الرجل الأخطر يتكلم، يقول، يكتب، ينتقد، يدحض، يهاجم، يرفض، يتهم، يكفّر، يخوّن، ويبرر دمويته وعنفه.
اتهم سعد زغلول بالخيانة، وكفّر عبد الناصر والسادات ومبارك
أهدر دماء الأبرياء واتهم أصدقاءه بالخيانة، ونصّب نفسه مفتيا وقاضيا وجلادا
اقتبس من أشعار المتنبي وأبي العتاهية وشوقي، وتجاهل عبد الصبور ودنقل وقباني
الرجل الأخطر يتكلم، يقول، يكتب، ينتقد، يدحض، يهاجم، يرفض، يتهم، يكفّر، يخوّن، ويبرر دمويته وعنفه.
ومن كتابات أيمن الظواهرى يمكن قراءة عقله، ومشاعره، وقناعاته، وأفكاره، وقد كان الظواهري وما زال مسئولا عن دماء سالت، وأطفال تيتموا، وحروب وقعت، ومواقف تغيرت.
بالإسلام يحمل سكينه، ليذبح ويقتل ويخرب ويكدر الأمن ويرعب الناس.. كيف يفكر ذلك الطبيب المصري الذي تحول من الرأفة إلى القسوة، ومن بث الحب إلى نشر الكراهية، ومن إنقاذ الأرواح إلى إزهاقها وعدم الاكتراث بحياة الأبرياء.
لقد كتب أيمن الظواهري نفسه وتصوراته وأحكامه على الناس والأنظمة في كتب ومقالات متنوعة ومنتشرة ومتاحة للجميع..وقد كتب أيمن الظواهري 10 كتب مختلفة، ربما أشهرها كتابا “فرسان تحت راية النبي” و”الحصاد المر للإخوان المسلمين”، وأحدثها كتاب “التبرئة” في الرد على مراجعات سيد إمام مفتي الجهاد السابق.
مرحلة التشكيل
ولد أيمن الظواهري في حي المعادي عام 1951 لأسرة أرستقراطية ميسورة الحال، وكان جده لوالده هو الشيخ الظواهري أحد شيوخ الجامع الأزهر، وجده لوالدته هو الدكتور عبد الوهاب عزام أستاذ الآداب الشرقية ورئيس جامعة القاهرة، أما والده فكان طبيبا شهيرا وأستاذا بطب عين شمس، وكان خاله محفوظ عزام نائبا لرئيس حزب العمل.
وتخرج الظواهري– كما يذكر منتصر الزيات– من كلية الطب في 1974 وهو الوقت الذي يعتبره كثير من الباحثين ذروة الصحوة الإسلامية، وقد حصل الرجل على الماجستير في الجراحة من جامعة القاهرة عام 1978، وانضم إلى أول خلية سرية إسلامية وعمره 16 عاما، وتأثر مثل معظم جيل السبعينيات من القرن الماضي بكتابات المفكر سيد قطب، والتي تتلخص في تكفير المجتمعات التي لا تُحَكِّم شريعة الإسلام، وتصف جميع الأنظمة الحاكمة بالجاهلية، وفي 23 أكتوبر عام 1981 تم القبض عليه وقضى ثلاث سنوات في السجن، ثم خرج ليسافر إلى السعودية ومنها إلى أفغانستان، ثم يتعرف على أسامة بن لادن، وانتقل معه إلى السودان، ثم أفغانستان خلال حكم طالبان، وصار أحد المطلوبين لدى الولايات المتحدة بعد تدمير كول، ثم اعتداءات 11 سبتمبر عام 2001 ليدخل بعدها كهف الخفاء.
وهناك حادثان أثرا في الرجل تأثيرا كبيرا: الأول ما ذكره صديقه منتصر الزيات عنه أنه اضطر تحت وقع التعذيب إلى الاعتراف على مكان صديقه عصام القمري أحد قيادات الجهاد، والذي قتلته الشرطة فيما بعد خلال إحدى المواجهات، وكان الحادث الثاني هو مقتل زوجته عزة نوير وابنه محمد في غارة أمريكية على أفغانستان. ولقد أكسباه الحادثان كراهية شديدة للشرطة والجهات الأمنية في كافة الدول العربية، وكفرها كما كفر الأنظمة الحاكمة، كما أكسباه رفضا شديدا لكل ما هو غربي وأمريكي، وجعلاه يتصور أن جميع الأحداث التي تحيط بنا نتاج لسلسة من المؤامرات الغربية التي لا تتوقف على العالم الإسلامي.
