“لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء، بل بمقدار ما فيه من الافكار” هكذا تكلم مالك بن نبي وهو يبحث عن حقيقة الواقع العربي في سبيل رسم أو بالأحرى
دحمور منصور بن الونشريس الحسني –
“لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء، بل بمقدار ما فيه من الافكار” هكذا تكلم مالك بن نبي وهو يبحث عن حقيقة الواقع العربي في سبيل رسم أو بالأحرى صناعة طريق ممهد للمستقبل الموعود به للأمة الاسلامية بما فيها من عرب وعجم.
أسئلة مخيفة تلك التي تتبادر الى ذهن العالم العربي حول الواقع المرير أو المخاض الذي تمر به الامة العربية من جراء ما يحصل لها في سبيل بناء جدار عازل لها عن الحضارة المرسومة في أفكار أجيال خلت وأخرى لم تزل تأمل في يوم من الأيام أن تحقق تلك الامنيات التي غدت في الذهنية العامية البسيطة صعبة المنال بنفس درجة الصعوبة التي لقيها أجدادنا من قبل في صناعة ذلك الواقع المثالي الذي وصلوا اليه على مراكب كانت تسبح في بحار العرق المضني للأمة الذي سال بكل إخلاص وتواضع في سبيل الرقي بالحياة العالمية لا الحياة العربية القومية فحسب.
الواقع العربي يشهد اننا لا نعيش صعوبات في ولادة قيصرية من رحم الأزمة القومية التي يعيشها العالم العربي بالخصوص ولكننا على عكس ذلك نعيش تحديات في سبيل إخراج مثالية العالم الحقيقي الى العالم الزائف الذي نراه اليوم. ليست التحديات التي نواجهها في حياتنا كعرب ومسلمين في واقعها صنيعة التخلف ولا الجمود ولا الطائفية ولا الفرقة ولا أي شيء من هذا القبيل، ولكنها صنيعة يد أخرى لا تمت الى العالم العربي بصلة وإن طالت عالمنا العربي الكثير من الايادي العربية التي تعين الغرب على ذلك.
هناك عقدة نفسية تاريخية في العالم اليوم تدور حول مثالية الجنس البشري وليس الجنس البشري كله ولكن جزءلا يتجزأ من هذا العالم، والواقع أن صناعة هذه التحيات كانت بيد خائفة من الواقع، من طرف رجال ونساء يخشون واقعهم المزري كفئة معقدة فقدت تاريخها وتبحث بكل الوسائل عن خيط تمسك به حتى تنجو من إثم الذات الجنسية البشرية التي سيطرت عليها خلال قرون من الزمن.
هناك نقطة اختلاف جلية بين الذهنية العالمية والذهنية الاسلامية لم يلتفت اليها الكثير من الناس وربما حتى العرب المسلمين منا وهي أن روحانية العالم الاسلامي تنفر بشكل أو بآخر بقوة من مادية العالم البشري لتصنع ما يسمى بروح الانتماء في نفس الوقت الذي يعيش فيه العالم الاخر في عالم اخر بعيد عن مثالية الجنس البشري، ومن هنا فالعالم الاسلامي يعيش مثاليته في واقعه الروحاني سواء بصلته مع الله تعالى أو صلته مع الجنس البشري وإن اختلفت مظاهر هذا التواصل أو اختفت بعض الاحيان، وعلينا أن نعرف أن العالم الاخر لا يعيش حتى ماديته لعالم مادي ولا يعرف للمثالية مبنى ولا معنى في واقعه النفسي وواقعه الاجتماعي وبالتالي فالتفكك الذهني للعالم غير المسلم يسوقه الى التفكك في العلاقة الاجتماعية وبالتالي انعدام الذقة الجماعية وغياب روح الانتماء وبالتالي انهيار النفسية الجماعية لذلك المجتمع على اختلاف فئاته.
علينا ان لا نحصر تحديات مستقبلنا كأمة واحدة في كيفية الرقي بالجوانب الاقتصادية والمادية والبحث عن سبيل للاكتفاء الطبيعي المادي وان كنا لا نثبط العزائم على العمل بجهد في سبيل الرقي بهذا الجانب لأهميته في اخلاء الذهن من التفكير في المادة ليتوجه مباشرة الى التفكير فيما منع من طرف الغرب ان يفكر فيه، فكل الازمات التي مر بها ولم يزل يمر بها عالمنا المسلم والعربي على الخصوص في سبيل ابعاد العقل العربي عن التفكير فيما لا يجب التفكير فيه في نظر غيرنا، ومقصودنا من عدم الاهتمام بالمادة هو أن لا تكون المادة فكرة بالنسبة لنا ولكن عليها ان تكون وسيلة بقاء جنسي لا بقاء ذاتي، فالبقاء الذاتي للامة العربية كائن على رغم كل مار بها ويمر، والاحرى بنا التمييز بين اللازم الحاجة، فالتفكير في مادة كلازم يبعدنا عن حقيقة الحياة والسعادة، بينما التفكير فيها كحاجة يهدئ من روعنا المادي ويفتح ذهنياتنا على أفكار ايجابية في الصالح العالمي البشري لا الصالح ذو اللنطاق الضيق.
في نفس الوقت، إن التفكير في ايجاد حلول للعالم الانساني والتفكير في الروحانية وصناعة مثالية انسانية واقعة لا خيالية بصفة الشيء اللازم لا الحاجة، يفرض على العقل الباطن للانسان البسيط والنخبة على السواء الرقي بالافكار البشرية الايجابية وايجاد الحلول اللازمة للعالم الانساني، وبالتالي التغيير الذاتي الجماعي في النطاق المستطاع وهنا تظهر النهضة الحقيقية للعالم البشري المثالي، والذي سيلقى من طرف العالم الغربي صداما خطيرا على مستوى استراتيجي وفكري ونفسي أقوى مما يتعرض له العالم العربي اليوم، لأن انطلاقة المسلم في التغيير الذاتي الخاص بالذات الفردية والجماعية فيما بعد هو الالفأس التي ستكسر جدار الرهبة والخوف والجمود والاتكالية والتبعية الذي بناه أمامنا العالم الغربي المادي بحجارة متضادة سماها الرجعية والحداثة والحرية والظلم وغير ذلك من شعارات لم تزل الى اليوم تتردد على ألسنة الغرب الذي التفت الينا دون النظر الى نفسه كمجتمع رجعي التفكير حداثي السلبيات حرّ الانخلاع ظالم لنفسه وغيره.