حقوقيون يحذّرون من عودة التعذيب في تونس

0

تعيش تونس هذا الأسبوع على وقع خبر وفاة سجينين تقول عائلتاهما إلى جانب بعض المنظمات الحقوقية بأنهما توفيا بسبب التعذيب. وهو ما أثار جدلا واسعا داخل العائلة

تعيش تونس هذا الأسبوع على وقع خبر وفاة سجينين تقول عائلتاهما إلى جانب بعض المنظمات الحقوقية بأنهما توفيا بسبب التعذيب. وهو ما أثار جدلا واسعا داخل العائلة الحقوقية حول الخوف من عودة التعذيب بعد ثورة 14 يناير 2011 خلال فترة الإيقاف أو داخل السجون.

ويطالب الحقوقيون بالتعجيل بالمصادقة على قانون الإرهاب الذي لا زال يقبع في رفوف المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) إلى جانب تعديل عدد من فصوله.

وورد في الفصل 23 من الدستور التونسي الجديد ما يلي: ” تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي، و لا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم”.

تعذيب وعنف

في تقرير لقناة سكاي نيوز عربية، قالت أخت الضحية محمد السنوسي إنه تم كسر ساقه وتعذيبه في الطريق العام وفي حضور الجيران وبعد ذلك ترك دون معالجة لتتعفن ساقه.

وشهد الأسبوع الأخير وفاة شخصين بعد إيداعهما السجن، وهو ما أثار شكوك المنظمات الحقوقية.

 

وأكدت المنظمات الحقوقية المناهضة للتعذيب وجود حالات تعذيب في مراكز الإيقاف وداخل السجون؛ ما حدا بالناشط الحقوقي والكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب منذر الشارني إلى القول بأنّ: “عناصر الأمن يرفضون أن يطلع الشخص الموقوف على ما حرره الباحث الابتدائي”. مضيفا أنّ: “هناك حالات يجبر فيها الموقوف على الاعتراف تحت التعذيب”.

وشدد على أنّ حضور المحامين خلال البحث يمكن أن يحدّ من حالات التعذيب، ولكن “المجلس الوطني التأسيسي عجز ومنذ ثلاث سنوات على تعديل فقرة بسيطة من الفصل 13 مكرر والذي يقرّ بوجوبية تواجد المحامي أثناء البحث الأولي”.

تنديد ومطالبة بالتحقيق

نددت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في بيان اطلع عليه “التقرير”: “تندد المنظمة بجريمة التعذيب التي تعرض لها الضحية (محمد علي السويسي) لدى إيقافه وعلى مرأى ومسمع من جيرانه وهي جريمة يعاقب عليها القانون”، معتبرة أنّ: “إيقاف الضحية وهو بحالة صحية عادية ثم انتهاء فترة الاحتفاظ بوفاته قرينة قوية على تعرضه للتعذيب الذي قد يكون أودى بحياته، بما يحمّل الدولة مسؤوليتها كاملة في كشف الحقيقة”.

 

وطالبت المنظمة السلطات القضائية “بفتح تحقيق عاجل وجدي للكشف عن مرتكبي الانتهاكات ومحاسبتهم قضائيا وكذلك الكشف عن مختلف التقارير الطبية المتعلقة بحالة الضحية منذ عرضه لأول مرة على الفحص الطبي”. كما طالبت النيابة العمومية: “بإحضار الموقوفين بمكاتبهم لدى إحالة ملفاتهم للتأكد من عدم تعرضهم للتعذيب خلافا لما جرى عليه العمل من الاكتفاء بقراءة محاضر البحث وتحرير قرارات الإحالة دون معاينة الشخص الموقوف”.

وحمّلت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب السلطات المعنية “مسؤولية التأخير في إصلاح منظومة الإجراءات الجزائية بما يكفل عدم تعرض الموقوفين للتعذيب وسوء المعاملة، وكذلك تواصل حالة الإفلات من العقاب بالنسبة لمرتكبي الانتهاكات”، وهي تتوجه إلى مختلف المنظمات الحقوقية “للوقوف صفا واحدا ضد تيار الانتهاكات الذي شهد تصاعدا في المدة الأخيرة، خاصة وأن حالة الوفاة الحالية سبقتها حالة الشاب علي اللواتي الذي توفي بسجن برج العامري منذ عشرة أيام”.