سمات عامة
إن القارئ لكتابات أيمن الظواهري يمكنه أن يكتشف كثيرا من السمات المميزة لشخصيته من خلال تلك الكتابات، ومن تلك السمات إطلاق الأحكام على عمومها، مثل اتهام جميع الأفراد في العالم الغربي بالتآمر والعداوة للإسلام.
كذلك تنتشر في كتابات الرجل أنواع مختلفة من السباب للحكام ورجال الدين والإعلاميين وأصحاب الفكر، كالكافر، الزنديق، الكاذب، المنافق، الفرعون ، الطاغوت، السفاح، الخائن، والعميل، وفضلا عن ذلك كثيرا ما يتحول الظواهري إلى مُفتٍ يقرر أحكاما، ويبحث عن لقطات ونوادر في كتب الحديث والفقه القديمة لتأكيد تلك الأحكام، كما تتسم كتابات الرجل بسهولة توجيه الاتهامات إلى الأشخاص ونقل الشائعات والمعلومات غير المؤكدة، فضلا عن سوء الظن وهو ما يخالف مبادئ الإسلام الرئيسية في ضرورة إحسان الظن بالناس.
ويتضح من كتابات الرجل حبه الشديد للاقتباس من الشعر، خصوصا شعر المتنبي وأحمد شوقي ومحمد إقبال والكثيرين من الشعراء القدامى، مثل أبي العتاهية والفرذدق وأبي تمام، ويقف الشعر لدى “الظواهري” عند هاشم الرفاعي الذي توفي عام 1959، ولا يقتبس أي أشعار من شعراء، مثل صلاح عبد الصبور، أو أمل دنقل، أو درويش، أو نزار قباني، أو غيرهم من المحدثين.
المنهج التكفيرى
وتنتشر في كتب “الظواهري” أحكام التكفير والشرك على المجتمعات العربية والإسلامية التي لا تحتكم إلى شريعة الإسلام، ويبدأ التكفير لديه من الحكام وحاشياتهم من وزراء وموظفين ومسئولين ورجال دين، ويمتد حتى عساكر الشرطة وصغار الموظفين، ويمكن القول إن شبهات التكفير بدأت مع بدايات انضمام الظواهري للحركة الإسلامية تأثرا بسيد قطب الذي يقول عنه “الظواهري” في كتاب “فرسان تحت راية النبي“:
“كانت ولا تزال دعوة سيد قطب إلى إخلاص التوحيد لله ولسيادة المنهج الرباني شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج“.
كما يتضح تأثره بمواقف يحيى هاشم وكيل النيابة الذي ترك عمله وهرب إلى الجبال؛ تأثرا باعدام سيد قطب، وحارب الشرطة إلى أن لقي مصرعه.
ويشير الظواهري في كتاب “الفرسان” إلى لقائه بصالح سرية صاحب تنظيم الفنية العسكرية، ويصفه بأنه “حلو الحديث مثقف إلى أبعد الحدود”. ولا شك أن تلك الشخصية كانت من أهم الشخصيات التي صاغت وتداولت فكر التكفير، واعتبرت المجتمع المصري بشكل خاص مجتمعا جاهليا.
ويتوسع أيمن الظواهري في التكفير فيعتبر الديمقراطية كفرا واضحا؛ لأنها تعطي للمجتمع حق التشريع من دون الله، ويقول الرجل في كتابه “الحصاد المر للإخوان المسلمين”: “إن الترشح لعضوية مجلس الشعب شرك بالله؛ لأن حق التشريع لله وحده“.
ويعضد الرجل حكمه ببعض النقولات لأبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، كما ينقل فتاوى قديمة لكثير من الأئمة والفقهاء، أمثال ابن تيمية وابن حجر العسقلاني والإمام النووي تقول: “إن من اعتقد أنه يمكنه أن يشرع من دون الله فقد كفر“.
التخوين والكذب
ويمتد التخبط بأيمن الظواهري فى أحكامه المتشددة إلى قراءته للتاريخ، فيزعم في كتاب “الحصاد المر للإخوان” أن سعد زغلول كان أحد دعاة الانسلاخ عن الحضارة الإسلامية، ويدعي أن الحركة الصهيونية اخترقت حزب الوفد بعد تأسيسه؛ معتمدا على رواية تقول: “إن ليون كاسترو مؤسس الحركة الصهيونية في مصر عمل سكرتيرا لسعد باشا زغلول”، وقد حاولت أن أبحث عن أصل تلك المعلومة فلم أجد لها ذكرا في مذكرات قادة ثورة 1919، وفي الكتاب الممنوع لمصطفى أمين الذي حكى أدق تفاصيل الثورة.
