الروائي العربي محمد الغربي عمران: تحية من صنعاء إلى الفقيه بن صالح، شكري وشوقي لأروع وطن…

  • بتاريخ : 4 نوفمبر، 2024 - 20:04
  • الزيارات : 261
  • ريحانة برس- أحمد زعيم 

    توصل موقع “ريحانة بريس” بنسخة مقتطف من دراسة نقدية مستفيضة للروائي العربي الكبير محمد الغربي عمران صاحب ( مصحف أحمر) (ظلمة يائيل) (حصن الزيدي) و( الثائر) و( مملكة الجواري ) و (بر الدناكل). لرواية ” أتربة على أشجار الصبار” للقاص والروائي عبد الواحد كفيح من مواليد 1961، عضو اتحاد كتاب المغرب، من مؤلــفــاته: – مجموعة قصصية “أنفاس مستقطعة ” فائزة باستحقاق منشورات وزارة الثقافة المغربية سلسلة الكتاب الأول 2006 – مجموعة قصصية ثانية ” رقصة زوربا ” فائزة باستحقاق منشورات وزارة الثقافة سلسلة إبداع سنة 2010 – مجموعة قصصية رسائل الرمال.
    و رواية “روائح مقاهي المكسيك” 2014- رواية أتربة على أشجار الصبار…، هذا مضمونها:

    “صديقي العزيز الروائي الجميل عبد الواحد كفيح
    تحية من صنعاء، إلى الفقيه بن صالح.
    شكرا لهديتك “أتربة على أشجار الصبار”. الصادرة عن أكورا، . والتي وصلتني في القاهرة. ثم رافقتني في رحلة العودة إلى صنعاء.شكري، وشوقي لأروع وطن، وطن المحبة والسلام. كما أزجي شكري لتك اللقاءات التي ربطت بيننا أواصر الصداقة. في القنيطرة، والناظور.
    صديقي، اسمح لي أن أعبر لك عن إعجابي بهذه الرواية، وأن أناقشها معك، في كلمات قليلة، فأنا أحسب نفسي قارئا شغوفا.

