عبد الفتاح الحيداوي – ريحانة برس
تحليل الوضع في سوريا والشرق الأوسط بعد وفاة حسن نصر الله، زعيم حزب الله، يتطلب فهماً عميقاً للتركيبة الإقليمية والسياسية في المنطقة، خاصة بالنظر إلى الدور المحوري الذي يلعبه نصر الله في السياسة اللبنانية والإقليمية.
نصر الله، كقائد لحزب الله، لا يمثل مجرد شخصية سياسية بل يعتبر رمزا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي ويعد وسيطاً محورياً بين إيران، وسوريا، وفصائل المقاومة الفلسطينية، والعراق. من هذا المنطلق، فإن غيابه سيترك فراغاً في العديد من السياقات، ما يؤثر على عدة محاور داخل وخارج لبنان.
1. لبنان وحزب الله:
الصراع الداخلي: غياب نصر الله سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار داخل حزب الله نفسه، حيث من غير الواضح ما إذا كان الحزب يمتلك خليفة قويًا بالقدر الكافي ليملأ الفراغ. ومع غياب شخصية كاريزمية وذات تجربة، قد يشهد الحزب تشرذماً داخلياً، ما يضعف دوره السياسي والعسكري في لبنان.
التوازن السياسي اللبناني:
حزب الله ليس مجرد فصيل عسكري، بل هو لاعب سياسي رئيسي في الساحة اللبنانية. إذا ضعف دوره أو حدثت خلافات داخلية، فإن ذلك قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات السياسية اللبنانية، وقد يكون ذلك فرصة للتيارات المعارضة لحزب الله لاستعادة بعض السيطرة على القرار السياسي اللبناني.
2. سوريا والعلاقة مع إيران:
الوضع السوري: نصر الله كان حلقة الوصل القوية بين النظام السوري وإيران، خاصة في الحرب السورية. وفاته قد تؤدي إلى تراجع التنسيق بين القوات الإيرانية والميليشيات السورية، مما يخلق فراغًا أمنيًا في مناطق معينة، ويؤثر سلبًا على قدرة النظام السوري على الحفاظ على السيطرة على كافة الأراضي.
النفوذ الإيراني: تعتبر إيران الداعم الرئيسي لحزب الله والنظام السوري. مقتل نصر الله قد يجبر إيران على إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة. قد تُعيد طهران تركيز جهودها على سوريا لضمان عدم فقدان النفوذ هناك، لكنها ستواجه تحديات أكبر في إدارة شبكة التحالفات الإقليمية.
3. إسرائيل:
الأمن الإقليمي: سيشعر الجانب الإسرائيلي بارتياح مؤقت لرحيل أحد أهم أعدائها. ومع ذلك، فإن حزب الله لا يعتمد فقط على فرد، بل هو مؤسسة عسكرية وسياسية، وبالتالي قد تستمر التوترات مع إسرائيل، خاصة إذا استمرت طهران في دعم الحزب بقوة.
إمكانية التصعيد: في حالة ضعف القيادة في حزب الله، قد تسعى إسرائيل إلى استغلال الوضع من خلال تصعيد العمليات العسكرية أو الضغط السياسي على لبنان وسوريا.
4. الفصائل الفلسطينية:
ضعف التنسيق: نصر الله كان لاعباً مهماً في دعم الفصائل الفلسطينية المقاومة، لا سيما حماس والجهاد الإسلامي. غيابه قد يؤدي إلى تراجع في الدعم المباشر أو التنسيق، مما يضعف المقاومة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، إلا إذا تدخلت إيران بشكل أكبر لتعويض ذلك.
5. الدور الأمريكي والغربي:
تعزيز الحضور الدبلوماسي والعسكري: قد تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية إلى تعزيز وجودها في المنطقة لضمان استقرار الأوضاع بعد وفاة نصر الله. يمكن أن نشهد تصعيدًا في الجهود الدبلوماسية لاحتواء أي تصعيد بين إسرائيل وحزب الله أو محاولة لدفع مبادرات سلام جديدة.
التدخلات في سوريا: غياب نصر الله قد يُفسح المجال لزيادة النشاط الغربي في سوريا، سواء من خلال دعم المعارضة أو تكثيف الجهود لضمان عدم توسع النفوذ الإيراني أكثر في المنطقة.
6. الدور الروسي:
الاستفادة من الفوضى: قد تستغل روسيا حالة الفراغ السياسي والأمني في لبنان وسوريا لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. يمكن أن تسعى موسكو إلى تقديم نفسها كوسيط جديد بين الأطراف المختلفة أو حتى زيادة دعمها العسكري للنظام السوري لضمان استمرارية وجوده.
7. إيران والتوازنات الإقليمية:
إعادة ترتيب الأولويات: قد تجد إيران نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة. بعد فقدان أحد أبرز حلفائها، قد تركز على تقوية نفوذها العسكري والسياسي في سوريا ولبنان بشكل مباشر أكثر. إلا أن هذا قد يضعها في مواجهة أكبر مع قوى إقليمية مثل إسرائيل وتركيا، وحتى بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات.
مقتل نصر الله سيحدث زلزالاً في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا ولبنان. غيابه سيؤدي إلى فراغ في القيادة قد يؤثر على استقرار حزب الله، ويعيد تشكيل توازنات القوى في المنطقة. في سوريا، قد تجد إيران صعوبة في الحفاظ على نفوذها الحالي، بينما قد تستغل روسيا الوضع لتعزيز دورها. إسرائيل قد تسعى إلى استغلال الفراغ لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، في حين أن القوى الغربية ستكثف جهودها لضمان عدم تفاقم الصراع.