ثلاث سنوات و أكثر و دول الخليج تبذر في أموالها و تحشد بإعلامها من أجل هدف واحد، إسقاط النظام السوري العلوي، الصفوي، الشيعي، الكافر، الدكتاتوري، المجرم،
ثلاث سنوات و أكثر و دول الخليج تبذر في أموالها و تحشد بإعلامها من أجل هدف واحد، إسقاط النظام السوري العلوي، الصفوي، الشيعي، الكافر، الدكتاتوري، المجرم، الشرير، أموال طائلة تلك التي صرفت بالمليارات من صناديق الموازنات العربية، و من عرق الشعوب الفقيرة، أرواح سقطت على الساح بقدر المال الذي أوقد الفتيل، صحفيون بلا مهنية و اجتماعات تخالف الشرعية الدولية لكنها تحت سقف مشرعن و في أحضان أشقاء الأمس، و الهدف دائما، إسقاط النظام السوري لما سبق ذكره.
ثلاث سنوات من الكر و الفر، إعلاميون في المعترك، مصورون و صحافيون، محليون و أجانب، شعارات خفاقة، أئمة و خطباء، محدثون و دعاة، و حتى العلماء، الكل تجند لإسقاط النظام.
يمر الوقت بطيئا تحت عمليات القصف و القصف المضاد، و القتل و الإنتقام، أسر شردت، مدن هجرت، أحلاما دمرت، أطفال قتلت و أجنت أجهضت …
الكل في شارعنا العربي يحكم بمنطق الظاهر، و لا أحد يجرؤ على قراءة الأحداث بشكل منصف، كلنا ضد الدم و لسنا ندري من اتخذ القرار بسفك الدم، المهم أن الذنب ذنب القاتل، و ليس أي قاتل، بل فقط القاتل الذي يقف في الضفة الأخرى، أما من نراه في ضفتنا فهو لا يفعل إجراما بقدر ما يدافع عن شرفٍ و كبرياءٍ و عرضٍ مدفوعي الثمن بأموال البترودولار.
الصراع السوري بعد كل الوقت الذي مضى و بكل السيناريوهات التي وضعت له، ما عاد الفريقان المتناحران فيه خفيان عن المشاهد، عندما ترى قرارات أممية تتخذ بتسليح المعارضين بينما يستمتع الأتراك و الأمريكيون بدعم الدواعش و جبهة النصرة، يسعى النظام السعودي لإعادة إحياء جيشه الحر بعدما فشل رئيس الإستخبارات السابق بندر بن سلطان في إسقاط النظام السوري بكل ما أوتي من قوة و ضمانات أمريكية لسحب السجاد من تحت أقدام الإيرانيين بالمنطقة، الجيش الحر الذي أضحى بلا قرار حر منذ نعومة أظافره أصبح من أصغر اللاعبين على الساحة السورية، و السبب طبعا هو الغضبة الأمريكية التي أطاحت برئيس الإستخبارت السعودية السابق (بندر) و اضطرت النظام السعودي إلى تنصيب شخصية جديدة لتلافي أزمات دبلوماسية قد تتسبب فيها العنتريات العربية و الأنفة الجاهلية، نرى في الطرف الآخر نظام متجذرا في أجندات القوى الإقليمية، سواء الصينية أو الروسية، ناهيك عن حلفائه الإستراتيجيين، كإيران و كوريا الشمالية و السودان و العراق، أجندات ما كان يحسب لها الغرب كل هذا الحساب، لكنه اليوم يدرك أنه على شفى حرب عالمية ثالثة، بل و على بعد أنملة، الأمر الذي اضطر الإدارة الأمريكية للسعي لتغيير قواعد اللعبة، و محاولة ممارسة سياسية “القاتل الإقتصادي” التي كانت تتقنها مع قادة جيرانها الجنوبيين المعارضين أمثال “هوغو شافيز” و “فيدل كاسترو” و “عمر توريخوس”، فلتجأت لحرب البترول التي انتفعت منها شعوب الدول التي تعاني من فواتير الطاقة، هذه السياسة الجديدة التي كان الأجدر بالدول العربية استثمارها للضغط على الغرب لتمكنهم من استقلالية قراراتهم، أصبحوا عكس ذلك يستعملون السلاح الوحيد الناجع بأيديهم ضد بعضهم و بتآمر مع الغرب دون خجل.
