لنفترض أن أغلبية العراقيين لا يريدون لبلدهم الانقسام إلى دويلات، اثنتين أو ثلاث؛ ولنفترض أن أغلبية العراقيين لا يريدون لهذه الأزمات التي تعصف بالبلد
لنفترض أن أغلبية العراقيين لا يريدون لبلدهم الانقسام إلى دويلات، اثنتين أو ثلاث؛ ولنفترض أن أغلبية العراقيين لا يريدون لهذه الأزمات التي تعصف بالبلد أن تستمر إلى مالا نهاية، ولنفترض أن أغلبية العراقيين يبحثون عن حل من خارج الطروحات المتداولة بشأن بناء السلطات على أساس التحاصص المذهبي أو القومي أو الحزبي… إذا افترضنا كل هذه الفرضيات، وقد تكون صحيحة مئة بالمائة، وإذا افترضنا أن أغلبية العراقيين ترى أن الحل يتمثل بإقامة دولة الإنسان، فاني أقول: إن إقامة هذه الدولة هي مسؤولية هذه الأغلبية التي تؤمن بهذه الافتراضات.
وللأمانة، لا بد أن أذكر أن مصطلح «دولة الإنسان» يعود إلى المرجع الراحل الإمام السيد محمد حسين فضل الله، الذي طرحه في أواخر الثمانينيات، حين قال مخاطبا اللبنانيين: “إذا لم نتفق على إقامة دولة الإسلام فتعالوا نتفق على إقامة دولة الإنسان.“
وبالإمكان الانطلاق من هذا المصطلح لبيان معالم «دولة الإنسان» وتصور طبيعتها وهويتها. فهي دولة تضع الإنسان وحقوقه وسعادته في الاعتبار الأول، وتتخذه أساسا ومقياسا، وهدفا وغاية. وهي إذن تنتسب إلى الإنسان بلا وصف مضاف، و تستبعد من هويتها الدستورية والقانونية أية أوصاف أخرى ملحقة بالإنسان، من عرق وطائفة ودين ومذهب وحزب، وتستند في هويتها الدستورية وبنائها الإداري والقانوني إلى الإنسان بما هو إنسان فقط حيث لا يجري تمييز إنسان على آخر إلا بمقدار ما يقدمه من خدمة لبني الإنسان ويلتزم بالقوانين الناظرة إلى سعادته.
دولة الإنسان لا تقوم على أساس المحاصصة والتوافق المعطل، وإنما تقوم على أساس الكفاءة والمواطنة والإنسانية، وتمنح بني الإنسان فرصا متساوية في الوظيفة والثروة والموقع السياسي.
وترفض دولة الإنسان الدكتاتورية والتفرد بالسلطة والاستحواذ على الثروات الطبيعية، لأنها تؤمن بسيادة الإنسان على نفسه وعلى الأرض، أي أنها دولة ديمقراطية.
ولا تقوم دولة الإنسان على سلطة الفرد والانفلات، إنما تقوم على أساس المؤسسات وسيادة القانون.
وتوظف دولة الإنسان العلم الحديث في حياة الدولة والمجتمع، وتحسين مستوى وطبيعة حياة الإنسان ، بما يحقق صفة المعاصرة في الدولة، دون أن تقطع مع تراث الأمة وهويتها التاريخية والثقافية المتمثلة بالإسلام والقيم الإنسانية المشتركة.
و هذه هي، نفسها، أوصاف الدولة المدنية الحديثة، وركائزها الخمس، وهي المواطنة والديمقراطية والمؤسسات وحكم القانون والعلم الحديث.
دولة الإنسان هي الدولة المدنية الحديثة.
وتقع مسؤولية إقامتها في العراق، كما في أي مجتمع آخر، على عاتق أغلبية الناس المؤمنين بها، حيث لا يمكن لمن لا يؤمن بها أن يقيمها، وفاقد الشيء لا يعطيه.
الأغلبية السياسية التي تؤمن بدولة الإنسان، الدولة المدنية الحديثة، هي التي تشيد هذه الدولة بجهدها وعرقها وتعبها ونضالها وفعلها التاريخي وتضحياتها ومثابرتها على تحقيق الهدف. «كيفما تكونوا يولى عليكم». وإذا كانت هذه الأغلبية إنسانية ديمقراطيةً تؤمن بسيادة القانون ودور المؤسسات وضرورة العلم الحديث فإنها ستكون قادرة على بناء الدولة العراقية على هذه الأسس، وتولية القادرين على إدارتها وصيانتها والحفاظ عليها وتطويرها. ويملك المواطنون الذين يؤمنون بهذه القيم والمعايير القدرة والآليات على بناء دولتهم، دولة الإنسان، إذا أصبحوا فعلا الأغلبية في مجتمعهم، وإذا تحركوا كجسم واحد من اجل تحقيق هذا الهدف وقدموا له ما يتطلبه من الجهد والثمن، وأعطوا صوتهم إلى القادرين على إدارتهم وقيادتهم وفق معايير الدولة المدنية الحديثة، دولة الإنسان التي يتطلع إليها الإنسان.
هل تريدون هذه الدولة؟ قوموا أنتم ببنائها، فلا يقوم بهذا غيركم!
الصراخ، وحده، لا يجدي نفعا!!