المهدي المنجرة في ذمة الله

  • بتاريخ : 14 يونيو، 2014 - 11:59
  •  يعتبر أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية، وعمل مستشارا وعضوا في العديد من المنظمات والأكاديميات

     يعتبر أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية، وعمل مستشارا وعضوا في العديد من المنظمات والأكاديميات الدولية. كما ساهم في تأسيس أول أكاديمية لعلم المستقبليات، وترأس بين 1977 – 1981 الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية. وهو عضو في أكاديمية المملكة المغربية، والأكاديمية الأفريقية للعلوموالأكاديمية العالمية للفنون والآداب، وتولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية. حاز على العديد من الجوائز الدولية والوطنية. يتمحور فكر المنجرة إلى تحرّر الجنوب من هيمنة الشمال عن طريق التنمية وذلك من خلال محاربة الأمية ودعم البحث العلمي واستعمال اللغة الأم، إلى جانب دفاعه عن قضايا الشعوب المقهورة وحرياتها، ومناهضته للصهيونية ورفضه للتطبيع، وسخر المنجرة كتاباته ضد ما أسماه بـ”العولمة الجشعة”. وألف المهدي المنجرة العديد من الدراسات في العلوم الاقتصادية والسوسيولوجيا وقضايا التنمية، أبرزها “نظام الأمم المتحدة” (1973) و ” من المهد إلى اللحد” (2003) و “الحرب الحضارية الأولى” (1991) والإهانة في عهد الميغا إمبريالية (2003).

    مسيرته

    ولد المهدي بالرباط عاصمة المملكة المغربية وسط أسرة من الأشراف لها أصول تربطها بالسعديين, كان والده محمد المنجرة مهتما بالعلوم المستقبلية وأسس سنة 1924م نادي الطيران، وهو أول نادي عربي مختص في الطيران. وحسب المهدي المنجرة فقد طار على متن الطائرة مسافات مجموعها 5 ملايين كلمتر، ويقول “و بهذا أكون قد أمضيت معظم عمري طائرا”. درس بثانوية ليوطي بالدار البيضاء منذ سنة 1944 حتى سنة 1948. وفي أحد الأيام وهو في المسبح لاحظ المهدي كلباً يملكه فرنسيون يشرب من الماء فاحتج المهدي على دخول الكلاب للمسبح، فرد عليه رجل فرنسي : طالما العرب موجودين في المسبح لماذا نرفض الكلاب؟. فتهجم المهدي على ذلك الشخص بكلمات جارحة وصادف ذلك وجود شرطي، فتم اعتقاله لمدة عشرة أيام في السجن. وبعد أن حصل على الباكالوريا، أرسله والده للدراسة في أمريكا، حيث كان يؤمن بأهمية التعددية في التكوين، فبدل ارسال أبنائه لفرنسا كما كان يفعل جل المغاربة، فضل بعثهم لسويسرا والولايات المتحدة. التحق المهدي بمؤسسة “بانتي”, ثم التحق بجامعة كورنل وتخصص في البيولوجيا والكيمياء. غير أن ميولاته السياسية والاجتماعية دفعته إلى المزاوجة بين دراسته العلمية من جهة، والعلوم الاجتماعية والسياسية من جهة ثانية، وفتحت إقامته بأمريكا عينيه على العمل الوطني والقومي. ومن هذا المنطلق كان انشغاله بمكتب الجزائر والمغرب بالأمم المتحدة، كما تحمل رئاسة رابطة الطلاب العرب. وبعد رفضه التجنيد الإجباري الذي كان مفروضا آنذاك على كل حاملي البطاقة الخضراء، حيث رفض المشاركة في الحرب الكورية، اختار أن يغادر إلى لندن سنة 1954 لمتابعة دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد حيث قدم أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه حول موضوع “الجامعة العربية”. وفي سنة 1957 عاد إلى المغرب ليعمل أستاذا بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس وتولى في هذه الفترة إدارة الإذاعة والتلفزة المغربية بعد ان عينه الملك محمد الخامس على رأسها. وعرضت عليه مناصب وزارة المالية والوزارة الأولى في الحكومة المغربية، لكنه رفض بحجة التفرغ للثقافة والبحث العلمي، حيث عرف بمواقفه المعارضة لسياسة ملك المغرب الحسن الثاني رغم أنه كان زميله في الدراسة، وتعرض لهذه الأسباب للمنع من إلقاء المحاضرات في المغرب.