المهم أن الظواهري حاول تجميع كافة المثالب ووصم الزعيم سعد زغلول بها، منها أنه تزوج كريمة مصطفى فهمي أول رئيس الوزراء في عهد الاحتلال، ومنها أمور شخصية وردت في مذكرات سعد زغلول نفسه، لكنها لا يمكن الاعتداد بها في الطعن في وطنية مثل ذاك الزعيم، ويتناسى “الظواهري” عند حديثه عن الوفد دماء الشهداء التي سالت في ثورة 1919 وجهاد الشيوخ والشباب بالمال والنفس؛ للحصول على الاستقلال.
ويدعي الرجل في جرأة تاريخية غريبة أن الإنجليز هم الذين أعادوا الوفد إلى الحكم في أعوام 1930، 1936، و1942 وهو قول مردود لم يقل به أي من المؤرخين الكبار، مثل الدكتور محمد فريد حشيش، الذي أرخ لتاريخ حزب الوفد، والدكتور عبد العظيم رمضان، وعبد الرحمن الرافعي. كما لم يقل به أي من الباحثين المحسوبين على التيار الديني مثل المستشار طارق البشرى والدكتور محمد عمارة.
وفي نفس الكتاب “الحصاد المر” يسخر أيمن الظواهري من حسن البنا لأنه بعث إلى النحاس ببرقية يقول فيها: “إن النحاس باشا يتميز بصدق الدين والتمسك بالإسلام”. ويعلق الظواهري قائلا: “إن البنا غير صادق فيما قال”.. إن ذلك يتعارض مع إجماع أحباء وأعداء النحاس باشا نفسه من أنه كان متدينا مستقيما نزيها مخلصا لوطنه، حتى إن عبد الناصر نفسه قال للسادات عنه: إنه يعتقد أن النحاس باشا ولي من أولياء الله الصالحين.
ويسخر “الظواهري” من عمر التلمساني مرشد الإخوان الثالث؛ لأنه كان يقول إنه كان وفديا، وإنه كان يتتبع سعد زغلول؛ ليستمع الى خطبه. ويقول الظواهري في كتاب “الحصاد المر” معلقا: “وهذا الكلام لا يصدر إلا من رجل لم يعرف يوما ما هي عقيدة الولاء والبراء”، وتمتد سهام الرجل الطائشة ليكفر الملك فاروق وعبد الناصر والسادات وحسني مبارك وجميع وزرائهم ومحبيهم وأنصارهم، كما تمتد للطعن في علماء الدين وجماعة الإخوان نفسها، وقادة الأحزاب السياسية والكتاب والصحفيين.
اتهامات العمالة
وتظهر إحدى سمات “الظواهري” الغريبة عندما ينقل لقرائه اتهامات بلا أدلة، فيقول مثلا عن الكاتب الراحل مصطفى أمين في كتاب “الحصاد المر”: “إنه كان عميلا مزدوجا للمخابرات الأمريكية وعبد الناصر”، ويقول في نفس الكتاب عن هيكل: “إنه معروف بعمالته للأمريكان“.
ويذكر أن اتهامات العمالة التي أطلقها الرجل ستستمر وتمتد حتى إلى أصدقائه، حتى إنه ينال من محاميه وصديقه منتصر الزيات في كتاب “فرسان تحت راية النبي”، فيقول: “إن “منتصر” يتمتع بتسهيلات لا يستطيع أن يتمتع بها كثير من الوزراء في مصر، إنه ينفذ مخترقا أعتى سجون مصر ليقابل مَن يشاء مِن قادة الحركة، ويخرج بعدها لينظم مؤتمرا صحفيا ليعلن ما يشاء في حرية“.
وينقل منتصر الزيات عن أسامة رشدي أحد قادة الجماعة الإسلامية الذين أعلنوا التراجعات: “إن الدكتور عبد الله عزام إمام المجاهدين في أفغانستان نفسه لم يسلم من اتهامات الظواهري بالعمالة للأمريكان تارة وللسعوديين تارة أخرى، ولا أنسى قبل اغتيال عزام بيوم عندما كان يعاتبنا على علاقة الجماعة الإسلامية بالشيخ عزام“.
