ريحانة برس- محمد عبيد
في كل ميدان اجتماعي في المجتمع تنهض نخبة تُعبِّرُ عنه وترسم حركته وتحدد مساره، وتشكل هذه النخب مجتمعة ما يمكن أن نسميه مجتمع النخبة حيث تتظافر جهود هذه النخب لتعمل على تحقيق التوازن الاجتماعي والحضاري في المجتمع، إضافة إلى السعي لحل ما يمكن أن يظهر من معضلات تعطل مسيرته، وبسبب تعدد ميادين العمل، تنوعت أصناف النخبة:
تقنيا، يُستخدم مصطلح النخبة في الأوساط العلمية والثقافية بكثرة، ويدل على مجموعة من الأشخاص ذوي خبرات وكفاءات معينة، ويقومون بمهام من شأنها أن تجعل لهم مكانة اجتماعية أو علمية أو ثقافية.
ولغويا تشتق كلمة “النخبة” في اللغة العربية من الفعل انتخب أي اختار، والانتخاب هو الاختيار والانتقاء.
فنخبة القوم تعني خيارهم وصفوتهم.
وقد جاء في القاموس المحيط: نخب ينخب نخبا: أخذ نخبة الشيء، أي: المختار منه، ويقال: جاء في نخبة أصحابه: أي في خيارهم. وجاء أيضا: انتخب الشيء: اختاره. والنخبة: ما اختاره منه.
وقد أشار معجم المصطلحات السياسية والدولية، إلى أن (Elite) يقابلها بالعربية الصفوة، أي: عُلية القوم، وهم أقلية ذات نفوذ تحكم الأغلبية، وتلعب هذه الصفوة دورا قياديا، وسياسيا لإدارة جماعاتهم من خلال الاعتراف التلقائي بهم بصفتهم.
وجاء في قاموس أوكسفورد أن “النخبة Elite:” أقوى مجموعة من الناس في المجتمع ولها مكانتها المتميزة وهي ذات اعتبار”.
ويتضح عبر الرواية اللسانية أن النخبة تشير إلى الفئة الاجتماعية التي يعتقد أنها الأفضل والأهم بين غيرها بفضل امتلاكها السلطة أو الثروة أو مهارات عقلية مثل: النخبة الحاكمة، والنخبة المثقفة.
فعموما، يمكن القول بأن النخبة جماعة من الأفراد يمتلكون خصائص مميزة تجعلهم أكثر قدرة على التميز في أداء أدوار شديدة الأهمية في حياة مجتمعاتهم ولاسيما مجال توجيه المجتمع واتخاذ القرارات السيادية المهمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية”.
وإذا ما حاولنا تصنيف النخب فسنقف على أن هناك ثلاثة أنواع من النخب:
-أولئك الذين يسعون لدفع المجتمع إلى الأمام.
ـ وأولئك الذين يحكمونه.
ـ فأولئك الذين يُلهونه ويشغلونه.
النوع الأول هو نخبة العلم والفكر والفلسفة والأدب والفن والإبداع والابتكار، والذين يقاتلون من أجل القيم والأخلاق ومن أجل حياة أفضل للجميع.
النوع الثاني هم نخبة المال والسياسة.
أما النوع الثالث، فهو نخبة الترفيه بكل أشكاله (ممثلون، مغنون، مؤثرون…)، الذين يتمتعون بشهرة تتيح لهم فرض نمط حياتهم وإملائه على الآخرين، مع أنهم لا يسعون بالضرورة إلى ذلك.
هذه الأنواع الثلاثة من النخب، نخبة المعرفة، نخبة المال، ونخبة الترفيه، تتعايش مع بعضها البعض منذ آلاف السنين، كما تشهد على ذلك النصوص القديمة، ولكن بطبيعة الحال تميزها مسألة السلطة والثروة، والتي تعد عوامل في غاية الأهمية لتحديد أهميتها.
فبسبب تعدد ميادين العمل، تنوعت أصناف النخبة:
1- النخبة السياسية: هي المجموعة من السياسيين الذين تتمركز بيدهم السلطة والنفوذ في المجتمع، وهم من يقود المجتمع ويحركون سياسته.
وتشكل النخبة السياسية النواة الأساسية لمختلف التجليات النخبوية في المجتمعات الإنسانية، وتأخذ مكانة الدور المركزي والحيوي في توجيه الحياة الاجتماعية وإدارتها.
وضمن هذا التصور يرى كثير من المفكرين منذ أفلاطون حتى اليوم أن الحكام يشكلون العقل المدبر لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعية.
أحياناً تتداخل هذه النخب وتتشابك، حيث أن بعض الأشخاص ينتمون إلى أكثر من واحدة منها، غير أن هذه الازدواجية نادرة، لأن السلطة والشهرة قلما تلتقي مع المعرفة.
يكمن الفرق الأساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب في كون الأولى تتمتع بالصلاحيات التي تمكنها من تحديد مسار توجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية غالبا”.
لذلك تعتبر سلطة النخبة السياسية واسعة قياسًا على غيرها من النُّخب، باعتبارها تتحكم بمجتمع بأكمله وتحدد مساراته، أما باقي النخب فتمارس سلطتها ضمن حيز أنشطتها المحدد لها.
ومن هذا المنطلق تأخذ النخبة السياسية كذلك مركزا متميزا بين النخب الأخرى، باعتبارها تملك القوة والقدرة داخل النظام السياسي للدولة وتسهم بشكل محوري في صناعة القرارات.
لماذا؟ لأن النخبة السياسية تضم كبار الموظفين الإداريين والقادة العسكريين والعائلات النافذة سياسيا، لها من الصلاحيات ما يمكنها من تحديد مسارات الحياة للمجتمع كاملا، وهذا ما يميزها عن باقي النخب.
2ـ نخبة المعرفة:
على سبيل المثال، قليلون هم العلماء العظام، الكتاب، أو الفنانين الذين نالوا السلطة والثروة، وحتى عندما يحدث ذلك، فإنهم غالباً ما يكونون استثناءات، مثل بيكاسو، بيتهوفن، فرويد، ودا فينشي.
هؤلاء نادراً ما يُمنحون وسائل التأثير على القرارات السياسية الكبرى، بل وحتى لو أصبح لديهم دور سياسي، فإنهم غالباً ما ينتهي بهم المطاف على الهامش.
3- الآلة والسلطة:
أما فيما يخص نخبة المعرفة، فلا تسعى في الغالب للمال أو الشهرة، بل إلى إعطاء معنى للوجود والبحث عن حلول للمشكلات، كما تسعى لإيجاد معنى للحياة خارج إطار الاستهلاك البسيط والمادي.
ومن هنا، فإن المجتمع الذي لا يحترم هذه النخب ولا يمنحهم الأهمية التي يستحقونها، يكون مهدداً بالتحول إلى دكتاتورية، حيث يتم تقدير نخب المال والسلطة والشهرة أكثر من نخبة المعرفة.
& خطر التدهور:
فخلاصة القول، تراجع مكانة نخبة المعرفة هو خطر يهدد المجتمعات، خصوصاً في البلدان الغربية، حيث أن الديمقراطيات أصبحت تدريجياً متورطة في لعبة وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز التي تروج لنخب الترفيه والمال على حساب نخبة الفكر.
إذا لم تتحرك المجتمعات لمنح مكانة أكبر لنخبة المعرفة، فإنها تخاطر بأن تصبح مهددة بالانهيار تحت وطأة نخب المال والسلطة والترفيه
إرسال تعليق