سلفية أم سلفيات؟

0

يميز بعض الباحثين بين بعض الاتجاهات في السلفيين؛ فهناك سلفية جامية، وهناك سلفية علمية، وهناك سلفية حركية جهادية -كما يقال-، فهل هذا التقسيم الظاهر يدل

يميز بعض الباحثين بين بعض الاتجاهات في السلفيين؛ فهناك سلفية جامية، وهناك سلفية علمية، وهناك سلفية حركية جهادية -كما يقال-، فهل هذا التقسيم الظاهر يدل حقًا على أنها سلفيّات لا سلفية واحدة؟

هناك حقائق ذاتيّة مشتركة تجمع كل تلك الأطياف، فلو سألت جميع هؤلاء عن رموزهم لعددوا الرموز أنفسهم، ولو سألت جميع أولئك عن أهم متون العقائد لعددوا المتون نفسها، ولرجعوا إلى الشيوخ الكبار نفسهم. فأين يكمن الخلاف؟ وهل بين هؤلاء خلاف في الأصول؟

الحقيقة أن كل تلك الأطياف متفقة تمام الاتفاق على الأصول، على منهج أهل الحديث، أو ما يسمّى (السلف الصالح)، في التوحيد وباب الأسماء والصفات، وفي القدر، وأهل الكبائر وما يتعلق بالأوصاف إسلامًا وكفرًا، وإيمانًا وفسقًا، وما يتعلق بالصحابة.

أما السلفية العلمية فهي تتجه إلى تربية النفس وتزكيتها والاهتمام بطلب العلم الشرعي على بصيرة واتباع، وهذا لا يعني أن الجامية والجهادية لا تعتني بهذا، ولكن ما يسمى السلفية العلمية تجعله لها أولوية.

أما السلفية الجامية فتتجه إلى التأكيد على وجوب طاعة ولي الأمر وفضح “الخوارج” و”المفسدين” و”أهل الفتن”، وهذا لا يعني أنها لا تبالي بالجهاد وبطلب العلم، ولكن هذه المسألة -أي ما يتعلق بوليّ الأمر- هي أبرز ما تهتمّ به.

وأما السلفية الجهادية فهي معنية بالجهاد وتحرير أراضي المسلمين، وتحقيق مشروع “الدولة الإسلامية على منهاج النبوة”، وهذا لا يعني أيضًا أنها لا تهتم بالعلم الشرعي، كما لا يعني أنها تهوّن من شأن ولي الأمر (=الشرعي) عندهم وما يتعلق بذلك، وتجدها تستند أكثر ما تستند على تراث محمد بن عبد الوهاب وأولاده؛ حيث لم يكن محمد بن عبد الوهاب مقتصرًا على جانب العلم الشرعي فقط أو معنيًا بمسألة ولي الأمر بشكل أبرز، بل كان في الواقع “متحركًا” بمنهجه، باحثًا عن “سلطة” وسيف لنشر دعوته وقيام الدولة الإسلامية على وفق “الشريعة”، فقاتل وراسل وغزا وغنم و”أقام الحجة الرسالية” التي تبرأ بها ذمته في القتال.

لا ينكر الجامي ما في كتب محمد بن عبد الوهاب بل يعتمدها، وكذا يفعل العلمي، وكذا يفعل الجهادي، فما المشكلة بينهم إذن؟ حتى لربما كفر بعضهم بعضًا، وفسّق بعضهم بعضًا، وضلل بعضهم بعضًا!

المسألة -باختصار شديد لا تتسع له مقالة كهذه بل يحتاج إلى دراسة واستقراء تام أو شبه تام ومن المصادر الأصلية-، أقول: المسألة هاهنا ليس أنهم مختلفون في الأصول فلو شرح جاميّ عقائد ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب لما اختلف معه أحد في مجمل شرحه، وكذا لو شرح جهادي وعلميّ. كل ما في الأمر اختلافات في (فروع الدين) لا في أصوله من جهة، واختلافات في (تحقيق المناطات)؛ أي إنزال الأحكام التي “يتفقون عليها من حيث الأصل”؛ إنزالها على الواقع من جهة أخرى.

فولي الأمر مثلًا يجوز الخروج عليه حين يأتي بكفر بواح لكم فيه من الله برهان، هذا متفق عليه عند الجميع، لكن هل الحاكم الفلاني والعلاني بعينه كافر؟ هنا يتم الخلاف، وحينها يقال: ومن لم يكفّر الكافر فهو كافر، فيأتي التكفير ولوازمه.

مثلًا: الديمقراطية عندهم جميعًا كفر؛ بلا مثنوية، لكن حين يأتي حزب النور مثلًا فيدخل في لعبتها بحجة (الاضطرار) سيكفّره الجهادي -كما فعل هاني السباعي في تكفير قادة حزب النور بأعيانهم- لأنه لا يراه مضطرًا، فالسبيل هو الجهاد لا الديمقراطية.

وحين تأتي جبهة النصرة مثلًا، فتتحالف مع من تراهم داعش مرتدين، فمناصرة أعداء الله وتوليتهم كفر، وإذن فجبهة النصرة مرتدون! وهكذا.
إنها ليست (سلفيات) إذن، إنها سلفية واحدة، وما الخلاف بين هؤلاء كلهم في الأصول، بل الخلاف في تحقيق المناطات، وتحقيق المناطات مسألة اجتهادية لا أكثر.

أليس من العجيب أن يكفّر المرء من هؤلاء أخاه، وكلاهما يعتمدان على الرموز أنفسهم والمتون ذاتها؟ ثم يعيب السلفيون بعض الفرق كالخوارج والمعتزلة بأنهم يكفّر بعضهم بعضًا!

إنها مسألة تدعو إلى التأمل!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.