    علاقتنا مبنية على الاحترام في إطار قول الحقيقة حتى أن أعضاء في أكاديمية المملكة كانوا يعتبرون جرأتي في الحديث عن أوضاع المغرب وعن الحياة السياسية راجعة إلى نوع خاص من الحماية أستمدها من معرفة قديمة بالملك، وهذا ليس صحيحا أبدا، ليس في الموضوع سر .كان الملك يعرف أرائي وطبعي وموقفي وعدم أستعدادي للتفاوض أو التنازل عن حريتي وكان يحترم ذلك

    نشاطه الدولي

    سنة 1962 عينه “روني ماهو” المدير العام لليونسكو آنداك المدير العام لديوانه. وفي سنة 1970 عمل بكلية العلوم الاقتصادية بلندن أستاذا محاضرا وباحثا في الدراسات الدولية.وخلال سنتي 1975 و 1976 تولى مهمة المستشار الخاص للمدير العام لليونسكو. وفي تلك الأثناء تأسس”الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية” الذي انتخبه رئيسا له إلى سنة 1981.

    وكان المهدي المنجرة أصغر عضو سنا ضمن نادي روما منذ تأسيس النادي سنة 1968، كما كان أحد ثلاث مؤلفي التقرير الثاني للنادي والذي نال استحسان الجميع، والذي صدر سنة 1979م تحت عنوانلا حدود للبحث والدراسة، والذي ترجم إلى 12 لغة عبر العالم. وفي سنة 1986 منحه الإمبراطور الياباني وسام الشمس المشرقة عن بحث بخصوص أهمية النموذج الياباني بالنسبة للعالم الثالث. وتولى عمادة الجامعات اليابانية في التسعينات، وتولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية. اشتهر بكونه المؤلف الذي نفذت طبعة كتاب له في اليوم الأول من صدورها، واعتبرت كتبه من الأكثر مبيعا في فرنسا ما بين 1980 و 1990. وخصص صندوقا خاصا من تلك العائدات المالية لمنح جائزة للحوار بين الشمال والجنوب وحولها لاحقا إلى جائزة لمن يدافع عن الكرامة.

    سنة 1990 ساهم بشكل فعّال ومتميز في تنظيم أوّل لقاء حول مستقبل الإسلام، وكان ذلك بالجزائر العاصمة، وشارك في اللقاء العديد من العلماء والمثقفين من بينهمالغزالي والغنوشي والترابي والقرضاوي. وحصل إجماع بين مجمل الحاضرين بخصوص أن الإسلام وصل إلى أسوأ درجة من التقهقر في العصر الحالي لأن المسلمين ابتعدوا عن الاجتهاد والتجديد وسجنوا أنفسهم في ماض دون الانفتاح على المستقبل. وأن الإسلام كان دينا شديد الارتباط بالمستقبل، ويولي أهمية بالغة للمستقبل (مع واجب التمييز بين المستقبل والغيب). وفي نهاية اللقاء اتفق الجميع على ضرورة التصدي للأمية ومحاربة الفقر عبر توزيع عادل للثروات داخل البلدان وفيما بينها، وتخصيص استثمارات أكبر وأهم للبحث العلمي، للخروج بالعالم الإسلامي من نطاق الدول المتخلفة.

    لقد قُلتها وسأعيد قولها الآن، ليس هناك قوة غربية مستعدة لقبول قيام أنظمة ديمقراطية حقيقية وفعلية بالعالم الإسلامي. لأن مثل هذا التغيير سيضرب مصالحها التي توفرها لها، وبسخاء، الأنظمة المرتشية القائمة حاليا“. المهدي المنجرة

    وفاته

    توفي المهدي المنجرة ببيته بالعاصمة المغربية الرباط, يوم الجمعة 13 يونيو 2014 م عن عمر يناهز 81 سنة، بعد صراع طويل مع المرض، وقد وافته المنية بعدما عاني من تدهور في حالته الصحية خلال الأشهر القليلة قبل وفاته.

    «…بوفاته فقد المغرب أحد رجالات الفكر والمناضلين المخلصين عن حقوق الإنسان والمساهمين في تكوين الأجيال المغربية التي تتلمذت على يديه. (…) “في هذا الظرف العصيب، ما كان يتحلى به الراحل من خصال إنسانية رفيعة، ومن تشبع مكين بالقيم الكونية للحرية والعدالة والإنصاف، حيث كان، رحمه الله، نموذجا للمفكر الملتزم والباحث المستقبلي الجاد، الذي سخر كتاباته للدفاع عن حق شعوب الدول النامية في اكتساب مفاتيح وأسس تحقيق التنمية الشاملة القائمة على تقاسم العلم والمعرفة، مما أكسبه تقدير كل من واكبوا فكره، ونهلوا من علمه ودراساته سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدوليمن برقية تعزية محمد السادس إلى أسرة المنجرة.

