الدكتور يوسف حطيني،كاتب من فلسطين ويقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يعمل هناك أستاذا جامعيا،لكن وجوده خارج أرضه فلسطين لم ينسه عشقها الأبدي..فكتب
موقع ريحانة بريس توصل من دار الوطن بمجموعة من الاصدارات
الدكتور يوسف حطيني،كاتب من فلسطين ويقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يعمل هناك أستاذا جامعيا،لكن وجوده خارج أرضه فلسطين لم ينسه عشقها الأبدي..فكتب لها مائة قصة..من ضمنها هذه القصة المعنونة ب:مدينة.
(جمع الله البحر والبرتقال والدم والتراب والعشق الصوفي، ثم قال: كوني مدينة..
فكانت يافا.)
جمل المحامل هو عنوان المجموعة القصصية التي اختار لها الكاتب أن تطبع في دار الوطن بالمغرب..وقدم لها الكاتب المغربي المعروف:مصطفى لغتيري.
فيما يلي مقدمة المجموعة.
لا شك أن القصة القصيرة جدا جنس أدبي أخذ يفرض نفسه على الساحة الأدبية في الوطن العربي بشكل مضطرد ومتزايد، وقد انشغل الكتاب من كل الأقطار العربية تقريبا بهذا الجنس الوليد الذي لما يشب عن الطوق، ومع ذلك اكتسب حظوة مستحقة من قبل الكتاب والنقاد والقراء على حد سواء، فألفت فيه الكتب إبداعا و نقدا، وأنجزت له أنطولوجيات، كما نظمت له مهرجانات في أكثر من بلد عربي، وقد كان لسوريا قصب السبق في ذلك وخاصة في مدينتي دمشق وحلب، غير أن مهرجانات القصة القصيرة جدا في المغرب سارت بذكرها الركبان في الفترة الأخيرة، انطلاقا من الدارالبيضاء، مرورا بمدينة الفقيه ابن صالح ومدينة خنيفرة، ووصولا إلى مدينة الناظور.
و إذا كان الكاتب الفلسطيني يوسف حطيني قد عرف سابقا على الصعيد العربي بمتابعته النقدية لنصوص هذا الجنس الأدبي الجميل، أقصد القصة القصيرة جدا، خاصة من خلال كتابه المتميز “القصة القصيرة جدا بين النظرية و التطبيق” فإن القليلين جدا تعرفوا على وجهه الآخر ، وجه الإبداع الجميل ، الذي ما فتئ الكاتب يعززه باستمرار بإصدارات إبداعية متنوعة، أذكر منها في جنس القصة القصيرة جدا مجموعة بعنوان “ذماء”، وفي جنس القصة القصيرة مجموعتي “مدينة البامياء” و”الطريق إلى مخبز شبارو“.
واليوم يتملك الكاتب يوسف حطيني طموح أكبر لتقديم مجموعة قصصية جديدة، في جنس القصة القصيرة جداً، تتميز بكونها منسجمة النصوص، باشتغالها على ثيمة واحدة تقريبا، وهي القضية الفلسطينية، وأعتقد أن الكاتب كان محكوما في ذلك برؤيا الناقد داخله، التي توجهه لاجتراح صيغ متنوعة وأكثر قوة، تسير قدما بهذا الجنس الأدبي الجميل، حتى نبتعد عن المجاميع المفتعلة التي تجمع بين دفتيها نصوص متناثرة هنا وهناك، لينخرط الكتّاب من بعد هذه المجموعة في هذا التوجه الجديد، الذي يحتفي بالمجاميع القصصية كمجاميع حقيقية، هناك ما يجمع بين نصوصها شكلا و مضمونا.
في هذه المجموعة القصصية اشتغل الكاتب على أيقونات فلسطينية ذائعة الصيت، من أمثال الشخصيات الحقيقية والمتخيلة والمدن والأحداث الكبيرة في تاريخ شعب فلسطين المناضل والمشرد والممسك بالجمر إلى أن يتحقق حلمه المشروع في الحرية و الاستقلال.
ففي قصة تحمل عنوان “محمود درويش “مثلا، يوظف القاص هذه الشخصية المشهورة بحمولتها الأدبية والوطنية والإنسانية الوازنة، فيكثف من خلالها قضايا وانشغالات ودلالات أخرى بلا حصر، يقول القاص” “وأخيراً تحقق الحلم، وصارا عروسين.
وها هما كما خططا تماماً يذهبان، بالقطار، لقضاء شهر العسل في قرية نائية.
قال العاشق: ما أجمل النهر!
