ريحانة برس – هيئة التحرير
في كل يومٍ يزداد الحديث عن الهجرة في المغرب، ليس فقط بين الطبقات الفقيرة أو الباحثين عن فرص عمل في الخارج، بل حتى بين النخب والكفاءات العلمية التي كان يُفترض أن تكون في طليعة النهضة الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. فالشباب المغربي، الذي يحمل في داخله طموحات وآمال بناء مستقبلٍ أفضل، يجد نفسه مضطرًا للبحث عن هذا المستقبل خارج حدود الوطن. لكن السؤال المحوري هنا: من المسؤول عن دفع هؤلاء الشباب إلى اتخاذ قرار الهجرة؟ هل هي السياسة الحكومية التي أثبتت فشلها في توفير بيئة محفزة للإبداع والابتكار؟ أم أن هناك أزمة أعمق تتعلق بإدارة الأموال العامة وتوزيع الموارد بشكل عادل؟
المغرب، مثل العديد من الدول النامية، يعتمد بشكل كبير على القروض والمساعدات الدولية لتنفيذ مشاريعه الاقتصادية والاجتماعية. ومع تدفق مليارات الدراهم من هذه المساعدات، سواء عبر الضرائب المحلية أو القروض الدولية، يتساءل المواطن البسيط: أين تذهب كل هذه الأموال؟ لماذا لا نرى أثرها على أرض الواقع؟ لماذا يعاني المواطن من ارتفاع مستمر في الأسعار وتراجعٍ في القدرة الشرائية، بينما يُفترض أن هذه الأموال مخصصة لتحسين الحياة اليومية للمغاربة، وخاصة الشباب؟ أين هي المشاريع الاجتماعية التي يتحدث عنها رئيس الحكومة في كل خطاباته؟ وكيف يمكن للحكومة تبرير هذا التناقض بين ما يُعلن وما يعيشه المواطن يوميًا؟
يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين الخطابات السياسية المليئة بالوعود والشعارات وبين الواقع المعاش. فمنذ سنوات، والحكومة تكرر الحديث عن “المشاريع الاجتماعية” والتنمية المستدامة. لكن على أرض الواقع، يعاني الشباب من البطالة، ويشكو المواطن من غلاء المعيشة، ولا يُلمس أي تحسن حقيقي في الظروف الاقتصادية.
الأمر لا يتعلق فقط بغياب المشاريع، بل يتعدى ذلك إلى سوء توزيع الأموال العامة واستغلالها في غير محلها. أين تذهب الأموال التي يتم جمعها من الضرائب؟ ولماذا لا يتم توجيه المساعدات والقروض الدولية بشكل فعّال لتنفيذ مشاريع تمتص البطالة وتعزز فرص العمل للشباب؟ هل هناك خلل في التخطيط الحكومي، أم أن الفساد والتلاعب بالمصالح العامة هما السبب الرئيسي وراء هذا الفشل؟
الجزء الأكثر إثارة للجدل في المشهد السياسي المغربي هو تحول بعض السياسيين، الذين كانوا في السابق يعيشون حياة بسيطة، إلى أثرياء بعد توليهم مناصب حكومية. ظاهرة “إثراء السياسيين” أصبحت محط تساؤل واسع في الشارع المغربي. كيف يمكن لمسؤولين حكوميين، لم يكن لديهم أي ثروة تُذكر قبل توليهم المناصب، أن يصبحوا فجأة من كبار الأثرياء؟ هل أصبحت السياسة في المغرب وسيلة لتحقيق الثراء السريع؟ وهل بات العمل السياسي “منجم ذهب” يدر الأرباح دون رقابة أو محاسبة؟
هنا يبرز السؤال الأهم: أين هو قانون “من أين لك هذا”؟ القانون الذي كان يُفترض أن يضع حدًا لتضخم الثروات المشبوهة ويحاسب المسؤولين عن مصادر ثرواتهم. لماذا تم دفن هذا القانون؟ ومن المسؤول عن عرقلته؟ هل أصبحت الحصانة السياسية درعًا يحمي الفاسدين من المحاسبة؟ ولماذا يظل الفساد مستشريًا في أوساط السلطة دون أن يتم اتخاذ إجراءات حازمة لوقفه؟
المغرب، على الرغم من تقدمه في بعض المجالات، يعاني من غياب شبه تام للشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العامة. كيف يمكن لحكومة أن تطلب من الشعب تحمل تبعات الأزمات الاقتصادية، بينما هي نفسها غير قادرة على تقديم إجابات واضحة حول مصير مليارات الدراهم التي تُصرف دون أن يكون لها أثر واضح على الأرض؟
الأمر يتجاوز الوعود الانتخابية الفارغة إلى مسألة أخلاقية وسياسية جوهرية: من يخدم السياسة في المغرب؟ هل هي لخدمة الشعب وتطوير الوطن، أم أنها تحولت إلى وسيلة لتحقيق الثروات الخاصة على حساب المال العام؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يحق لكل مواطن أن يطمح لدخول المجال السياسي كطريق مختصر للثراء، بدلًا من الاعتماد على الكفاءات والجدارة؟
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر معلقًا: إلى متى سيظل الشباب المغربي، بمن فيهم الكفاءات والعقول المبدعة، يبحث عن فرصة للعيش بكرامة خارج الوطن؟ وإذا كانت الحكومة غير قادرة على توفير تلك الفرص داخل البلاد، فما الذي يمنعها من وضع استراتيجيات واضحة لتوظيف قدرات الشباب واستغلال الكفاءات في مشاريع وطنية حقيقية؟
المغرب بحاجة إلى نهضة تنموية حقيقية، تعتمد على الكفاءات المحلية، وتُستغل فيها الأموال العامة بشكل عادل وشفاف. وإلا، فإن البلد سيظل ينزف شبابه وعقوله إلى الخارج، بينما تتكدس الثروات في أيدي قلة قليلة من السياسيين الذين تحولوا إلى أثرياء في غياب أي رقابة أو محاسبة.
السياسة ليست “منجم ذهب” لتحقيق الثروات، بل هي مسؤولية وطنية يجب أن تُمارس بشفافية وإخلاص. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الشعب المغربي سيظل يطرح نفس السؤال: إلى متى؟
إرسال تعليق