ريحانة برس- أحمد زعيم
استبشرت ساكنة الفقيه بن صالح والإقليم بأكمله خيرا حينما ارتقت إلى أن تصبح إقليما مستحدثا منذ ما يزيد عن 12 عاما، وكانت تُمنّي النفس على أنها ستخرج من حالة البؤس التي كانت عليها،
وسيصبح الإقليم بمواصفات سائر أقاليم المملكة التي هي في مثل وضعيتها. كانت للناس احلام وآمال على أنهم، بمرور الوقت، سيفتحون أعينهم على واقع مغاير؛ واقع يشهد نهضة تنموية حقيقية، في كل أبعادها، لتنعكس إيجابيا على حياة المواطنين، سيما منهم الذين هم في وضعية الهشاشة… غير أن ما يحدث على الأرض أبعد ما يكون عن هذه التطلعات والآماني.
يكفي فقط أن نلقي نظرة على حالة العمران والتصاميم الموضوعة أو المعدلة لندرك أن التخبط، بل الفوضى هي السمة الطاغية عل حالة “المدينة” ، إذا جاز أن نسميها مدينة. أكثر من ذاك يحق للساكنة أن تسميها قرية كبيرة، لا شيئ فيها يوحي، بأنها تمثل عاصمة الإقليم، مدينة فقدت جمالها ورونقها عندما تآمر مدبرو شؤونها على نهب أموالها وأراضيها، وتخريب حدائقها و اجثتات أشجار ها،وإقبارمشاريعها…، وتجفيف منابعها و وديانها، وآبارها الجوفية واستغلال ما تبقى من المياه لأغراض صناعية كالفوسفاط أو تغذية المدن الكبرى بالماء كالدار البيضاء…، فيَبُسَت معظم أشجار الزيتون والرمان..، وتحولت أراضيها الزراعية الى أراض جرداء محترقة قاحلة…تنذر بإختفاء الفلاحة والزراعة، والماشية، و الضحية هم الفلاحين الصغار والعمال؛ الفئة الهشة في النسيج الإجتماعي التي تعاني من البطالة والغلاء، والفقر، ولولا التضامن الأسري من مغاربة المهجر، لكانت الأوضاع كارثية.
أصبحت المدينة عبارة عن أسواق مفتوحة يقصدها الباعة الجائلون للبحث عن لقمة العيش، و إحتلالهم لللساحات والشوارع والأزقة والأرصفة العمومية..،التي من المفروض أن تشكل الواجهة و الوجه المشرق للمقيم و الزائر، والعابر..، فأنتشر”الريتول”، والفوضى، وأصبح واحتلال الملك العام أمرا عاديا تعايشت معه الساكنة، رغم الإحتجاجات والمطالبة بتحريره، لكن الظاهرة استفحلت وباتت المهمة مستحيلة، فأصبحت حملات تحرير الملك العمومي لا يتعدى الهوامش وألاطراف ،إذ لا زالت أماكن مسطو عليها محتلة وأخرى مسيجة تعيق السير و الجولان؛ كما الحال أمام العديد من المتاجر، والمقاهي، والمنازل والساحات بقلب المدينة..،فبات الزائر أو المقيم، أوالمهاجر، أوالمستثمر…يتجنب الزحام و الإبتعاد عن الفوضى و”الريتول”، بالانتقال إلى مدن أخرى..
إلى متى سيستمر المسؤولون، كل من موقع المسؤولية التي يتحملها، في تجاهل هذه الأوضاع المزرية و المقلقة التي ترزح تحتها الساكنة و المدينة والإقليم ككل زمن طويل شارف على الثلاثين سنة من التدبير والتسيير العقيمين و الخانقين؟!
وحول هذه الأوضاع المتردية التي آلت إليها البلدة قال الأستاذ “محمد خلاف” :
“مدينة الفقيه بن صالح؛وحال من تجبر بها؛ فهي تأن وسط أمواج الظلام؛ وسط المطويات المخفية التي لا تظهر؛ تحتضر حالها على جميع الأصعدة، ولعل المتتبع لطرق تسيير وتدبير مرافقها لسنوات يتفاجأ للفوضى العارمة التي تعيشها هذه المدينة في ظل غياب تدابير رادعة من طرف سلطات الوصاية محليا إقليميا، وطنيا.