القتل سهل جدا
إن كتب ومقالات الظواهري تنضح بفكرة القسوة والشدة واستسهال القتل، وكثيرا ما ينقل ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، ووصفه بأنه المبعوث بالسيف والذبح، وفي كتابه “شفاء صدور المؤمنين” ينقل الظواهري نقولات غريبة وشاذة لفتاوى قديمة، تقول بجواز قتل الكفار إذا ما احتموا بكفار أبرياء، بل وبمسلمين أبرياء.
ويقول صراحة في ذلك الكتاب: “يجوز قتل الترس”، بمعنى إذا كانت المصلحة ضرورية في ذلك، وينقل الرجل مقتطعات من فتاوى للإمام الشافعي والقرطبي والجصاص تقول: “إنه إذا رمى مسلم الكفار ومات مسلم كانوا يحتمون فيه فتجب الدية فقط“.
ويكرر الظواهري تلك الأحكام في كتابه “التبرئة” وهو أحدث كتبه، حيث تم الانتهاء منه ونشره عام 2008، ويفتي اعتمادا على ذلك بإجازة قتل النساء والأطفال خلال الهجوم على الأعداء ما دام ذلك غير مقصود، ويعتب “الظواهري” على من وصف أحداث 11 سبتمبر بالإرهاب قائلا: وماذا يسمى الإغارة بالطائرات على العزل الأبرياء في السودان وأفغانستان؟ وينقل الظواهري في ذلك الكتاب الذي خرج ردا على مراجعات الشيخ سيد إمام فتاوى لمن أسماهم بـ”علماء أفغانستان” تؤكد شرعية أحداث 11 سبتمبر.
ويبدو أن قتل الأطفال أمر سهل لدى الظواهري، حتى إنه أقدم على إعدام صبي صغير عمره 14 عاما في السودان؛ لأنه اكتشف أنه ينقل أخبار التنظيم إلى أجهزة الأمن المصرية، وهذا الصبي هو ابن محمد شرف أحد أعضاء الجماعة، وقد أرغمه الظواهري أن يشهد إعدام ابنه رميا بالرصاص، وقد قرأت الواقعة لأول مرة في كتاب الصحفي الأمريكي بيتر برجن “أسامة بن لادن الذي أعرفه”، ثم أكدها منتصر الزيات في كتابه عنه، كما أكدها هاني السباعي رئيس مركز المقريزي الإسلامي، وينقل منتصر الزيات حكاية أخرى اشترك فيها الظواهري لتصفية “أبو خديجة” أحد قادة الجهاد لاعترافه تحت ضغط أجهزة الأمن في مصر، وذلك على الرغم من كون أيمن الظواهري قد اضطر من قبل إلى الاعتراف على مكان عصام القمري تحت وقع التعذيب!
والغريب أن الظواهري نفسه يبرر قتل القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود على أيدي رجال القاعدة في بساطة وهدوء في كتابه “التبرئة”، بدعوى عمالته للأمريكيين، كما أنه يبرر قتل من يسميه بـ “الطاغوت” السادات، ويطرح سؤالا تخيليا يقول فيه: “تصوروا ماذا كان يحدث لمصر لو لم يتم قتل السادات؟”، ويجيب الرجل في تَجَنٍ غريب على الرئيس الراحل وعلى التاريخ والساسة وعلى مصر كلها: “لو لم نقتل السادات لأصبحت مصر مقسمة إلى دويلات تحت النفوذ الصهيوني.
تحولات فكرية
وتكشف كتابات “الظواهري” أن تحولات خطيرة قد حدثت في توجهات واستراتيجيات أيمن الظواهري خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة عدة عوامل.. لقد كتب الرجل خلال فترة الحرب الأفغانية السوفيتية مقالا بعنوان “الطريق إلى القدس يمر من القاهرة”، كان يرى أنه لا يمكن التفرغ لمحاربة أعداء الإسلام الخارجيين، إلا بعد القضاء على أعدائه الداخليين؛ لذلك فقد كانت ضربات وهجمات الجهاد تركز على الحكومات القائمة في مصر والجزائر والسعودية، لكن حدث تغير في تحركات واستراتيجيات الظواهري منتصف التسعينيات من القرن الماضي؛ نتيجة اعتقال عدد كبير من أبناء التنظيم وتكرار الضربات المتلاحقة وفقدان شعبية حركة الجهاد، خاصة بعد مقتل الطفلة شيماء، ويرفض الظواهري ذلك التحليل، ويقول في كتاب “التبرئة”: “إن النظام المصري لم يستطع كبح جماح الحركة الإسلامية“.