ريحانة برس– محمد عبيد
أصبحت التفاهة منتجاً مرغوباً وثقافةً مبررةً ووضعاً راهناً في هذا العصر، وكأننا نعيش توجهاً يكاد يكون عالمياً نحو ما هو تافه، كل شيء تقريباً يتم تتفيهه: العلم والسياسة والإعلام والثقافة والتاريخ والإدارة، وغيرها من الرموز المهمة لبناء المجتمع والحضارة وإقامة أي شكل من أشكال الوعي الفردي أو الجماعي.
تغلغل بعض التافهين في جميع قطاعات المجتمع ومن بينها الإعلام والاقتصاد والتجارة والتعليم، وأصبحوا يتصدرون المشهد ويوجهون أفراد المجتمع كما يشاؤون، لأنهم يرون أنفسهم الأفضل، غير مدركين عدم نضجهم وقلة فهمهم لأمور الحياة.
ولا شك أن وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وفّرت لهؤلاء التافهين فرصة للظهور والانتشار والخروج من جحورهم، بعدما تطبّع الناس تدريجيا مع هذا العبث الإلكتروني، من خلال الدفع بهؤلاء النكرات والمجاهيل الذين لم يكونوا شيئا مذكوراً، دفعت بهم إلى مدارج الشهرة ومصاعد النجومية، نتيجة قيامهم بأعمال عبثية وأشياء تافهة.
عندما سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة أجاب:
“في المجتمعات الفاشلة يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء مقابل كل كلمة واعية… تظل الغالبية بلهاء دائمًا، وتغلب العاقل باستمرار.
فإذا رأيت المواضيع والنشرات التافهة تتصدر المواقع والمنصات بالسوشيال ميديا والنقاشات، ويتصدر التافهون المشهد في أحد المجتمعات، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدًا.
فعلى سبيل المثال، الأغاني والكلمات والفيديوهات الصامتة التي لا معنى لها تجد ملايين الناس يرقصون ويرددونها ويعجبون بها، ويصبح صاحب النشرة مشهورًا ومعروفًا ومحبوبًا، بل حتى الناس يأخذون رأيهم في شؤون المجتمع والحياة.
أما الكتاب والمؤلفون فلا أحد يعرفهم ولا أحد يعطيهم قيمة أو وزنًا.
معظم الناس يحبون التفاهة والتخدير. فعند بعض المرتفقين ضعاف الثقافة والفكر تطغى على عقولهم نشرات ل: “شخص يخدرنا ليغيّب عقولنا عنا!… ولشخص يضحكنا بالتفاهات!… ولشخص يوزع فيديوهات دون قراءة لمضامينها!
وهو بالنسبة للبعض من المرتفقين أفضل من شخص يوقظنا للواقع ويؤلمنا بالقول الحق”.
ولذلك فإن الديمقراطية لا تصلح للمجتمعات الجاهلة، لأن الأغلبية الجاهلة هي التي ستقرر مصيرك.
وكأنه يتحدث عن مجتمع اليوم…..
فالصحافة المتزنة هي النبش والبحث عن الخبر… وبذلك مجهود في تحرير مادة إعلامية تضع المتلقي في أغلب جوانب الحدث محترمة للجنس الصحفي، وليست الصحافة هي حضور مناسبة لتغطيتها بالصور “ألبومات” وبالفيديوهات “عزماكيتا”… فهذا هو أصل السخافة… المتلقي المتزن لا يهمه ذلك.. المهم من الصحافي المقتدر والفاعل هو تقريب المتلقي من المناسبة بل وضعه في قلبها بنقل الكواليس بإيجابياتها وعوائقها… أما ديك هاك تشوف؟… كما يقال:”الشوف ما يبرد الجوف؟”.. بربط وبتفسير هذه المقولة في هذه الحالة المرتبطة بالمناسبة، هل ما في جوفها عجزتم عن تبليغه للمتلقي أم أن هناك ماوراء هذا العجز الإعلامي اللا مفهوم إلا عند ممارسيه.
فعالم السفاهة، ومن يقفون وراءه بالدعم والتأييد والنشر والإعلام، إنما هدفهم كسر القيم والمعتقدات والثقافات والأعراف، والدفع بالمجتمعات للإنقياد الأعمى نحو هذا العالم، كأنه شيء في هذه الحياة يستحق بذل جهد وفكر ووقت من أجله، وبالتالي ليس هناك ما يدعو لإضاعة متعة الإستمتاع بها، بل يزيدون عليها أن المسألة حريات شخصية، حتى وإن كانت منتجات التفاهة تضرب بالذوق العام وتدفعه للحضيض، وكل الآراء والتقييمات غير مهمة ولا يلقى لها بال، قد تكون هذه خلاصات تنطبق على كل مجتمع أو مجموعة بشرية، ولعلها تنطبق بشكل أكبر على الحالة المغربية المثيرة للانتباه.
فالتفاهة في المغرب أكثر تفاهة من “تفاهة التافهين” في العالم، ولو أتيح لمؤلف كتاب “نظام التفاهة” الفيلسوف المعاصر “آلان دونو” أن يشاهد فيديو المرحاض أو حلقة من حلقات روتيني اليومي المنحط الذي لا ينتهي، لأضاف صفحات أخرى لمؤلفه عنوانها “روتين التفاهة”.
إرسال تعليق