عبد المولى المروري – ريحانة برس
تصوروا ! هذه من المرات النادرة التي أجدني فيها متفقا مع الدولة في اعتقال ومتابعة السيد فؤاد عبد المومني، قد يجد البعض أن هذا موقف شاذ وغريب عني، ولا يليق بي كأحد المدافعين عن حقوق الإنسان، وأحد الذين تعرضوا ويتعرضون للتضييق والتشهير، خاصة أني تربطني بالسيد فؤاد علاقة ود وصداقة واهتمام مشترك..
ولكن بالنظر إلى حجم وخطورة ما ذهب إليه السيد فؤاد عبد المومني يجعلني أتفهم قرار اعتقاله ومتابعته، وهو الخبير الاقتصادي الأكثر شهرة في شمال إفريقيا.. وله علم بخبايا الاقتصاد وأسراره وتوجهاته وآثاره.. فكلامه غير المسؤول أطار النوم من عيني وأصابني وأصاب الكثير من المغاربة بالأرق والسهاد لما سيحدثه من تداعيات وآثار سيئة يصعب تداركها أو معالجتها في القادم من الأيام أو الشهور أو السنوات..
فليس من السهل أن يقول شخص في مثل موقع وعلم فؤاد عبد المومني أن المغرب دولة هزيلة!! هذا كلام غير مسؤول، ويحمل خطورة كبير على المغرب في الجوانب الاقتصادية والجيوسياسية.. خاصة وأن لكلامه قبول في عالم الاقتصاد والمال على المستوى الإفريقي والأوروبي والآسيوي والأمريكي.. فخبراء هذه المناطق هم أعلم بخطورة ما يدعيه فؤاد عبد المومني..
فمن شأن كلامه أن يتسبب في تراجع وثيرة الاستثمار الرأس المال الأوروبي والآسيوي في المغرب.. وهذا بدوره من الوارد أن يزعزع استقرار المعاملات في بورصة الدار البيضاء، ومن تم على كل بورصات شمال إفريقيا، باستثناء الجزائر طبعا..
كما قد يؤدي كلامه الأخرق هذا إلى زعزعة الثقة لدى المانحين الدوليين للمغرب، وخاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويتم إلغاء خط الائتمان المفتوح لفائدته، وبالتالي إدخال دولتنا من جديد إلى المنطقة الرمادية..
ليس هذا فحسب، فأمام توسع أثر كلامه في الرقعة الاقتصادية الدولية، قد يساهم في خلافات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي ويتسبب في أزمة بين فرنسا وبعض دول الاتحاد، وقد يعرقل المفاوضات المتعلقة باتفاقيات الصيد البحري في المياه المغربية الجنوبية، الأمر الذي من الوارد أن يعيد الملف من جديد إلى المحكمة الأوروبية بهيئة جديدة..
وفي حالة تحقق ذلك، سيكون على الدول الأوروبية إعادة ترتيب بيتها الداخلي الذي قد يتصدع في أي لحظة إذا لم يتم إيجاد حل لكلام فؤاد عبد المومني.. فهناك دول قد يصيبها التردد في الاستثمار بالمغرب وفتح أسواق جديدة بينها وبين دولتنا.. الأمر الذي سيضيع فرصا ذهبية للمستثمرين ورجال الأعمال المغاربة.. وبذلك يتراجع مسار الصناعة الميكانيكية وصناعة السيارات والطائرات.. والتجارة والسياحة.. بعدما عرفت هذه القطاعات نجاحات كبيرة في عهد الحكومة الحالية!!
والخطير في الأمر أن هذا الصراع المحتمل داخل الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى ضرورة عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الذي تحتل عضويته الدائمة دولتين أوروبيتين كانتا يحتلان ثلثي العالم، إحداهما فرنسا التي قام رئيسها بزيارة دولة مؤخرا إلى المغرب، هذه الزيارة التي حققت نجاحا كبيرا ومنقطع النظير على المستوى الدولي والإقليمي.. توج بتوقيع 22 اتفاقية مهمة.. والذي قد يتسبب كلام فؤاد في إلغاء هذه الاتفاقيات التاريخية، وبالتالي عودة قضية الصحراء المغربية إلى نقطة الصفر بعدما حققت الديبلوماسية المغربية نجاحا وتفوقا على أعداء الوحدة الترابية..
ولا يخفى على عاقل، عندما تصل الأزمة إلى مجلس الأمن، ثم إلى منظمة الأمم المتحدة، خاصة وأن العالم يعرف العديد من التوترات والحروب، وأمام التقاطعات ذات البعد الاقتصادي والعسكري قد يعمق الصراع الروسي الأوكراني، الأمر الذي سيزيد بدوره في تعقد الأزمة الاقتصادية التي يعانيها العالم اليوم.. وعلى رأسها أزمة تصدير القمح الذي يحتاجه المغرب، وهذا سيخلف أثرا كبيرا قد يؤدي لا قدر الله إلى المجاعة التي قد تصيب المغرب والعديد من الدول التي تحتاج إلى القمح الأوكراني والروسي، ناهيك عن ارتفاع ثمن النفط على المستوى العالمي، وبطبيعة الحال ستجد شركة إفريقيا ومثيلاتها الفرصة مواتية للمزيد من الربح على حساب الشعب المغربي..