فكل شيء تطبعه الفوضى لأغراض سياسية دنيئة، هي سياسة السياسات، التي تحط من كرامة الساكنة، وتجعلها تعيش في وهم من الوعود الكاذبة، التي مسحت وجه الفقيه بن صالح الجميل، حيث أبيدت الثقافة في مدينة الإبداع والحسن، و الجمال؛ وحال الرياضة؛ يبكي برغبة دفينة في قتلها؛ بعدما وصلت إلى وضعية الإستجداء والمسكنة مرارا ؛ و مع موسمية وبشاعة الحفريات، والردم، والتزفيتات، والتبليطات، والترقيعات، بروتوشات عشوائية، وإقبار المساحات الخضراء عنوة وتحويلها إلى فضاءات إسمنتية…، ظلام كثيف بالعديد من الأحياء بعد تصنيفها عمدا وانتقاما؛ صفقات الظلام؛ مشاريع وهمية، أو معلقة…،وأخرى منكوبة؛ مهرجانات الخيل والليل؛ والندوات..والولائم والحفلات التي شهدتها المدينة دون غيرها شاع وطنيا ؛ و عقارات نتيجة توقيعات؛ ضيعات؛ شقق؛ قطع أرضية؛ غنى فاحش؛ علاقات؛ تدخلات؛ كل هذا وحال مدينة غنية؛ بئيس؛ خامل لمدة طويلة؛ ولا حديث عند الأهالي إلا عن مصير وفحوى الدعاوي القضائية؛ونتائجها؛ فحال المدينة؛ معضل جدا.
الانتخابات فيها لعبة قذرة، كل الوسائل فيها مباحة، رغم ان المشرع وضع في الأساس الانتخابات لإختيار الأنسب والأكفء؛ والأقدر على تحمل المسؤولية؛ وقيادة المدينة لبر الأمان والإستقرار دون خبث أو مكر أو دهاء؛ وجميعا نتذكر ماوقع في تحالفات اللحظات الأخيرة والوقت الميت…، فكيف ينامون و المدينة كلها حفر؟
فكيف ينامون والرياضة والثقافة تنتحر ببشاعة ؟؛ فكيف ينامون و الإسمنت تجبر؟؛ فكيف ينامون والأملاك العمومية والأرصفة محتلة، والمشاريع متوقفة، ودعوات المقهورين والمظلومين بالهلاك في فورة؟ فكيف ينامون مطمئنين؛ و هم يعرفون أنه لاسعادة تعادل راحة الضمير؟
نحلم بالمدينة بعدما طال ليلها البهيم، أن يسطع نور العدل المبين.
فقد أصبحت المدينة ،لا تتوفر على مقومات الحياة بل تتوفر على مسببات الموت والهروب،، المدينة ابتليت بالإهمال وتقاسم الغنائم إلى حين .. فمن يوقف هذا التأييد الأعمى ،وهذا التخاذل؟
كان الأمل كبيرا في التغيير بعد صبر طويل وعدم استسلام صريح؛ لكن تغيرت المسؤوليات وبعض الكراسي بوجوه هي منه وإليه؛ بوجوه ملت من شكلها الناس والكراسي؛ وعرفتها كيف دخلت؛ وكيف فعمت بطونها بالنار؛ فهل نصيب المواطن العميري أن يحيا مع ظلم واستبلاد إلى ما لا نهاية يريد ؟
وإلى أي مدى سيستوعب طغاتنا قولة ستيف جوبز الشهيرة؛ حين قال (لا يهمني أن اكون أغنى رجل؛ بقدر ما يهمني أن أعود للفراش في المساء؛ وأنا أشعر أني قمت بعمل رائع)…فبكل الأسى والأسف أكتب إليك يا كل عميري،يا كل أبي، عن مدينتنا العزيزة، لإنقاذها، من غشاوة بكاء وسط أنهار من دموع جرت على صفحة الوجه جراء أنين في القلب باهت بلا ملامح.
فكل ما ب: “لاربعا” جميل يشتهى؛ وتستحق أن نحيا لأجلها؛ ولأجل الوطن؛ كي تتجمل من جديد؛ لنا جميعا .أو كما قال أحمد الماغوط:
(لا أراهن على نفاذ الخبز أو الماء او الوقود بل أراهن على نفاذ الصبر.)”
إرسال تعليق