الـدولـة الإسلاميـة ” باقيـة- وستتمدد- إلى حين الحرب على إيـران

0

مرة أخرى تعود أمريكا إلى الأحلاف العسكرية ، لتريق الدماء العربية والإسلامية وديانا وأنهارا ، على الأرض العربية والإسلامية ، وهي التي لم تتوقف لحظة من

مرة أخرى تعود أمريكا إلى الأحلاف العسكرية ، لتريق الدماء العربية والإسلامية وديانا وأنهارا ، على الأرض العربية والإسلامية ، وهي التي لم تتوقف لحظة من نهار أو ليل عن إهراق هذه الدماء ، منذ ما بعد 11 سبتمبر ، ذلك اللغز المحير الذي أعجز كل الأفهام ، سوى الفهم الأمريكي لما كان وحده يملك حل شفرته الغامضة بالأسرار ، والتي لم ينكشف منها سوى سر واحد : هو أن أمريكا لا ترى لها حياة ، ولا ترقب لها بقاءا ، إلا في تخريب وتفتيت العالم الإسلامي ، بأنياب الحروب الطاحنة الضروس التي تصبها عليه صبا صبا ، والتي لا أول لها ولا آخر .

وتريد أمريكا أن تشغل بال العالم بأسره ، هذا العالم المتشعب بشعوبه وحضاراته ، والمتفجر مشاكل وكوارث وتناقضات ، كي توهمه : أن الشر الداهم ، والخطر المحدق بالأمن والسلام العالمي ، هو ما يقع على الأرض العربية ، بتصوير ما أعلنه تنظيم من حفنة من المقاتلين ما سموه ” دولة إسلامية ” ، أم المخاطر ، ومعدن المشاكل ، دون أن تستحيي هذه الأمريكا ، أو تعترف ، بأن أصل البلاء والتسيب والتفتت والفظاعات والصراعات والاقتتالات الوحشية ، هو ما نتج عن العبث الأمريكي بأمن البلاد العربية والإسلامية وباستقرار شعوبها ، حينما تسلطت الجيوش الأمريكية العاتية ، وبأعتدتها العتيدة ، الخارقة التطور ، على أفغانستان والعراق تضرسهما بين أنيابها وتطحنهما بالحديد والنار في رحى عدوانها ، وهما الدولتان العضوتان في منظومة الأمم المتحدة .

ما أعلنه أخيرا الرئيس الأمريكي أوباما ووزير خارجيته كيري عن أهداف الحلف العسكري الجديد ، والذي انجرت إليه بعض الأنظمة العربية كما تجر الأبقار من قرونها ، لا يمثل الحقيقة المبطنة، فالخطة الأمريكية لا يمكن أن تقرأ إلا من خلال المستور منها ، والمستور منها ، هو أن البنتاغون الأمريكي الذي يرى في العالم الإسلامي عدوا استراتيجيا مرتقبا على غرار ما كان يراه في العالم الشيوعي البائد ، مصمم على إغراق هذا العالم الإسلامي في بحار من دماء الاقتتالات الطائفية والعرقية والإيديولوجية والسياسية كي لا تقوم له قائمة ينهض من خلالها للتنمية والقوة والتفوق .

وإذن فلا يستساغ استراتيجيا أن تسعر أمريكا نيران الحرب ، للقضاء على كيان لم تتضح معالمه بعد ، ولم تنفرز خارطة وجوده ، حقائقها من أوهامها .

فالكيان الجديد ، الذي تسمى ” بالدولة الإسلامية ” وفرض نفسه مرجعا ” للخلافة الإسلامية ” ، وهو على ما هو عليه من تشبت بدعوى ” الخلافة الإسلامية ” على المذهبية السنية، هو كنز استراتيجي للأمريكان ، بالنظر إلى أن أخطر الأسلحة وأفتكها لتدمير العالم الإسلامي هو زرع بذور الشقاق والاقتتال المذهبي السني – الشيعي .

