ريحانة برس – هيئة التحرير
في كل يوم خميس، تنتظر الطبقة السياسية في المغرب جولة جديدة من التعيينات في المناصب العليا، والتي أصبحت تُعرف بأنها جلسة توزيع “الكعكة” بين المقربين من الأحزاب السياسية. من المفترض أن هذه التعيينات تهدف إلى تعزيز الكفاءة داخل مؤسسات الدولة وتحقيق تقدم ملموس في مختلف القطاعات. لكن الواقع يقول عكس ذلك، حيث يبدو أن المعايير الأساسية للتعيينات قد أُهملت لصالح الولاءات الشخصية والانتماءات الحزبية.
من هم المستفيدون؟
الحديث عن التعيينات المتكررة يكشف بشكل متزايد عن منطق النخبوية السياسية والمحسوبية، حيث يُلاحظ أن أغلب المستفيدين هم شخصيات ذات روابط وثيقة مع الأحزاب التي تتحكم في القرار السياسي. سواء تعلق الأمر بشخصيات عُرفت بتقربها من قيادات حزبية أو بعلاقاتها المباشرة مع وزراء في الحكومة، فإن هذا النمط يثير تساؤلات حقيقية حول مدى استفادة الدولة والشعب من هؤلاء المعينين.
هؤلاء المستفيدون ليسوا بالضرورة أصحاب الكفاءة أو الخبرة التي يحتاجها البلد، بل يُقال إن اختيارهم يعتمد بشكل أساسي على مدى ولائهم للتيارات السياسية التي تهيمن على الحكومة. هذه الظاهرة لم تعد سرًا بل أصبحت جزءًا من الحديث العام في المجتمع المغربي، حيث باتت الأحزاب السياسية نفسها تُتهم بأنها تسعى فقط لتمكين أفرادها ومقربيها في مختلف المناصب دون اعتبار لمبدأ الكفاءة.
لماذا تغيب التنافسية؟
غياب التنافسية في التعيينات يمثل أحد أكبر الإشكالات التي تواجه المغرب في الوقت الراهن. لا يتم الإعلان عن هذه المناصب بشكل شفاف كما لا يتم فتحها للجميع للتقدم والتنافس، وهو ما يتعارض مع المبادئ التي يدعو لها الدستور المغربي والقوانين المنظمة للوظيفة العمومية. تفتقر عملية التعيين إلى أي نوع من المسابقات أو الاختبارات التي تضمن أن الشخص المعين هو الأنسب لشغل المنصب.
يرى العديد من المراقبين أن السبب وراء غياب التنافسية يعود إلى رغبة الأحزاب السياسية في الحفاظ على سيطرتها على المناصب العليا لضمان مصالحها الخاصة. بدلاً من أن تكون هذه التعيينات وسيلة لتحسين أداء الدولة وخدمة المواطنين، أصبحت وسيلة لتعزيز نفوذ الأحزاب وخلق “شبكات الولاء” التي تضمن لهم استمرارية السلطة.
ما هو تأثير هذا النهج على المواطن؟
يتساءل المواطن المغربي عن مصيره في هذه العملية، التي يبدو أنها تخدم فقط المصالح الفئوية للنخبة السياسية. في الوقت الذي يعاني فيه الشعب من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات العمومية، يرى أن فرص التعيين في المناصب العليا تُمنح لفئة معينة بناءً على ولاءاتها وليس على قدرتها على تقديم حلول حقيقية لمشاكل الوطن.
هذا الوضع يعزز مناخًا من الإحباط لدى الشباب المغربي الطامح للتغيير، والذي يرى أن النظام السياسي لا يوفر فرصًا متكافئة للجميع. يُترك الكثير من الكفاءات الوطنية خارج الحسابات، رغم أن البلد في حاجة ماسة لعقول جديدة قادرة على ابتكار حلول فعالة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية.
ما هي التداعيات على السياسة العامة؟
الاعتماد على الولاءات الحزبية والمحسوبية في تعيينات المناصب العليا لا يضر فقط بالمواطن، بل يؤثر بشكل مباشر على السياسة العامة للدولة. عندما يتم تعيين شخصيات غير مؤهلة أو غير كفؤة في مناصب قيادية، فإن نتائج السياسات العامة تكون هشة وغير فعالة. وهذا ما يفسر جزئيًا العجز الكبير في تحقيق الأهداف المعلنة للحكومة في مجالات مثل التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية.
في ظل هذا الوضع، تُطرح أسئلة جدية حول مدى تأثير هذا النهج على مؤسسات الدولة ومدى استقلاليتها. عندما تتحول المناصب العليا إلى “جوائز ولاء”، فإن ذلك يضعف ثقة المواطن في الدولة وفي نوايا الحكومة لتحسين حياته. تصبح المؤسسة العمومية مجرد أداة لخدمة مصالح الأحزاب والنخب، بدلاً من أن تكون خادمة للشعب.
أين الشفافية والمحاسبة؟
إن ما يثير الدهشة حقًا هو غياب أي شكل من أشكال المحاسبة أو الرقابة على هذه التعيينات. كيف يمكن تفسير أن أسماءً كثيرة تُعين في مناصب حساسة دون أن تكون هناك أي مساءلة عن أدائها أو عن كيفية وصولها إلى تلك المناصب؟ هنا نعود إلى مشكلة غياب الشفافية في العملية برمتها، حيث لا يتم الإعلان عن المعايير التي تعتمد في اختيار المرشحين، ولا يُتاح للمواطنين أو للمجتمع المدني الاطلاع على سير العملية.
يظل السؤال الأبرز: لماذا لا تكون هناك رقابة مستقلة على التعيينات في المناصب العليا؟ لماذا لا يتم تفعيل مؤسسات الرقابة التي نص عليها الدستور لضمان أن هذه التعيينات تتم وفق معايير الكفاءة والتنافسية؟
خاتمة: هل من أمل في الإصلاح؟
في ظل هذه الظروف، يبدو أن المغرب أمام تحدٍ كبير لإصلاح نظام التعيينات في المناصب العليا. لا يمكن تحقيق أي تقدم حقيقي ما لم يتم فصل المناصب عن الولاءات السياسية وضمان أن التعيينات تتم بناءً على الكفاءة وليس الانتماء الحزبي. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الدولة ستواصل خسارة كفاءاتها وشبابها الطامح، فيما يستمر المواطن في التساؤل عن مصير بلده في ظل غياب العدالة والشفافية.
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من وضع حد لهذه “الجلسات المغلقة” التي يتم فيها توزيع المناصب كجوائز ولاء، وتبني نظام شفاف وعادل يُتيح للجميع فرصًا متكافئة للتنافس، ليصبح الكل مستفيدًا وليس فقط النخب الحزبية.
إرسال تعليق