ريحانة برس – المحمدية
خرجت ساكنة المحمدية مساء اليوم في احتجاجات حاشدة تعبيرًا عن استيائها من التدهور المتسارع في أوضاع المدينة. شوارع تعاني من الإهمال، بنية تحتية مهترئة، وفضاءات خضراء كانت بالأمس القريب متنفسًا للسكان، أضحت اليوم أطلالاً، تاركة المدينة في حالة من الحزن والقلق. تلك الاحتجاجات لم تكن سوى انعكاسٍ للغضب الشعبي المتنامي، خاصة بعد أن خيّبت الوعود الانتخابية آمال الساكنة. المسؤولون الذين تعهدوا بتحقيق التغيير لم يظهروا سوى في صور الثراء الفاحش، بينما المدينة تغرق في مستنقع الفساد وضعف حكم القانون.
إن هذا الواقع المتردي الذي تعيشه المحمدية اليوم يطرح سؤالًا جوهريًا: أين ذهبت الوعود التي أطلقتها الأحزاب السياسية؟ تلك الأحزاب التي صالت وجالت خلال فترة الانتخابات، رافعة شعارات محاربة الفساد والنهوض بأوضاع المواطنين، لكن سرعان ما تكشّفت الحقيقة المرّة، وظهر أن تلك الشعارات لم تكن سوى وسيلة لخداع الناخبين. الفساد المستشري والمحسوبية باتا سمةً رئيسية في إدارة الشأن المحلي، بينما منتخبون تحولوا إلى أثرياء بين ليلة وضحاها، تاركين المدينة وأهلها يعانون من غياب الخدمات الأساسية.
في الوقت الذي كانت فيه الساكنة تأمل في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المحلية، وجدت نفسها أمام واقعٍ مريرٍ تتفشى فيه المحسوبية والرشوة. المنتخبون الذين من المفترض أن يكونوا ممثلين عن الشعب، باتوا اليوم مشغولين بجمع الثروات وتكوين شبكات مصالح شخصية، في غياب شبه تام لأي شكل من أشكال الرقابة والمحاسبة. ومن المفارقات المزعجة أن هؤلاء المسؤولين، الذين ادعوا خدمة المدينة وساكنتها، هم أنفسهم الذين ساهموا في تدميرها.
الحكومة ، التي كان يُنتظر منها التدخل السريع لوضع حد لهذا التسيب، تبدو وكأنها غائبة عن المشهد. بل على العكس، نراها منشغلة بخطاباتها الرنانة وإنجازاتها المزعومة التي لا يلمسها المواطن في حياته اليومية. فكيف لحكومة تدعي الوقوف إلى جانب الشعب أن تتجاهل مثل هذه الأوضاع الكارثية؟ وما الذي يدفعها لغض الطرف عن الفساد المتفشي في المؤسسات المحلية؟
مدينة المحمدية ليست حالة فردية، بل هي جزء من مشهدٍ عام تعاني منه العديد من المدن المغربية. نخبة سياسية جشعة وريعية تسيطر على تسيير الشأن المحلي، تاركة المدن تئن تحت وطأة الإهمال وسوء التدبير. وفي هذا السياق، بات تدخل وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات أمرًا ملحًا. ففتح تحقيق شامل في صفقات وبرامج المجلس الجماعي أصبح ضرورة حتمية، لا سيما وأن غياب المحاسبة قد شجع العديد من المنتخبين على استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، دون أدنى اعتبار لمصلحة المدينة وساكنتها.
إن الصمت الحكومي المستمر على هذه الأوضاع يدفع للتساؤل: هل أصبح الفساد جزءًا من النظام السياسي نفسه؟ هل تسعى الحكومة حقًا إلى محاربة الفساد أم أنها مستفيدة بشكل أو بآخر من استمراره؟ كيف يمكن لحكومة تدعي الشفافية والعدالة الاجتماعية أن تتغاضى عن هذا الكم من الفساد الذي بات يلتهم المدن المغربية واحدة تلو الأخرى؟
وفي خضم كل هذا، يظل المواطن المغربي هو الضحية الكبرى. ففي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الأساسية وتتراجع فيه الخدمات العامة، نجد المسؤولين غارقين في الترف والثراء. هذا التناقض الصارخ بين معاناة المواطن ورفاهية المسؤولين يطرح تساؤلات حول طبيعة النظام السياسي والاقتصادي في البلاد. هل أصبح العمل السياسي وسيلة للثراء السريع؟ وأين ذهبت شعارات “خدمة الوطن والمواطن” التي لطالما رددتها الأحزاب السياسية؟
المحمدية، كما هو حال باقي المدن المغربية، لا تحتاج إلى المزيد من الوعود الجوفاء ولا إلى خطابات حكومية رنانة. بل تحتاج إلى تدخل حقيقي وعاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. يتعين على الحكومة، إن كانت حقًا تهتم بمصالح المواطنين، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في محاسبة المسؤولين الفاسدين وفتح ملفات الفساد التي أفسدت الشأن المحلي.
وإلى حين تحقيق ذلك، سيبقى المواطن المغربي، سواء في المحمدية أو في أي مدينة أخرى، يتساءل: إلى متى سيستمر هذا الاستهتار بمصالحه وحقوقه؟ وإلى متى ستظل الحكومة تغض الطرف عن فساد المسؤولين، بينما تزداد معاناة الشعب يومًا بعد يوم؟
إرسال تعليق