إذ أن إيران الدولة الإسلامية الشيعية الصاعدة في مدارج القوة والتمكن ، بجبروتها في التماسك العقائدي الداخلي ، وامتداداتها المذهبية في العالم العربي والإسلامي ، ونفوذ علاقاتها على المستوى الإفريقي والآسيوي والأمريكي اللاتيني ، تراه العين الغربية والأمريكية ، عنصر إنهاض للعالم الإسلامي ، من غفوته وكبوته ، أو على الأقل تراه كذلك في الجزء الشيعي منه .

ولا شيء يهدئ من روع جنرالات البنتاغون ، ولا شيء يتفاعل إيجابيا مع الاستراتيجية الأمريكية الراصدة في العالم الإسلامي عدوا حضاريا تاريخيا، سوى أن تحط “دولة للخلافة” على المذهبية السنية ، وهي ما يسمى الآن ” بالدولة الإسلامية ” ، أن تحط رحالها وأن تبني قواعدها وأن تجيش جيوشها بمحاذاة وفي مواجهة ” دولة ولاية الفقيه ” ذات المذهبية الشيعية .

وإذن فمنطق الأشياء ، هو أن القضاء على ” الدولة الإسلامية ” وتنظيمها المترامي في العراق وسوريا ، ومخزونها البشري المسترفد من امتدادات الحركة السلفية الجهادية المبثوثة في أقطار العالم العربي والإسلامي ، بل والمنغرسة في النسيج الإسلامي بأوربا وأمريكا ، القضاء على هذا الجيش الحامي لدولة ” الخلافة الإسلامية ” هو بمثابة خسارة استراتيجية ، لأنه في منظور البنتاغون ، خسارة للسلاح المدمر للصعود الإيراني.

والغاية إذن من حلف عسكري يستهدف ظاهريا تنظيم ” الدولة الإسلامية “، هو تمرين هذا التنظيم على خوض الحروب الكبرى ، كي يستجمع من خلالها وسائل القوة العسكرية ، ويوطد أكثر لشوكة ” الدولة الإسلامية ” السنية ، بما يضاعف من تمددها وتوغلها جغرافيا ، بعد أن تتدفق الموجة الثانية للهجرة العالمية الجهادية من كل أصقاع العالم ، لمواجهة ما سوف يتم اعتباره لدى الشعوب الإسلامية: عدوانا إجراميا على الأرض العربية الإسلامية ، وما سوف تروج له الحركات الجهادية السلفية ، من أن مؤامرة صليبية جديدة تنقض على ” الدولة الإسلامية ” ، بما سوف يجذر للمشروعية السياسية والدعوية والجهادية لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

وإذن فالمعركة على هذا النحو من الاستقطاب الإيديولوجي ذي الأبعاد الدولية ، كفيل بأن يفرغ كثيرا من المنظمات الجهادية المنتشرة عربيا وإسلاميا من محتواها البشري ، ويستنزفها من مشروعيتها المكتسبة خلال العقود الأخيرة ، تلك المنظمات التي كانت ترى في دولة “الخليفة البغدادي” ، مجرد تجمع للخوارج ، وشبكة للمخابرات الدولية ، وصنيعة لدول عرب البترودولار ، وبؤرة للتكفير والتقتيل والغلو العقائدي ، وعصابة تقتيل للمسلمين والمجاهدين والثوار على الأنظمة الفاسدة ، إذ الحرب الأمريكية بأطنان قنابلها التي ستصب في ميدان المعركة ضد تنظيم ” الدولة الإسلامية ” ، سيطهره تطهيرا من هذه النعوت المشبوهة بما سوف يرفع ” أبو بكر البغدادي ” قائد هذا التنظيم إلى مقام خليفة حقيقي في أعين الذين كانوا من قبل أعداءا وخصوما ومناوئين .

إيران الدولة الإسلامية الشيعية ، التي تعترض على هذا التسعير الغربي الأمريكي للحرب في المنطقة ، تدرك أنها هي المستهدفة الأولى على المدى البعيد ، أو في المرحلة المقبلة، إذ لا يخفى عليها أن ما تعتزمه أمريكا ومن ورائها الغرب ، ومن ورائهم أعراب المنطقة وأموالهم ، إنما هو دفق للحياة في شرايين تنظيم ” الدولة الإسلامية ” ، ورفع معنويات أتباعه ومقاتليه ، بوضعهم في مقام المجاهدين والمجابهين للقوى العظمى والأعتى في العالم .

