عن الخرجة الإعلامية الأخيرة للمقاصدي أحمد الريسوني؟

  • بتاريخ : 21 مايو، 2014 - 13:28
  • الزيارات : 12
  •  نتساءل أولا عما يعنيه اختيار الريسوني لمنبر جماعة العدل والإحسان الإلكتروني كي يذيع عبره خرجته التي وصلت إلينا بكل ما تتضمنه من أفكار ومن خواطر لم

     نتساءل أولا عما يعنيه اختيار الريسوني لمنبر جماعة العدل والإحسان الإلكتروني كي يذيع عبره خرجته التي وصلت إلينا بكل ما تتضمنه من أفكار ومن خواطر لم تكن في مجملها جديدة على أية حال. بل الجديد هو الظرف الذي تعمد إحياءها أو بعثها فيه؟

             بعبارة أخرى، لماذا لبى دعوة المشرفين على الموقع الإلكتروني لجماعة طالما وقع التصادم بينها وبين رفاقه في السر قبل العلن منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي؟ ليس لأنني أسمع، وإنما لأنني حضرت وشاهدت وناقشت من داخل الجماعتين لا من خارجهما، كشخص له صلة وطيدة بياسين عن قرب. كما أن له صلة وطيدة برئيس الحكومة الحالي عبد الإله بنكيران؟

             وموضوع خرجة الريسوني الإعلامية، هل هو عبارة عن أسئلة موجهة إليه سلفا بعد تحضيرها بعناية – وقد يبدو هذا الطرح واضحا من مضمونها – أم إن استجابته لمستضيفيه قبل التحاور معه، واستطلاع رأيه في موضوعات بعينها، هي التي أوحت إليه بآراء كانت معروفة عنه ولديه؟ إنها بالنسبة إليه داخلة في حدود مسمى فقه المقاصد؟ – والحال أن الدين كله يدور حول المقاصد العامة والخاصة – أو تعتبر إن شئنا من موضوعات الساعة الملحة؟ خاصة وأن الجدل بين خصوم تفعيل الدين كصانع للأحداث وكموجه لها، أو كمشارك في توجيهها على الأقل، قد أدرك ذروته.

             ولنحاول كي نقرب مضامين خرجته إلى الأذهان، شرح أو تأويل عناصرها الأساسية قدر المستطاع في الآتي:

    1- تنبيه جماعة الإصلاح والتوحيد، إلى أن التراخي الذي أصاب علاقته بها يمكن جبره. وذلك من خلال دعم العدليين، أي إن حضوره في جماعتهم حضور سوف يكون وازنا بدون ما شك، مما يعزز مكانته في الصفوف الأمامية للإسلاميين، بعد أن بدا نجم محمد الفيزازي يلوح في الأفق!

    2- تنبيه جماعة الراحل عبد السلام ياسين – غفر الله له – إلى أن أفكاره (= الريسوني) بخصوص إمارة المؤمنين هي نفس أفكار المرشد النابغة قبل وفاته، وهي نفسها أفكار أتباعه بعد التحاقه بالعالم الآخر!

    3- تنبيه نفس الجماعة إلى الاعتراف بالمشايخ، وبما يمكن أن يؤدوه من أدوار جنبا إلى جنب مع العلماء! في إشارة منه تحديدا إلى ياسين كشيخ لجماعة من تأسيسه، وفي إشارة منه بالتالي إلى المشايخ الطرقيين الأحياء!

    4- لفت انتباه الجهة الغاضبة عليه لمواقفه الجريئة إلى أن إمكان تحويل بوصلة مآخذه قصد صقلها زيادة بمعية جماعة، غضب الحكام عليها أشد من غضبهم عليه!مما سوف يزيده معزة ومناعة وصلابة، خاصة وأن أصدقاء الأمس لم يعيروه الاهتمام الذي يستحقه.

    5- قد أضع يدي في يده عندما قال متحدثا عن الربيع العربي لعام 2011م “لكن ما لا عذر فيه للعلماء وللمشايخ – ولا لغيرهم – هو وقوف من يقفون ضد مطالب الشعوب وحركيتها وتطلعاتها وحقها في العدالة والحرية السياسية والكرامة المعيشية، وأسوأ منه اصطفاف بعضهم صراحة إلى جانب الظلم والفساد”!

