ريحانة برس – هيئة التحرير
في خطاب مُفعم بالثقة والتباهي خلال افتتاح الدورة الخامسة لجامعة الشباب الأحرار، وصف رئيس الحكومة المغربية ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، حكومته بأنها حققت “ثورة اجتماعية غير مسبوقة”، مُعلناً أن المغرب أصبح “أول دولة اجتماعية في إفريقيا”. ولكن عند النظر إلى الواقع اليومي للمواطن المغربي، يتبدد بريق هذه الكلمات سريعاً، ليظهر أمامنا مشهد مختلف تماماً: ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، تدهور في القدرة الشرائية، واتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
إن السياسة الاقتصادية التي انتهجتها حكومة أخنوش منذ توليه السلطة أثارت الكثير من الجدل، خاصة في ظل تزايد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين المغاربة. فما يسميه أخنوش “ثورة اجتماعية” يبدو، في عيون العديد من المغاربة، ثورة ضد الطبقة المتوسطة والفقيرة لصالح النخبة. فقد شهدت الفترة الأخيرة تضخمًا في أسعار المواد الأساسية مثل المواد الغذائية، الوقود، والسكن، ما جعل الحياة اليومية لمعظم المغاربة أكثر صعوبة وتعقيداً.
على سبيل المثال، يمكن النظر إلى قطاع المحروقات، حيث ارتفعت أسعار الوقود بشكل حاد منذ تولي أخنوش رئاسة الحكومة. وهذا الارتفاع لم يكن مفاجئاً بالنظر إلى أن أخنوش نفسه يُعتبر أحد كبار المستثمرين في هذا القطاع، من خلال شركته “أفريقيا غاز”. وبينما يعاني المواطنون من هذا العبء المتزايد، يستمر أصحاب النفوذ، بما فيهم أخنوش، في جني الأرباح.
نموذج آخر يظهر جلياً في القطاع الفلاحي. فبينما يُعاني الفلاحون الصغار من تراجع الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، تستفيد الشركات الكبرى المتحالفة مع الحكومة، بما في ذلك شركات مرتبطة برئيس الحكومة نفسه، من السياسات الزراعية المتبعة. يتم تصدير الفواكه والخضروات إلى الأسواق الأوروبية، بينما يُحرم المواطن المغربي من الاستفادة الكاملة من هذه الثروات الطبيعية، مما أدى إلى وضع يُشبه المزرعة التي تُطعم الأجانب على حساب أبنائها.
لكن الأمر لا يقف عند حدود المحروقات والزراعة. فالتعليم والصحة، اللذان يُفترض أن يكونا ركيزتين أساسيتين في أي “دولة اجتماعية”، يشهدان تراجعًا واضحًا. المدارس والمستشفيات العمومية تعاني من نقص حاد في الموارد والمعدات، في وقت تتزايد فيه الاستثمارات في القطاع الخاص الذي يخدم أساساً الفئات الغنية. وهنا يظهر التناقض بين ما يعلنه أخنوش عن دولة اجتماعية، وبين ما يعانيه المواطن العادي في حياته اليومية.
الحديث عن نجاحات الحكومة في “الانتخابات الجزئية” الأخيرة لا يُعد إلا تمويهاً عن حقيقة المشهد السياسي في المغرب. ففوز حزب التجمع الوطني للأحرار في بعض الدوائر الانتخابية ليس دليلاً على الدعم الشعبي بقدر ما هو انعكاس لاستخدام النفوذ المالي والسياسي. فالمال السياسي أصبح لاعبًا رئيسيًا في الانتخابات، مما يجعل من الصعب الحديث عن شفافية حقيقية أو تمثيل ديمقراطي عادل.
هنا تتضح المفارقة. ففي الوقت الذي تتباهى فيه الحكومة بتحقيق “ثورة اجتماعية”، يشعر المغاربة بأنهم يعيشون في ظل حكومة تُثري الأغنياء وتفقر الفقراء. وهذا التباين الصارخ بين الخطاب السياسي والواقع الاجتماعي يطرح سؤالًا أساسيًا: هل نحن أمام حكومة تمثل مصالح الشعب المغربي، أم أن حكومة أخنوش هي بالفعل حكومة للأغنياء فقط؟
من الواضح أن هذه الحكومة، في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، تفتقر إلى رؤية شاملة تحقق العدالة لجميع المواطنين. بينما يتم الترويج لشعارات زائفة عن العدالة الاجتماعية، تُدار البلاد بطريقة تضمن استفادة الفئة الغنية، على حساب الكادحين الذين يواجهون صعوبات متزايدة في تأمين لقمة العيش.
هذه السياسات تُذكرنا بما تحدث عنه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذي أشار إلى كيفية استخدام الطبقات الحاكمة للأيديولوجيا والثقافة للسيطرة على المجتمع، بحيث يبدو الأمر كما لو أن هذه السياسات تصب في مصلحة الجميع بينما تخدم في الحقيقة الطبقة الحاكمة فقط. فخطاب أخنوش وأمثاله يُبنى على مبدأ “الهيمنة الثقافية”، حيث يتم التلاعب بالرأي العام عن طريق الوعود الزائفة والإنجازات المزعومة.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن الطريق أمام المغاربة لتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية يتطلب أولاً التخلص من هذه الهيمنة التي تفرضها الحكومة الحالية. فالعدالة الاجتماعية لا تتحقق بالشعارات الرنانة، بل بالإجراءات الفعلية التي تضع مصلحة المواطن في المقام الأول، وليس في جيوب الطبقة الثرية.
في النهاية، يبقى السؤال قائماً: هل حكومة أخنوش قادرة حقاً على تحقيق التغيير الذي يعد به رئيسها، أم أننا أمام حكومة تكرس الفوارق الاجتماعية وتعزز مصالح الأغنياء فقط؟
إرسال تعليق