حالات تعذيب

أكد الناشط الحقوقي علاء الطالبي في تصريح لقناة سكاي نيوز عربية بأنّ حالات التعذيب تواصلت بعد ثورة 14 يناير، مشيرا إلى أنّ المقرر الأممي لشؤون التعذيب قد أقرّ بتواصل حالات التعذيب في تونس.

وكان المقرر الأمم المتحدة لشؤون التعذيب خوان مانديز  أكد في شهر يونيو الماضي وفي ندوة صحفية عقدها في تونس أنّ “التعذيب لا يزال قائما في تونس برغم الإرادة المعلنة للسلطات بوضع حد لهذه الممارسة التي كانت متفشية في عهد الرئيس المخلوع بن علي، وذلك عقب جولة تفقدية لعدد من مراكز الإيقاف والسجون”.

 

وخلال هذه الجولة، استمع إلى شهادات عدد من النشطاء والأطراف المتدخلة في مسألة حقوق الإنسان في تونس وأشار إلى “تطورات مشجعة جدا” في مجال حقوق الإنسان، من ذلك إرساء هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بإقامة “عدالة انتقالية” إلى جانب إحصاء ضحايا التعذيب وتجاوزات السلطة منذ العام 1955 وتعويضهم ماديا ومعنويا.

ولكنه في ذات الوقت أسفَ لبروز “نتائج مخيبة للآمال حين يتعلق الأمر تحديدا بالتعذيب، حيث تم تقديم الكثير من الشكاوى لأن الناس لم تعد تخاف من التظلم، لكن للأسف هناك القليل جدًّا من المتابعة من طرف النيابة والقضاة لهذه الشكاوى”.

تحقيق إداري و قضائي

ووفقا لبيان وزارة الداخلية اطلعت عليه “التقرير”،  جاء فيه أنه: “على إثر ما تم تداوله خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة حول قيام أعوان الأمن الوطني بمنطقة السيجومي بتعذيب موقوف، وتبعا للبيانات الصادرة والتصريحات؛ فإن وزارة الداخلية إيمانا منها وتجاوبا مع كل الملاحظات، بادرت بفتح تحقيق إداري إضافة الى التحقيق القضائي المفتوح”.

وتواصل الوزارة: “في انتظار تقرير الطب الشرعي بخصوص ملابسات القضية وحتى تكون أكثر موضوعية وحيادية أمام الرأي العام وعلى إثر تعدد الاتهامات الموجهة للوزارة وتشويهها وتشويه أعوانها، وخاصة في قضية المرحوم “محمد علي دنقير” وبعد صدور تقرير الطب الشرعي في تلك القضية والذي أكد أن أسباب الوفاة هي الاختناق نتيجة ابتلاعه كمية كبيرة من المخدرات وأكدت نتائج التحاليل الطبية بكل أنواعها ذلك مما يبرئ أعوانها”.

أما بخصوص قضية “محمد علي السويسي” و”على إثر إيقافه يوم 24 سبتمبر/أيلول 2014 لأنه مفتش عنه من أجل التصدي لأعوان الأمن والتهديد بواسطة آلة حادة وحمل سلاح أبيض دون رخصة بنية استغلاله في مآرب إجرامية وعديد القضايا الأخرى، أثبت تقرير الطب الشرعي من مستشفى شارل نيكول أنّ الوفاة ليست ناتجة عن الاعتداء بالعنف مع ثبوت وجود عديد التعفنات المتطورة بعديد الأعضاء وخاصة منها بالقلب والرئة والدماغ والكليتين إلى وجود آثار وخز إبر قديمة على مستوى اليد والساق اليمنى وتعفن حاد في كامل الأعضاء وصولا إلى تعفن في القلب”.

وأدانت وزارة الداخلية “التصريحات المتسرعة للعديد من المتدخلين خدمة لأغراض سياسية وشخصية”، ودعتهم إلى “إبعاد الوزارة عن كل التجاذبات، خاصة وأن أعوانها مهتمون بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومنشغلون في الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية”.

المرزوقي يتابع

من جانبه كلف الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي مستشاريه لحقوق الإنسان والشؤون القانونية بمتابعة ملف سجينين يحتمل أنهما توفيا بسبب التعذيب بعد اجتماعه برئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، راضية النصراوي.

وأهاب المرزوقي بالمؤسسة الأمنية وإدارة السجون”أن تعملا باستمرار، على احترام مبدإ التناسب عند التدخل للتصدي للجريمة، في ظل الالتزام بالقانون والإجراءات النافذة”.