سياسة خفظ أسعار البترول نفسها لم تؤثر بالإقتصاد الروسي و لا الإيراني كما كان يتمناه الآمر الأمريكي و المنفذ السعودي، بل أصبحت الشكوك تحوم حول مستقبل الغاز الذي يورد إلى أوربا خاصة مع موجات البرد القارس التي تعرفها جل المناطق بالقارة العجوز، و ستثبت الأيام أن الخاسر الوحيد من هكذا سياسة، هي الدول التي ترفع من إنتاجها لتبخيس أشهر مصادر الطاقة، فهي بالأخير تسرع نفاذ مواردها الطاقية، و ليس لها البديل لتعويض خسائرها الإقتصادية، بل فقط تقوم بتضحيات مجنونة ما كان يمكن لقيس أن يقدمها لليلاه يوما ما.
الرد الروسي على السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية كان لبقا، حتى أنه اضطر هذه الأخيرة إلى نفي استهداف الاقتصاد الروسي، و حاولت مرارا إظهار الأمر على انه اتفاق عادي لا يعبر عن نهج جديد لقلب الطاولة، لكن الأدهى من الرد الروسي “الدبلوماسي” هو الرد الإيراني الذي نزل كما الصاعقة على شريك الغرب السعودي هذا الصباح، رد أفح الخليج و أدخله في دوامة جديدة تهدد استقراره، فاليوم سيذكر التاريخ أن جماعة الحوثيين الحليفة لإيران التي كانت تسعى دائما لدعمها ضد نظام “صالح” البائد قد سيطرت على الحكم في بلاد نجد، و وضعت حدا لتخوفات الخليجين بفرض أمر واقع مفاده أن قد جئناكم لعقر داركم و أصبحت اليمن بحدودها الشاسعة مع المملكة السعودية حليفا رسميا للخصم الإيراني، بل أن كل الجهود التي بذلت في قمع الحوثيين طيلة العشر سنوات الفارطة لم تجد نفعا، حتى أن كل الجهود التي بذلت في البحرين كانت مجرد عبث، و تأكد مجددا ان دول الخليج لا تجيد السياسة كما أسلافها، فقد حرصوا على تبديد قوة المارد البحريني و استهانوا بالثائر اليمني الذي كان أسرع منهم إلى تحقيق آماله.
استطاع الإيرانيون اليوم أن يقولوا بملئ الفاه “GAME OVER” لكل قادة الخليج، بل و لكل أسيادهم في الغرب، فالرسالة كانت أعمق مما يرى على شاشات التلفزة، و ليس الإشكال مذهبيا بقدر ما يؤكد انتصار آلة السلطة الإيرانية مجددا.
العراق بالأمس كان خليجي الظاهر و الباطن، و اليوم أضحى حليفا استراتيجيا للإيرانيين بمحض إرادته بعدما خرجت قوات الحلف الأطلسي هرعة من جنون أبنائه، و سوريا قبل بشار كانت تكن العداء للجار الإيراني، لكنها بعد رحيل حافظ الأسد أصبحت يد سطوة للإيرانيين بفعل سياسة الود التي تتنتهجها الجمهورية، و ليس ببعيد، أجمعت كل لجان المقاومة بفلسطين المحتلة على شهامة و عطاء الجهمورية الإيرانية، ناهيك عن لبنان الذي كان يعتبر بالأمس حديقة خلفية لأمراء الخليج، اليوم أصبح تحت سطوت حزب الله بعدما أصبح معارضوه يحدثون بما لا يعلمون.
المتأمل لخريطة التحالفات بالشرق الأوسط، لن يجد سببا يفسر فشل ما يسمى بتيار المقاومة الذي تتزعمه إيران في السيطرة على المنطقة في غضون العشر سنوات القادمة، فدول مثل الإمارت و عمان و البحرين ليس لها عداء استراتيجي مع الإيرانيين، بل و لن تدخل في سجال مع مارد بقدرات إيران العسكرية و شساعتها الجغرافية، و لن يبقى كعقبة أساسية أمام حركة “كش ملك” غير المملكة السعودية كرأس حربة، تسانده أبواق الإعلام القطري و شطحات المملكة الأردنية، أما الشريك التركي، فيكفي أنه بدأ في الخضوع أمام خطة أنابيب الغاز الروسي التي أسالت لعاب القادة الأتراك بقدر الدم الذي أسالوه بالجانب السوري.