    6- كما أضع يدي في يده – وأنا أعرفه وهو يعرفني عن قرب – حين يقول: إن العلماء على مرتبتين: “مرتبة العلماء البيانيين (= علماء السوء أو علماء الدنيا). ومرتبة العلماء الربانيين (= علماء الآخرة أو العلماء العاملون). وهناك فئة أشباه العلماء، وهم من حصلوا العلوم الشرعية، لكنهم لا يؤدون حق الله (= تفعيل دينه والدفاع عنه) وحق العباد فيها (= النصح والتوجيه). وأسوأ منهم أهل التدليس الذين “يشترون بآيات الله ثمنا قليلا”! ويبيعون دينهم وعلمهم بعرض من الدنيا قليل (= يبيعون آخرتهم بدنيا الآخرين)! وهؤلاء موجودون في كل زمن ومكان”.

    7- هذا هو الوضوح الذي تعودنا سماعه عن العلماء الربانيين. غير أن ربانيتهم قد يطعن في مصداقيتها متى صح أنهم ينظرون بعين الاحترام إلى المشايخ! نقصد شيوخ الطرق الصوفية الأحياء منهم والأموات الذين أقيمت على قبورهم القباب! يكفي أن ندرك بأن الريسوني على بينة من كون مقاصد الشريعة، تتقدمها المقاصد الضرورية، وبعدها المقاصد الحاجية، فالمقاصد التحسينية، حيث إنه يأخذ بعضها بتلابيب بعضها الآخر. ومجموع المقاصد الأولى هو: حفض الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. 

             وما تم، ولن يتم الاهتمام بحفظ الدين قبل غيره من المقاصد الضرورية إلا لكونه أساس بقية المقاصد بمختلف أنواعها. فأي ضرر من تحريف أو من تشويه للدين، ينعكس مباشرة على بقية مقاصد الشريعة. فحفظ العقل الذي يتعرض اليوم لآفات عدة – كنتيجة لتناول الكحول والمخدرات – مطلب لو تم التغاضي عنه من طرف الحكام، لأرجعنا تغاضيهم إلى إهمالهم التطبيق المفروض لكافة مقتضيات الدين! فكثيرة هي أشجار العنب التي تم قلعها مع انتشار الإسلام بالسرعة التي يتحدث عنها التاريخ! فأصحابها أقلعوها ليزرعوا مكانها أشجارا أخرى لم تكن مصدرا لصنع الخمر التي هي حرام، بنصوص نقلية متواترة مؤيدة من طرف العقول النيرة. مما يدل على أن الدين يغير الواقع متى توفرت لدى الحكام إرادة تفعيله؟

             لكن الدين لا يفسده تعاطي الخمور والمخدرات ونهب الأموال، والقتل، والاغتصاب، ومداهمة البيوت، وغياب العدالة الاجتماعية والقانونية، جنبا إلى جنب مع الدعارة التي عرفنا في مغربنا انتشارها اليوم انتشار النار في الهشيم، وفي وضح النهار والدولة (دايره عين ميكا)! وإنما هناك مخاطر أخرى هددت وتهدد الدين في الصميم. ويبدو أن الريسوني قد أغفل هذا الجانب الذي نختصره في ثلاث صور: صورة الشعوذة والمشعوذين! وصورة الطرقية والطرقيين! وصورة القبورية والقبوريين!

             فإن كنا متخصصين في مجال بعينه، فعلينا أن نكشف عن خباياه خدمة منا للحقيقة الدينية وللحقيقة الواقعية. يكفي أن الإمام الشاطبي – وهو المتفرغ للمقاصد والمتخصص فيها – لم يقف عند حدود “الموافقات في أصول الشريعة”، وإنما تجاوزها إلى متابعة المقاصد متابعة نقدية على أرض الواقع، بحيث إنه تعرض لها في مؤلفه القيم “الاعتصام”، لا بالدراسة النظرية الكلامية، وإنما بإنزالها على ما يجري من تفعيل لمفسدات الدين المتجسدة في مختلف البدع، ومنها بدع المعتقدات، وبدع العبادات، وبدع المعاملات التي يجب على أي مقاصدي مواجهتها في شخص مبتدعيها، وفي أشخاص أتباعهم الذين يروجون لها، ممثلين في الحكام وفي غير الحكام! مما يعني وجوب الابتعاد عن مشايخ الضلال الذين يجب هجرهم بنصوص من كتاب الله وبأخرى من سنة رسوله من باب “الولاء والبراء”! هذا الباب، أو هذه القاعدة التي أصر الشاطبي على وجوب تفعيلها، فكان أن تعرض لمضايقات قوية من طرف الحكام وكافة المبتدعة على عهده، كما ورد ما تعرض له على لسانه في كتاب “الاعتصام” الذي يلزم أن يقتنيه أي خصم لدود للضلاليين وللظلاميين أينما وجدوا!

