المصطفى المعتصم : الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وجهة نظر
المصطفى المعتصم – ريحانة برس
مستشار الأمن القومي الأمريكي لأكثر من رئيس أمريكي وواحد من صناع القرار الاستراتيجي بهذا البلد تناول في كتابه رقعة الشطرنج الكبيرة عن كيفية احتواء التمدد الصيني غربا نحو الهضبة الأوراسية .
ويرى “بريجينسكي” أن إيران وتركيا بامكانهما لعب دور في هذا الصدد تماما كما فعلوا زمن الحرب الباردة عندما ساهموا بفعالية في إيقاف تمدد الإتحاد السفياتي جنوبا اتجاه الخليج الغني بثرواته النفطية.
لم يكن لأمريكا أبدا اعتراض أن تكونا هاتين الدولتين قوى إقليمية بشروط تؤطرها أجندتها في المنطقة، ولكن المشكلة هي أن كلا من إيران وتركيا تطمحان لأن تكونا قوى جهوية مؤثرة في غرب ووسط آسيا ، بالإضافة إلى الموقف الإيراني الثابث من الكيان الصهيوني .
وأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنزعج يوما قدر انزعاجها من الأدوار التي تلعبها إيران في العراق وسوريا واليمن كما أزعجها الدور التركي في النزاع السوري والنزاع حول ناغورنو كرباخ بين أرمينيا وأذربيجان وسياسات أردوغان اتجاه التركمان في وسط آسيا والتقارب الاقتصادي والتجاري الصيني التركي و التعاون الاقتصادي / الاستراتيجي الصيني الإيراني بما يعني انخراط كل من إيران وتركيا في التعاون مع الصين بما يتوافق مع مشروعها طريق واحد حزام واحد.
مشكلة أمريكا أن بعض قادتها تتحكم فيهم النظرة الاستعلائية الاستعمارية المبنية على مُسَلَّمة ثابتة لديهم في كونهم الجنس المتفوق وعادة ما يحكمون على الشعوب من خلال هيئتهم أو هندامهم أولحاهم أو بنية أجسامهم .
وهذا ما أوقعهم في الكثير من الأحيان في حسابات خاطئة وتقدير سيئ لخصومهم وأعدائهم وأصابها بانتكاسات . حدث هذا في الفيتنام حينما قدرت أن الانسان الفيتنامي لن يستطيع مواجهة رامبو الأمريكي و حدث مع الثورة الخمينية حينما ظنت أنها ما دامت قد استطاعت اسقاط تجربة الدكتور مصدق فلن تعجز في تكرار تلك التجربة أمام المعممين حسب التوصيف الغربي الاستعماري .
أمريكا انسحبت من أفغانستان وسلمتها للطالبان بسبب المقاومة الباسلة للهذه الحركة ما في ذلك من شك ، لكن أكيد أن أصحاب القرار الاستراتيجي الأمريكي يعتقدون أن طالبان والحركات الجهادية والتنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة يمكن إعادة تجييشهم هذه المرة ضد الصين من خلال استغلال ما يشيعه الغرب عن ممارستها ضد المسلمين الإيغور .
شخصيا أستبعد أن تنجح أمريكا ومن يقف ورائها من قوى الاستعمار الجديد في الغرب في مخططهم هذا لاعتبارات عديدة منها :
أولا ، لأن قادة طالبان أذكى من المؤسسات الاستراتيجية العسكرية الأمريكية بدلالة أنهم هزموهم وبدلالة الطريقة التي دخلوا بها كابول وبدلالة طريقة التعامل مع كل مكونات الساحة الأفغانية واليد التي مدّوها لكل دول العالم وخصوصا دول المحيط . وطبعا المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين .
ثانيا ، طالبان قريبة من باكستان جدا القريبة بدورها جدا من الصين ، ولن تسمح باكستان بتوقيف طالبان في مخطط يستهدف مشروع طريق واحد حزام واحد التي تنخرط فيه تجاريا وعسكريا استراتيجيا .
ثالثا، لا تستبعد روسيا والصين وإيران وتركيا وباكستان والدول الإسلامية في وسط آسيا مثل هذا السيناريو ، لدى كانت مبادراتها سريعة إذ وعدت الصين بالاعتراف بنظام طالبان وتعهدت بالمشاركة الفعالة في إعادت بناء هذا البلد ، كما بادرت إيران إلى نقل دبلوماسييها من مختلف المدن الأفغانية باتجاه كابول في وقت تغلق السفارات الأوروبية والأمريكية أبوابهاوتجلي رعاياها وعملائها كما لم تتوانى روسيا وتركيا عن مد يدها لطالبان .
رابعا ، لم تعد للسعودية وعلمائها ووعاضها ودعاتها الرسميين تلك القدرة على توظيف المذهبية السلفية /الوهابية/ التكفيرية بقوة واستغلال ثقة جمهور المسلمين بل سذاجتهم أحيانا .
طبعا مفروض على الصين أن تبادر إلى تحسين أوضاع المسلمين الإيغور على غرار ما تفعله مع باقي مسلميها سدا لباب الذرائع .