وعندما تتأثر روسيا بسبب تكالب الدول الغربية عليها، وفي حالة تحرك الحلف الأطلسي ضدها، فهل ستبقى الصين وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية مكتوفة الأيدي، فلابد أن تهب لمساندة قائدة التحالف المعادي للإمبريالية، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، دون استعمال الأسلحة النووية.. فلا أعتقد أن يصل بعد تصريح فؤاد عبد المومني إلى كل هذه الخطورة..
أمام اندلاع هذه الأزمة على المستوى الدولي، فمن المحتمل أن تصل إلى البيت الأمريكي، وتعرف الانتخابات الأمريكية المقبلة تحولا مهما في طريقة إدارة الحملات الانتخابية، فمن الوارد أن يتم اللجوء إلى العنف المادي.. وفي حالة تصاعد الأزمة، فقد يعرف المجتمع الأمريكي من جديد عودة الحرب الأهلية التي قد تستمر لسنوات تنتهي بتفكيك الولايات المتحدة الأمريكية إلى جمهوريات صغيرة..
وبحكم تأثر العالم بأمريكا باعتبارها دولة عظمى، أو باعتبارها دركي العالم كما يسميها البعض، فمن المتوقع أن تصل الأزمة إلى جنوب شرق آسيا، ودول الساحل الأفريقي، والخليج العربي.. دون أن تصل الأزمة إلى الحرب الطاحنة في فلسطين المحتلة.. بل على العكس من ذلك، فقد يؤدي انشغال العالم بتداعيات تصريحات عبد المومني باستفراد «إسرائيل» بالفلسطينيين وتعمل على إبادتهم جميعا حتى لا يبقى فلسطيني واحد على الأراضي المحتلة، أمام انبهار وذهول وإعجاب أصحاب «كلنا إسرائيليون»..
وأخطر ما في تصريح فؤاد عبد المومني اتهام المغرب بالتجسس على رئيس فرنسا، هذا كلام في غاية الخطورة عندما يصدر عن خبير اقتصادي دولي يعلم يقينا خطورة كلامه الأرعن على العلاقات الفرنسية المغربية التي عرفت مؤخرا تطورا مهمة في اتجاه حسم قضية الصحراء المغربية، فلا يجب أن ينسى أحد، خاصة عبد المومني أن فرنسا كانت تحتل ثلث الكرة الأرضية، ومن بينها المغرب، وبعد ذلك ربطا معا علاقة صداقة دائمة ومستمرة كانت سببا في تحقيق تنمية كبيرة للمغرب.
فما هي خلفية فؤاد عبد المومني بالمغامرة بكلامه هذا إذا لم يكن الإضرار الاستراتيجي بمصالح المغرب، وبالتالي الإضرار بمصالح إفريقيا، وبعدها أوروبا.. ثم منظمة الأمم المتحدة، ثم العالم كله..
أمام كل هذا، كان من اللازم والعاجل في نظري المتواضع اعتقال السيد فؤاد عبد المومني ووضع حد للنزيف الحاد الذي سيصيب العالم الذي تسبب في تصريحه الطائش.. وهذا يدلل على حكمة هذا القرار وصوابيته.. وبكل مسؤولية ووضوح أنا أؤيده وأباركه.. ولا يهمني من يقول العكس أو يتهمني بما يشاء .. فلم يذهب أرقي ولم يتركني السهاد إلا بعد اعتقال فؤاد..
لذلك أقول للسيد فؤاد؛ لقد أكثرت بسبب كلامك المسيء إلى المغرب وسمعته وسيادته ومصالحه التي ستنعكس بقوة على العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي.. يكفي ما وصل إليه العالم بسببك وبسبب أمثالك من المتنطعين..
صديقي فؤاد .. هكذا يذهب خيال بعض المحللين التافهين .. والكثير من الحاقدين والتائهين.. يجعلون من الحبة قبة، ومن الفكر الحر جريمة.. ومن الرأي المخالف خيانة.. لأن الرأي يؤلمهم.. والفكر يزعجهم.. والتدوينة تؤرقهم.. وقول الحق يُسخطهم.. فلا تبتئس بما يقولون.. ولا يضيق صدرك بما يفعلون.. فهم في غفلة هائمون.. وفي غلهم يسبحون.. وغدا سينبلج الحق، مهما طالت عتمة الباطل..
إرسال تعليق