             فالشريعة – كما يقول الشيخ عبد الله دراز – كاتب التعريف ب”موافقات الشاطبي”: “ليست تكاليفها موضوعة حيثما اتفق لمجرد إدخال الناس تحت سلطة الدين، بل وضعت لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالحهم في الدين والدنيا معا، وروعي في كل حكم منها، إما حفظ شيء من الضروريات الخمسة (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) التي هي أسس العمران (البشري) المرعية في كل ملة، والتي لولاها لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، ولفاتت النجاة في الآخرة. وإما حفظ شيء من الحاجيات كأنواع المعاملات التي لولا ورودها على الضروريات لوقع الناس في الضيق والحرج. وإما حفظ شيء من التحسينات التي ترجع إلى مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وإما تكميل نوع من الأنواع الثلاثة بما يعين على تحققه. ولا يخلو باب من أبواب الفقه – عبادات ومعاملات وجنايات وغيرها – من رعاية هذه المصالح، وتحقيق هذه المقاصد التي لم توضع الأحكام إلا لتحقيقها”!

             فلنقطع الصلة إذن بمن حصلوا العلوم الشرعية، إن هم كفوا عن أداء “حق الله وحق العباد فيها” كما قال الريسوني. خاصة وأن حق الله منحصر في طاعته وفي طاعة مجتباه. وهاتان الطاعتان لا تسلمان من عيوب تلحق بهما إن تم امتداح واحترام أهل الضلال والظلام الطرقيين والقبوريين والمشعوذين؟ أما أهل التدليس الذين يبيعون الدين للحكام ولغير الحكام من الأذناب والمجرورين، مقابل حفنة من المال، فمثلهم مثل المبتدعة بالتمام والكمال! لا خلاق لهم في الدنيا غير الحرام المحض! ولا خلاق لهم في الآخرة غير النكال جزاء ما اقترفوا من آثام!

             فإن نحن اختلفنا مع الريسوني بخصوص مشايخ الطرق لأنهم ضلاليون، فإننا نجاريه إلى حد ما وبمعنى ما في حديثه عن البيعة كتعاقد مبرم مكتوب قديما بين الشعوب الإسلامية وقادتها. فقد استحضر في خرجته الإعلامية مصطلح أهل الحل والعقد، منظورا إليهم كطرف يمثل الشعب كله! وكأن ممثليه هؤلاء المفترضين قد وقع عليهم اختياره! والحال أنه طالما تمت البيعة لملك أو لأمير ما في إحدى المدن وحتى في إحدى القرى النائية، بينما رفضت عدة جهات أخرى تقديم البيعة له لمجرد دعوة ساكنيها إلى تقديمها. لكنها تقدمها وتحني رأسها عنوة من شدة بأسه وقهره! وعندها يوصف ما قدمه “أهل الحل والعقد” في الجهات تلك ب”البيعة” مع الإشارة الفورية إلى وجود فرق شاسع بين “البيعة” و”المبايعة”!

             وعلى أية حال، وفي الوقت الراهن بالذات، لم يعد لأهل الحل والعقد وجود! هذه المجموعة التي كانت تتألف من العلماء والوجهاء في مناطق مختلفة من بلدان المسلمين.

