الضجيج الذي يصدر حينها عن ذلك الفصيل، الذي تتحكم فيه الانفعالات بعيدا عن التعقل القاضي بضرورة احترام الآخر، حتى وإن نحن على خلاف معه في الرأي وفي المواقف من السلطات القائمة ومن السياسات المتبعة في بلدنا. مع أن أصحاب الهتافات الصاخبة لا يعرفون قيمة الرجل النضالية والجهادية على عهد الاستعمار. سواء على المستوى السياسي، أو على المستوى الديني، على اعتبار أنه في طليعة السلفية الوطنية التي يتزعم قافلتها كلا من أبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي، ووزير المعارف على عهد الاستعمار: محمد الحجوي.
والعقباني كما أسلفنا لم يكن له بهذه الواقعة، ولا بما حصل بعد انفضاض الندوة علم أو دراية. فقد توجهت مباشرة إلى المنصة لمقابلة صديقي بوشعيب الشراطي عظم الله أجر ذويه في فقدانه، ووجدت قرب المنصة كلا من بنكيران، ويتيم، وعبد الله بها، فدخلت في حديث مع الشراطي كعادتي معه بخصوص تناول قضايا الساعة. فقد سألته عن الخطيب الذي لم يحضر بنفسه لإلقاء كلمته. وبينما هو آخذ في تعليل غيابه، قدم علينا بنكيران فسلم علينا ليوجه كلامه إلى الشراطي فيقول له: هل لك أن تتوسط لنا عند الخطيب لنلتحق بصفوف حزبه؟ فأجابه ويده على كتفي: بإمكان السيد وراضي أن يتولى هذه المهمة. فصلته بالدكتور جد وطيدة. فقر عزم بنكيران على أن يكلفني بمهمة لم يجد حينها من يقوم بها غيري. فكان أن وعدته خيرا فتواعدنا… وللرواية بقية… وبعض من أدوارها – قبل ظهور العقباني في الصورة – يعرفه مؤسس “حزب النهضة والفضيلة” محمد خالدي معرفة جيدة. ولمن يرغب من الصحفيين في التأكد مما أعلنته هنا أن يتصل به ويستفسره عن دوري المباشر في التحاق بنكيران وأصحابه بالحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.
وما يلزم أن يتيقن منه القراء هو أنني على معرفة تامة بعبد الإله بنكيران وصديقه الملازم له كظله: عبد الله باها، فقد كانا باستمرار يقومان بزيارتي والتشاور معي بخصوص النشاط الإسلامي على الساحة السياسية، خاصة منه نشاط جماعة العدل والإحسان، التي كانت لي علاقة خاصة متميزة بياسين الذي بعث لي ذات يوم بكره كميل، لأحضر إليه في بيته بعد أن رحب بي مرة صحبة مصطفى الرميد، حينما تناول عندي هذا الأخير طعام الغداء، ثم طلب مني أن أذهب معه في سيارتي لزيارة ياسين بحي السلام حيث كان منزله الذي يقيم به في سلا. وفي نفس الوقت، كانت لي لقاءات مستمرة مكثفة مع الدكتور الخطيب من عام 1980م إلى عام 1984م، حين التحقت بالشقيقة موريتانيا كعضو في البعثة الثقافية المغربية.
وخلال السنوات الأربع التي قضيتها – وكل أسبوع أجالس الخطيب – لم يظهر العقباني في الصورة! فلم يسبق لي أن قابلته، لا داخل دار الخطيب ولا خارجها، متى اجتمعنا بدار المناضل الوقور المهندس المعروف ب”قبول” والشهود على ما أدعيه كثر، وفي مقدمتهم السيدان المسؤولان في نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب: الأستاذ ممادي عبد السلام. والأستاذ عبد السلام المعطي. هذه النقابة التي على رأسها اليوم محمد يتيم بعد أن كانت تابعة لحزب الراحل الدكتور الخطيب.
فما تحدث عنه العقباني إذن في كتابه المشار إليه، وما أفاد به جريدة “هسبريس” قبل هذا التاريخ: 21 يوليوز 2014م، وما صرح به في هذا التاريخ نفسه، أشبه ما يكون بماء كدر، تصفيته ممكنة متى تدخل شهود الحق الذين هم حتى الآن على قيد الحياة، مع التأكيد على أنني لم أكن يوما بعد عام 1969م منتميا لأية جماعة سياسية أو دينية، حتى وإن تم لي الاحتكاك بزعمائها، نظير احتكاكي بياسين الذي طالما انفردت به وانفرد بي في مكتبته ليحدثني دينيا وسياسيا لساعة أو لساعتين. أما احتكاكي بالخطيب فيدور موضوعه حول السياسة والسياسيين أكثر مما يدور حول الدين، إلى حد القول بأنني سمعت منه مباشرة ما لم يسمعه منه من يدعي اليوم بأنه “علبته السوداء”. وما سمعته منه لم يجد بعد سبيله إلى النشر في انتظار المناسبة المتاحة والمختارة. أما احتكاكي بعبد الإله بنكيران فيتقدمه تحذيري له مما انتهى إليه أمره في الوقت الراهن، على أساس أن تكون المرحلة المكية خير دعامة للمرحلة المدنية! ويظهر الآن أنه هو ورفاقه في الحزب لم يستوعبوا ما تعنيه المرحلة الأولى، يكفي أن القسم الذي أداه لخدمة ثالوث الدين والوطن والملك، قسم سوف يسأل عنه بين يدي ربه يوم القيامة، مثله مثل باقي الوزراء المغاربة منذ بداية الاستقلال، وإلى ما بعد الآن!
فالعقباني إذن لم يدخل في الصورة إلا بعد أن أنهيت مهمتي في ربط الخطيب بعبد الإله بنكيران وجماعته. فقد كلفني التفاوض معه ما يقرب من عشرة أيام، وكأنها شهور أو سنوات، ولكنه تفاوض أدى في نهاية المطاف إلى حصول الخطيب على الترخيص من الأعلى ليخبرني كعادته في الصراحة معي إلى أن الباب العالي رحب بالفكرة واستحسنها وأعطى الضوء الأخضر لتمريرها بعد أن كان الضوء الأحمر لسنوات طوال لا يسمح بذلك التمرير. ولله في خلقه شؤون!!!
إرسال تعليق