في الذكرى 13 لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، أُعلن في مدينة جدة السعودية عن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يستولي على مناطق شاسعة من العراق
في الذكرى 13 لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، أُعلن في مدينة جدة السعودية عن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يستولي على مناطق شاسعة من العراق وسوريا ضمنها ثاني أكبر المدن العراقية. هذه إحدى المفارقات الحميدة في الحرب على الإرهاب المؤسس على مفهوم الجهاد الإسلامي. ذلك أن 11 سبتمبر شارك فيها 15 سعودياً من أصل 19، نفذوا ذلك الهجوم الذي تبنته القاعدة، وشكل منعطفاً مفصلياً في التاريخ المعاصر.
كما أن السعودية؛ حيث أُعلن التحالف، تعد مصدراً أساسياً للمقاتلين الأجانب في سوريا، إذ حلت ثانياً بعد تونس. حيث يقاتل2500 سعودي، يتوزعون بشكل أساسي على تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة. وفقاً لـ بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في كلية كينغز في لندن.
شكلت السعودية طوال عقود مركزاً لتصدير الجهاد الإسلامي للعالم، ودعمته مالياً وشرعيّاً بفتاوى صدرت عن مراجع رسمية، وشبه رسمية، وعن شيوخ الجهاد غير الرسميين، وكان ذلك بموافقة ودعم أمريكي إبان الحرب في أفغانستان.
من هناك كانت بداية ما عرف لاحقاً بتنظيم القاعدة، مسنوداً بإرثٍ لا ينضب من فتاوى الجهاد والتكفير التي تتبناها “الوهابية”، التسمية التي تطلق على السلفية الدينية التي صاغها محمد بن عبد الوهاب، وتتبناها السعودية كإيديولوجيا رسمية، وتُطلق عليها “الدعوة السلفية”.
لكن تداعيات 11 سبتمبر /أيلول شكلت منعطفاً في العلاقة بين المؤسسة السعودية الحاكمة وتيار الجهاد الإسلامي، وتم فصل الارتباط الوثيق بينه وبين السلطة الرسمية، التي قامت بحملة علاقات عامة ضخمة في أمريكا للخلاص من تهمة رعاية الإرهاب، مستخدمة حجة استهدافها نفسها بعدة عمليات إرهابية من تيار الجهاد. وقامت بعد ذلك بحربٍ لينة ضده في داخلها. وصار المشاركون في الجهاد الذي أصبح إرهاباً، يسمون “الفئة الضالة”، لكنها لم تغلق طريق تصديره نحو العالم ودول الجوار.
شكل التيار الجهادي الذي أنتج القاعدة، وانشطر عنها تنظيم الدولة الإسلامية، معضلة للسعودية. لأنها تتبنى الإرث الديني، الذي أنتجه بشكل رسمي. وما زال هذا الإرث يدرس في المدارس والجامعات والمساجد والفتاوى. ولم تجرؤ المؤسسة الدينية الرسمية على تكفير بن لادن، أو إخراجه من الإسلام. فحينما سُئل عبدالله بن جبرين عضو هيئة كبار العلماء عن تكفير بن لادن للسعودية، إبّان حرب الخليج الثانية، قال: “إنه مجتهد في ذلك”. وبالطبع لكل مجتهد أجرٌ إن أخطأ، وأجران إن أصاب.
ورغم الحرب الداخلية على “الفئة الضالة”، بقي شيوخ الجهاد دون قيود على فتاواهم وأموالهم المعدة للتصدير الخارجي، بينما خنقت فتاواهم المعدة للداخل بقرارات متلاحقة.
حين تحولت الثورة السورية للعسكرة، ازدهر سوق تصدير الجهاد والمجاهدين وتمويلهم من السعودية والخليج إلى سوريا. وعلى إيقاع الدم السوري المسفوح، شكّلت الدولة الإسلامية، خطراً حقيقياً على السعودية. فأوقفت التصدير، وانخرطت بشكل جدي للمرة الأولى في الحرب المفتوحة ضد “الجهاد الإسلامي”، مضيفة تلويناته اللينة كـ “الإخوان المسلمين”. الذي كان أحد أبرز صادراتها لعقود طويلة إلى جانب النفط. وأصدرت قرارات متلاحقة من أعلى المستويات ضده، مدعومة هذه المرة بفتاوى رسمية. واعتبر مفتي السعودية تنظيم القاعدة وتفريعاتها “امتداد للخوارج”، أول فرقة مرقت من الدين.
ربما تجفّف الحرب المفتوحة ضد الدولة الإسلامية منابع الجهاد العالمي في السعودية والخليج. لكننا سنحتاج زمناً طويلاً لتصبح القاعدة ومشتقاتها مجرد تاريخ يكتب. وربما تنبعث في زمنٍ آخر. لكن العالم سيكون مديناً للدم السوري، الذي وضع نقطة البداية، للخلاص من الجهاد الإسلامي العالمي ولو إلى حين.
إرسال تعليق