ودعا الرئيس التونسي سائر مؤسسات الدولة “بالتصدي للتعذيب واحترام الحق في الحياة والحرمة الجسدية للأشخاص أيا كانت درجة خطورة، ما ينسب إليهم من تهم، سواء تعلقت بهم قضايا إجرامية عادية، أو قضايا إرهابية”.

وأكدت رئاسة الجمهورية في ذات البلاغ أنه “يؤسفها أن يتوفى أي موقوف أو سجين، سواء كانت وفاته ناجمة عن أخطاء أو تجاوزات، أو بصفة طبيعية ” مدينة ” بشكل مطلق أي نوع من أنواع التعذيب”.

وحول حالتي وفاة بشبهة التعذيب في مراكز الإيقاف، أعرب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية عن “قلقه الشديد من الحالات المتزايدة لعمليات التعذيب المسجلة في التقارير الحكومية داخل مراكز الإيقاف والسجون والشبهات حول عمليات القتل داخل المؤسسات”، مطالبا الحكومة باتخاذ إجراءات سريعة لإيقاف هذه التجاوزات و لمعاقبة المتسببين فيها”، مذكرا أنّ “ثقافة الإفلات من العقوبة ذهبت مع الرئيس المخلوع وأن الحق سيرجع لأصحابه مهما طال الزمن أو قصر”.

وأكد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أنّ “التأسيس لدولة قوية وأمن منيع لن يتحقق إلا عبر دولة ديمقراطية لا تسمح بأيّ تجاوزات ضد حقوق مواطنيها وتكفل لهم الحقوق الأساسية بما في ذلك في وضعية الإيقاف والتحقيق”.

حقوقيون يتفاعلون

واعتبر الخبير الأمني يسري الدالي في تصريح لقناة الزيتونة أنّ هذه المسألة “ليست ممنهجة ولكنها حالات فردية تعددت”،  مشيرا إلى “سكوت السلطات القضائية والتنفيذية عن مثل هذه الانتهاكات”.

من جهتها، أكّدت رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي أنّ: “محمد علي السنوسي توفي تحت التعذيب من قبل أعوان الأمن”، مشيرة إلى أن “آثار الضرب والتعذيب كانت بادية بوضوح على جثة السجين”.

 

وأضافت أنه :” تم استعمال القوة و العنف الشديدين ضده .” مشددة على أنّ ” التعذيب جريمة لا تبرّرها أية تهمة “.

وفي مداخلة له في إذاعة “جوهرة اف ام ” علّق كاتب عام نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخّل لسعد الكشو على تصريحات النصراوي مشددا على أنه يجب التثبّت من صحة الشهادات التي تشير إلى تعرّض السجين إلى التعذيب وذلك في انتظار صدور تقرير الطب الشرعي.”.

وأكد أنّ ” النقابة تدين كل أشكال العنف بعد إثباته. ” مشيرا إلى أنه ” يجب التفريق بين التعذيب والمقاومة أو التدخل الأمني باستعمال العنف.”.

وكان المترشح للانتخابات الرئاسية والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمه الهمامي دعا إلى ” فتح تحقيق عاجل ومستقل حول وفاة الشابين علي اللواتي بسجن المرناقية ومحمد علي السنوسي بمركز الإيقاف ببوشوشة”، مؤكدًا أنّ “ظاهرة الإفلات من العقاب هي التي تشجع على استمرار انتهاكات حقوق الإنسان”.

رايتس ووتش و التعذيب

وأصدرت “هيومن رايتس ووتش”عديد التقارير بشأن تونس لمزاعم حول ممارسة التعذيب ضد أشخاص موقوفين. وقالت مديرة مكتب المنظمة بتونس آمنة القلالي في مقابلة مع “الجزيرة نت” : “أثبتت الدراسة الأخيرة التي أجريت داخل أربعة مراكز احتجاز والتي استندت إلى شهادة سبعين موقوفا، تعرض الكثير منهم لسوء معاملة وتعذيب في فترة الإيقاف والاستنطاق أكثر من فترة مكوثهم في السجن”.

وأوضحت القلالي أنه وحسب شهادات الموقوفين، فإنّ أعمال التعذيب “تراوحت بين الضرب المبرّح واللكم والتعذيب باستعمال صواعق كهربائية”.

وبينت القلالي أنّ “الإشكال يتمثل في ضعف ضمانات المحاكمة العادلة وسوء المعاملة خاصة خلال فترة الاستنطاق والاحتفاظ التي تصل إلى ستة أيام دون الحق في الاستعانة بمحامٍ”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.