    فكره

    ابتكر المهدي المنجرة مفاهيم فكرية جديدة مثل «الاستعمار الجديد» و«الميغا-امبريالية» وسخر كتاباته ضد جشع النيولبرالية-الامبريالية الجديدة المتوحشة والدفاع عن حق العالم الثالث في التنمية المستقلة وكتب عن نظام دولي يقوم على العدالة والإنصاف والكرامة لكل الشعـوب والمجتمعات. حيث يرى المنجرة أن:

    الغرب متغطرس ثقافيا لأن فضاءه الزمني التاريخي محدود. حين تذهب إلى العراق أو الصين أو إلى أمريكا الجنوبية ثمة ثقافة متجذرة ومتطورة. في الولايات المتحدة تجد بالمقابل الأكلات السريعة (الفاست فود). إن التقدم العلمي لا يعني آليا امتلاك ثقافة التواصل مع الآخر. أنا أعتقد أن العالم يعيش حالة انفجار، وهنا أعود لتعبير ‘الانتفاضة’. فالانتفاضة انفجار يحدث حين يبلغ السيل الزبى. ثمة ظلم هائل في العالم، ومن اللازم إيجاد الحلول كي يكون كل الناس رابحين وكي لا يكون هناك خاسر

    وقد اعترف صامويل هنتنجتون ضمن مؤلفه صدام الحضارات بمرجعية وأسبقية المهدي المنجرة في طرح مفهوم صراع الحضارات، لكن المنجرة، على خلاف صامويل هانتنغتون، يرى أن الغرض من طرحه لهذه النظرية هو موقف وقائي، فلتفادي الصدام لا بد من خلق حوار حضاري بين شمال العالم وجنوبه. ويقول المجنرة:

    «إن عبارة «الحرب الصليبية» التي تبناها بوش الابن في خطابه وإن بصورة عابرة فهي تبين ما ذهب إليه من قبله ابن خلدون حين قال بان القوي يفرض على الضعيف المنهزم قيمه وعباراته ولغته. وهذا الأمر ينطبق على دول الجنوب وينطبق أيضا على نظام الأمم المتحدة الذي اثبت صراحة سيره هو الآخر صوب نهايته.

    ودافع المهدي المنجرة عن اللغة باعتبارها من أركان التنمية، ويرى في اليابان نموذج مثالي، حيث اعتدمت على اللغة اليابانية في مسيرتها التنموية وليس على لغة الغير. كما يرى المنجرة أن الإستعمال المكثف للدارجة المغربية ليس بريئا بل مخطط يسعى إلى القضاء على اللغة العربية

    من مؤلفاته

    يؤلف المهدي المنجرة في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ويهتم بالخصوص بقضايا الحقوق والعولمة والقيم والاستراتيجيا والتنمية وثنائية التطور والتخلف. يتقن عدة لغات ويؤلف بالعربية والفرنسية والإنجليزية واليابانية. ألف المهدي المنجرة أكثر من 500 مقالة في العلوم الاقتصادية، السوسيولوجية والإنسانية.ومن أهم كتبه :

    ·         نظام الأمم المتحدة : تحليل. 1973

    ·         من المهد إلى اللحد. ط 1, القاهرة، 1981, ط 3 النجاح الجديدة الدار البيضاء، 2003.

    ·         الحرب الحضارية الأولى. منشورات العيون، الرباط، 1991, ط. 7, النجاح الجديدة.

    ·         القدس العربي، رمز وذاكرة، ط 1. مطبعة وليلي، مراكش، 1996, ط 3 النجاح الجديدة، الرباط 2002.

    ·         حوار التواصل، منشورات شراع، طنجة؛ 1996, ط 10، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء. 2004.

    ·         مسار الكفر، حوارات مع حسن نجمي ومحمد بهجاجي، منشورات وليلي، مراكش،1997. ط 4, مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء. 2003.

    ·         عولمة العولمة.منشورات الزمان 1999.

    ·         انتفاضات في زمن الذلقراطية.منشورات البوكيلي، القنيطرة 2002

    ·         الإهانة في عهد الميغاإمبريالية.2004. ط 2, 2005 مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء.

    قيمة القيم.، ط 1, 2007, ط 2 2007, مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء