الكاتب : حسام بوزكارن
بتاريخ : 12 يونيو، 2025 - 13:59
ريحانة برس
في كل محطة انتخابية، يعود الخطاب السياسي ليرتدي حلة الديمقراطية، وتدب الحياة في شعارات الأحزاب، وكأن المغرب على موعد مع انبعاث سياسي حقيقي. تعلق صور المرشحين، وترفع الشعارات، وتتحول الأحياء الشعبية إلى مسارح خطابية لا تتوقف. لكن، ما إن تنطفئ الأضواء، حتى ندرك أن ما حدث لا يتجاوز استعراضا انتخابيا موسميا، وأن منطق الانتخابات كما نعيشه ليس مرادفا للحرية، بل أقرب إلى طقس سياسي بدون عمق.
هل نعيش فعلا حرية الاختيار؟ وهل الأحزاب تعبر عن إرادة الناس، أم تعيد إنتاج منطق التوافق السلطوي؟ هنا لا أتحدث عن الدولة كمصدر للضغط، بل عن فراغ داخلي في بنية الأحزاب نفسها، عن مؤسسات حزبية فقدت علاقتها بالحياة المجتمعية الحقيقية. فكيف يمكن الحديث عن حرية انتخابية في غياب حقيقي لمشاريع سياسية تتقاطع مع أولويات المواطن، وتجسد قيمه؟
ما يثير الانتباه في المشهد الحزبي المغربي هو هذا التواطؤ الصامت على إفراغ السياسة من محتواها، وتحويلها إلى عملية تقنية، تدار بالحسابات، لا بالقيم. كم من حزب يتحدث عن العدالة الاجتماعية، لكنه في الممارسة يصوت ضد إصلاحات تعني بالكرامة؟ وكم من حزب يملأ خطاباته بالحرية والمواطنة، لكنه يسكت حين يعتقل ناشط لمجرد تدوينة؟
حين تكون القيم السياسية مجرد زينة خطابية، فإننا نعيد إنتاج أزمة التمثيلية. والتمثيلية لا تعني فقط أن يتم التصويت لمرشح معين، بل أن يشعر المواطن بأن هذا المرشح، وهذا الحزب، يمثل جزءا من وعيه، من مطالبه، من قيمه. أن يرى فيه امتدادا له، لا سلطة فوقه.
لقد تحولت الأحزاب السياسية في المغرب إلى أدوات انتخابية لا تشتغل إلا في المواسم، ولا تعبر عن رؤى متكاملة، بل عن تموضعات ظرفية. الأسوأ من ذلك، أن هذه الأحزاب لم تعد تنتج خطابا سياسيا يعكس التحولات الاجتماعية، بل تشتغل بخطابات مستوردة من فترات سياسية متجاوزة، أو بلغة تقنية فارغة من أي حس شعبي.
أليس غريبا أن يكون أحد أبرز عناوين “النقاش السياسي” داخل الأحزاب هو: مع من سندخل الحكومة؟ من سنضعه على رأس اللائحة؟ بينما تغيب الأسئلة الجوهرية: ما المشروع الذي نحمله للعدالة المجالية؟ ما موقفنا من التفاوت الطبقي؟ من حرية التعبير؟ من أزمة المدرسة العمومية؟
الانتخابات ليست حرية لأن الحرية السياسية تبدأ قبل صندوق الاقتراع، حين تتأسس على رؤية، على تربية سياسية، على التزام أخلاقي تجاه المواطن. الحرية هي حين تشتغل الأحزاب على مدار السنة، في الحواضر والبوادي، لا حين تستدعى فجأة قبل يوم التصويت.
ربما يجب أن نطرح سؤالا أكثر إزعاجا: هل الأحزاب السياسية اليوم تعكس تطلعات المجتمع المغربي أم تصادرها؟ وهل يمكن الحديث عن ديمقراطية بدون ديمقراطيين؟ إننا بحاجة إلى تجديد الفعل الحزبي من الداخل، إلى أن تصبح القيم السياسية أصلا تبنى عليه البرامج والمواقف، لا مجرد ديكور يستدعى عند الحاجة.
المواطن المغربي لا يرفض السياسة، بل يرفض هذا الشكل المسرحي من السياسة. يرفض أن يختزل دوره في التصويت دون أن يؤخذ صوته على محمل الجد. يرفض أن تحول قيمه إلى شعارات انتخابية موسمية، بدل أن تصبح روحا تنبض بها الحياة السياسية.
لقد آن الأوان أن نتحدث عن الأحزاب، لا الدولة، حين نناقش أزمة التمثيلية. لأن الحرية لا تأتي من أعلى فقط، بل تبنى من القاعدة، من صدق العلاقة بين المواطن والحزب، من تحويل السياسة من منافسة على المقاعد، إلى التزام أخلاقي تجاه الناس.
ذلك فقط ما يجعل من الانتخابات حرية، ومن المواطن فاعلا، لا مجرد ناخب موسمي.
المصدر : موقع ريحانة برس
إرسال تعليق