قالت العاشقة: ما أجمل السماء من النافذة!
قال راكب حزين: “أنزلني هنا”، فإني قد “تعبت من السفر“.
و في قصة أخرى اختار لها الكاتب اسم ” ناجي العلي” وظف القاص هذه الشخصية الواقعية المعروفة ، وكان لزاما أن يستدعي معها شخصية متخيلة، وهي شخصية حنظلة بحمولاتها النضالية والفنية الساخرة والواخزة، يقول القاص:
“متأمّلة لوحةً معلّقة فوق الجدار، كانت أمّ الشهيد تعاني نزعها الأخير.
قالت لرجل اللوحة الذي يدير لها ظهره معاتبة: لقد أصبح ابني فدائياً حتى يرى الفلسطينيون وجهك يا حنظلة، وها أنا ذي قاب فجرٍ من الموت، وأنت ما تزال مصرّاً على تجاهلي.
في الصباح حمل أهل المخيم جثة امرأة غرقى بدموع مالحة“.
و في قصة أخرى تحمل اسم “مدينة ” استدعى الكاتب مدينة يافا برمزيتها الكبيرة وحضورها القوي في تاريخ فلسطين القديم والمعاصر، فجعل منها رمزا وأيقونة دلالية عميقة، يقول القاص:
جمع الله البحر والبرتقال والدم والتراب والعشق الصوفي، ثم قال: كوني مدينة..
فكانت يافا.
ومن الأحداث المصيرية في تاريخ فلسطين اختار الكاتب وعد بلفور المشؤوم، الذي سلمت بموجبه بريطانيا فلسطين للعصابات الصهيونية، فوظفه القاص بأبعاده الرمزية والواقعية، يقول في القصة التي تحمل اسم “بلفور“:
“في ليلة داكنة السواد، دخل اللصُّ بيتي، قتل أبي وجدي، وسرق قمصاني وأشجاري ومواويلي العاشقة.
وفي ليلة داكنة أخرى أهدى حزني وقصائدي وترابي إلى لصّ آخر، من شذاذ الآفاق.
ها أنا ذا أبحث، بين ليالٍ سود، عن فجر جديد“.
هكذا و على نفس المنوال حضر في قصص المجموعة أحمد ياسين وصبرا وشاتيلا والانتفاضة وما إلى ذلك من أحداث ووقائع وشخصيات وتواريخ مكللة بالنضال ومجللة بالتوق إلى الحرية.
و خوفا من طغيان القضية بشكل مباشر، التجأ حطيني إلى قصص تعتمد على المعادل الموضوعي و الرمز و التورية، فالكاتب واع بكون الأدب حمالا لمضامين معينة، لكن يتعين ألا تطغى هذه المضامين على ما سواها، و أقصد تحديدا الجانب الفني في الكتابة، و لعل هذا التوجه هو ما أعطى نكهة خاصة للقصص التي تضمها هذه المجموعة القصصية الجميلة، ومن بينها قصة “غيمة” التي يقول فيها القاص:
“حمل جدي أعوامه السبعين على كتفيه، وهو ينقّل بصره بين حقله المتعطش لقطرة ماء، وغيمة شاردة في سماء فسيحة.
مرّت الغيمة فوق مستوطنات متعددة، ثم وقفت فوق حقله تماماً، وراحت تذرف دموعاً سخيّة“.
و لأن القضية أكبر من أن يدل عليها في القصص فقد أثر ذلك على قصص المجموعة فجاءت لغة تواصلية تبليغية واضحة في مجملها، حتى تؤدي إلى الهدف الذي يتغياه الكاتب من هذه الكبسولات القصصية، لكنها كلغة إبداعية بالأساس تأبى إلا أن تتمرد على الكاتب فتتزيى بالمجاز و الاستعارة، و كل ما يجعل منها لغة جميلة تخاصم لغة المقال أو النقد أو غيرهما، يقول القاص في قصة “ثورة“:
“وضع خوذته الكبيرة فوق صدر المدينة، اختنق الناس والعصافير والأزهار..
وردة صغيرة حمراء استطاعت أن تصنع ماءها وهواءها.. أن تكبر.. وتقلب الخوذة رأساً على عقب.
كان الجنرال منـزعجاً جداً حين شهد، رغم أنفه، تحول الخوذة إلى عش للعصافير الملونة“.
لكل ذلك ولغيره تستحق هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا اهتمام القراء والنقاد على السواء، وهي بالتأكيد ستسيل الكثير من المداد النقدي فلسطينا و عربيا.
إرسال تعليق