             ويبدوا أن الريسوني قد انتبه جيدا إلى الطارئ الذي جاء مع الاستعمار، نقصد حصر البيعة فيما يتلقاه المبايع له من تأييد القادمين إليه من كافة الجهات. فبعد أن اعتبر العلماء أصحاب الحل والعقد (وهذا خطأ متى اعتبرناهم وحدهم كذلك) بخصوص البيعة وخلعها أو لعزل الحاكم، أوضح الريسوني أن “المشكلة فيمن يتولى العزل؟ وكيف؟ والجواب النظري (عنده) هو أن العزل يتولاه أهل الحل والعقد. لكن الواقع العملي هو العكس – في عصرنا هذا – أي إن الحاكم هو من يعزل أهل الحل والعقد! ويستبدل بهم من لا يحلون شيئا ولا يعقدون إلا بأمر”! في إشارة منه إلى علماء السلطان! فلماذا نتحدث عنهم إذن وغيابهم وخضوعهم سيان؟

             أجاب بقوله: إن أصل الإشكال يعود إلى عدم نجاح المسلمين في “تبني وتثبيت آلية محددة ومضبوطة لعزل الحاكم المنحرف، أو المخل بشروطه وواجباته، أو المنتهية ولايته أو قدرته. وهذه مسؤولية الجميع، وليست مسؤولية العلماء وحدهم” لأنها أصلا – كما نقول نحن – لم تكن لهم زمان العمل باختيارات أهل الحل والعقد! نقصد أن العلماء لا يصح الجزم بتاتا بأنهم في مراحل تاريخية ما، هم وحدهم الذين يملكون حق النقض والإبرام! وإن كانت لهم مكانة بالقياس إلى وجهاء المدينة أو القبيلة كما سبق الذكر!

             وبما أن حضور أهل الحل والعقد في عقد البيعة وفي إبطالها أو في إلغائها قد ولى منطقيا لا واقعيا من جهة، وبما أن غالبية علماء الوقت تحتاج إلى من يحررها من عقدة الخوف والطمع. فإن الاستعانة بغيرهم من ذوي النفوذ في المجتمع، من ضمن المتطلبات الملحة لإقرار آليات قانونية جديدة لتنصيب الحكام أو لعزلهم عندما يخلون بشروط منصوص عليها في عقد توليهم إدارة شؤون الدولة، يعني في نظر الريسوني أن عهد قيام أهل الحل والعقد بتنصيب الحاكم وعزله عهد قد ولى لتحل محله كيفية أخرى مغايرة، كي يختار الشعب حاكمه بكامل وعيه وبكامل حريته.

             وإن احتاج الأمر إلى مزيد بيان، فإن الريسوني يخبرنا أن الحل يجب استلهامه من الواقع الذي أصبح يتجه أكثر فأكثر نحو الضبط القانوني، حيث يجب “التنصيص الدستوري الصريح على ذلك، ولا بد من تحديد الجهة التي يكون من اختصاصها النظر في مسألة العزل، على أن تكون جهة مستقلة وقادرة على ممارسة استقلالها وصيانته”.

             يبقى أن الجهة المستقلة للنظر في موضوع التنصيب والعزل، غير ممكن إيجادها بسهولة، ما دامت الدساتير التي عرفت حتى الآن في كافة الدول العربية والإسلامية، دساتير مفروضة ممنوحة! والمفروض والممنوح عبارة عن صدقة! والمانح لا يقدم (بضم الياء وسكون القاف)، ولن يقدم عن طيب خاطره، على ما يضع حدا لوجوده ولوجود خلفه.

             فلنحلم إذن مع صاحبنا الدكتور أحمد الريسوني ريثما يقضي الله أمرا كان مفعولا في الأزل عنده وحده! إذ لا يمكن أن يعرفه غيره! لأن أحدا منا لا يقرأ الغيب. اللهم إلا إذا أسندت مسؤولية قراءته للمشايخ الذين لا نتصور نحن من جهتنا التحاقهم بصفوف الربانيين لتقويم ما اعوج من السلوك السياسي الذي عانت وتعاني منه كافة الشعوب المتخلفة! حتى وقد أصبحت حكومة الملتحين عندنا بالتحديد واقعا لزجا لا طعم له ولا رائحة! ولو أن صاحبنا يمتدحهم كجماعة غيرها في الوقت الحاضر لا يمكن أن يقود المغرب إلى ما هو أفضل!

    والحقيقة التي لا ينبغي أن نجهلها هي أن الله “غالب على أمره” كما ورد على لسان الرئيس الشرعي المصري محمد مرسي، قبل الانقلاب العسكري ضده وضد الشعب الذي اختاره وانتخبه بكامل نضجه ووعيه وحريته!!!