ومن ثم تنخرط هي أيضا في اللعبة القذرة ، بمد كل أسباب القوة والدعم الخفي للتنظيم ، واستدراجه بمكر ودهاء لإحداث بعض المجازر الفظيعة في الأوساط الشيعية العراقية ، والتي ستجني معها إيران مكاسب استراتيجية ، بإيقاظ روح العصبية والانتقام في الوجود البشري الشيعي المترامي عبر العراق ولبنان وسوريا والأردن والكويت والبحرين والسعودية واليمن ، وتحشيد هذا الوجود الشيعي العربي عسكريا خلف القيادة الإيرانية في طهران حتى يكون الدم العربي الشيعي مخزونا احتياطيا في المعركة القادمة التي ترتقبها طهران ، متحسبة من أن الغرب مصمم على أن يشعل بها المنطقة والعالم الإسلامي ، بالمواجهة ، والاقتتال ، بين المعسكر العقائدي الشيعي والمعسكر العقائدي السني ، في حرب إفناء وإبادة بين الطرفين ، يتفرج عليها العالم الغربي وربيبته إسرائيل .

وما الأوامر التي صدرت من طهران إلى الجيش العراقي كي ينسحب بالآلاف من وجه ثورة العشائر، تاركا وراءه الأكداس المكدسة من ترسانات الأسلحة الثقيلة، ومخلفا وراءه القناطر المقنطرة من أموال الأبناك ، كي تقع بسهولة مضحكة بين يدي تنظيم “الدولة الإسلامية”، سوى رفد ودعم وتمكين لهذا التنظيم كي يباشر العملية الوحشية بجز رؤوس الطائفة الشيعية ، إذ ليس من وسيلة كي تنتفض الطائفة الشيعية وتتحول إلى ميلشيات عسكرية تقوم وتقعد بأمر طهران سوى هذه المذابح التي سودت وجه التاريخ العربي .

ويهم إيران في هذا المخطط الدموي باتخاذ العرب الشيعة متراسا ، كي تحمي الدم الفارسي في استراتيجية اقتصاد الدماء الفارسية بالتحصن من وراء الجماجم العربية ، والتخندق خلف أنهار الدماء العربية الشيعية .

ولا عجب أن ينكشف غدا هذا الضجيج الإعلامي الغربي الذي حوّل مصطلحات من قبل “الدولة الإسلامية” و “داعش” إلى قمة أكثر المصطلحات والمفردات تداولا ورواجا في المنطوق البشري عبر أرجاء الأرض قاطبة ، وينكشف معه أيضا هذا التجييش العسكري الغربي ، عن انتصارات باهرة توهَب وَهْبًا لتنظيم ” الدولة ” ، بما يوطد أركانها ، ويفرض هالاتها وهيلمانها .

ولا عجب إذن أن يصبح لها ، بعد أن ينجلي غبار المعارك المصطنعة ، مفاوضون ودبلوماسيون وخبراء ووسطاء ، قد يجوبون عواصم العالم ، وقد يشكلون تمثيليات في عواصم الخليج ، إذ أن المعركة العقائدية السنية الشيعية قادمة ، قادمة في الخليج العربي ، وعلى أرض الجزيرة العربية، وفي مقدمة الجبهة العقائدية السنية، سترابض جيوش من هذه “الدولة الإسلامية” ، ومن الكم المتناسل من السلفيات المتشعبة ، في انسجام تام مع أمراء دول المنطقة، ودفاعا عنهم، ضد الهجمة الإيرانية التي تروم اجتثاتهم، بالرغم من أنهم منخرطون اليوم في هذا الحلف الصوري المعادي لهم.

فهل سينجو العالم الإسلامي من هذه المكائد التي تتوالد بمكر الليل والنهار في الدوائر الغربية ؟

“وقد مكروا مكرهم ، وعند الله مكرهم ، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال”. سورة ابراهيم، آية 46.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.