    منذ أن قرأت لك روايتك السابقة. “روائح مقاهي المكسيك” وأنا أنتظر الذي يليها. فلماذا أنت مقل ياصديقي؟!.
    أرى غلاف ” أتربة على أشجار الصبار” بلوحته التي توزعها اللون الأخضر بدرجاته المختلفة، ثم البرتقالي والأبيض، لتتصدره نبات الصبار بشموخ لافت.
    عنوان الرواية، جاء فريدا باعثا على التساؤل، لتتقاذف القارئ عشرات الأسئلة، بحثا عن دلالته. ما خط على الغلاف ورسم على صفحات الرواية التي تجاوزت الثلاث مائة صفحة.
    لا أعلم ياصديقي من أين تأتيك مثل تلك الأفكار، ولا الشخصيات. لقد جعلتني أقف متأملا، باحثا عن إيحاءات لتلك الشخصية “فقيه بو عزة” أو الزعيم.
    الغلاف الأخير للروائة: “لا أحد يعرف بالضبط كيف ولا متى ولا من أي طرف من الدنيا أتى ذلك الداهية الغريب.. قيل طلع بغتة من جوف الأرض، أو هبط فجأة من السماء. كل ما يعرفه كبار القوم من أسياد القبيلة وحكمائها الأوائل، أنه راع من الرعاة، ملأ الدنيا وشغل الناس واستولى على العقول والأفئدة وكبل الألسن وكمم الأفواة!”.
    هذه صفات الأنبياء، وبالذات “محمد”. ذلك الكائن الذي حير من حوله، وحير من بعده، ولا يزال يحير حتى اليوم. كثيرا ما يثار الجدل بين مؤمن به ونقيضه. وهذا أنت تأتي بشخصية حمالة أوجه.
    هذا ياصديقي ما توحي به الصفحات الأولى، لكننا نجد الراوي يفصح لنا سر غموضه، وأسباب اكتسابه لتلك القدرات التي أرعبت من حوله وجعلتهم عبيد صاغرين. في حين تعود أسباب قوته وغرابته، أنه أصطاد أرنبا، ويبدو أن ذلك الكائن شيطان، فقد فاجأة بكلامه مثل أي انسان، مساوما له أن يطلقه “عاهده أن يهبه إذا ما أطلق سراحها، هدية لا تقدر بمال، ولا ذهب… مفاتيح كنوز سليمان، وعصا موسى، ومصباح علاءالدين، ومفاتيح كنوز قارون، وجبروت هامان، وحكمة لقمان…”. ليبدأ بعد امتلاكه لقدرات خارقة عهد جديد، يهيمن بعدهاعلى سكان قرية “دوار مريم”. بقدراته الغيبية، تطور الأمر إلى استخدام الحيلة لسلبهم ما يمتلكون، محولا فقيه القرية إلا إمعه منقاد، يروج له ولكراماته بما يمتلك من قدرة تطويع الآيات والأحاديث النبوية لإقناع الناس بضرورة طاعة الزعيم الطاعة العمياء “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”. و”لا نعيم ياسادة فوق نعيمه الا نعيم الجنة، وان الدنيا فانية مهما ابتسمت لنا او ضحكت/ الدنيا غرارة والاخرة هي ملاذ القرار. وان الطريق إلى الجنة الزهد في ملذات الحياة…”.
    ذلك الطاغية الذي وظف الدين، في سبيل أطماعه، كما نشر أزلامه ابواقا بين الناس يبشرون بقدراته، من ناحية، تلك القدرات التي لا يمتلك بعضها إلا الله، الذي يقول للشيء كن فيكون، ليصبح هو فوق الرسل والأنبيا بل وفي مكانة الله، يصنع ما يشاء بهم ومتى يشاء.
    صديقي العزيز إنك تخط أروع أعمالك، حيث تفتح الأبواب على كثير من التأويلات، حول رمزية ذلك الطاغية، فكل مجتمع له طواغيته، وكل عصر له طواغيته، فقد أراه أنا طاغوتي الخاص بي، معذبي، مدمر وطني، وقد يراه المواطن المغربي في معذبه وطاغوته. قس على ذلك كم هي المجتمعات، وكم لطاغوت هذه الرواية من أوجه على عدد المجتمعات البشرية، ليس في هذا العصر بل في عصور مضتـ وعصور آتية.
    فقط أسألك لماذا جعلتها رواية ترتكز على الوصف، هل أردتها وصفية، هي كذلك رواية وصفية. تمنيت لو أنك لملمتها فالزمن زمن الرواية النوڤلا. فلها مضمون مدهش، شخصيات مدهشة، كل منها له خصائصه المختلفة، والمختلف أنها في مجملها شخصيات مركبة، ما يبعث على التشويق والإدهاش.
    احتوت الرواية على رمزية سياسية، في شخص بوعزة. كما أحتوت على مسحة شفيفة من سمات التاريخية، وكذلك لها بعد اجتماعي. ولم يغب عنها الحب. إذ أن تطعيمك لها بالقليل من عذاباته، المتمثل في صالحة وهيامها بالشرقاوي أعاطها نكهة.
    كما سبق وذكرت، لست بناقد، بل قارئ يحاور كاتبه، ويعرف قدراته على صنع ما يدهش كما هي روايتك السابقة، وكما هذه الأكثر إدهاشا. لديك قدرة لافتة على الوصف والحكي. كما هي القدرة على مسك خيوط الشخصيات، فلا يختفي شخص دون سبب، وذلك ما يحسب لك. أكرر لماذ كل ذلك الوصف؟َ!.
    ظننت بعد روايتك السابقة أنك لن تكتبـبدا. بعد أن مضت سنوات منذ صدورها، ولم أسمع عن جديد، لكنك فاجأتني بهذه الرواية القوية في مضامينها وشخصياتها، فبحق الجحيم أي قدرة تمتلكها لجمع كل الطغاة في شخصية “بوعزة”، وتلك الأساليب التي اتبعها هي أساليب كل الأباليس عبر التاريخ، وتأتي أيضا بالدين كأداة لتخدير مجتمع الرواية، بعد أن تحول في عصرنا إلى معضلة، وما من مجتمع تخلص من، أو قلص دوره إلا وتطور في سلام، وسادت الاعدالة.

    رحلة تشريد الميلودية ومحمد البدوي”صعصع” وزوجته وابنهم الشرقاوي. من قرية إلى أخرى، حتى وصولهم إلى مدينة على سواحل البحر، لم يستوعبوا تعقيداتها ولا إتساعها إلا بعد حين من الشقاء.
    هنا أتوقف قليلا عند وصفك لحياة هوامش المدن، تلك الأحياء التي تعيش مجتمعاتها بعيدا عن أبسط مقومات الحياة، هي إدانة للسلطات، ونقد لاذع بعد تصويرك الدقيق لحياة شبيهة بالمزابل. تعمقت في أكثر من مسار، محمد وصراعه مع عصابات حي سينما كاليبوس، بعد أن كان يبيع سجائرة وحلوياته على رصيفها، ومسار والدته الميلودية التي انتهى بها المطاف كنباشة وباحثة عن رزقها في براميل وأكوام الزبالة. وصف دقيق لوشع لا انساني لسكان هوامش المدن.
    تذكرنا هذه الرواية برواية “الخبز الحافي”للراحل محمد شكري، حيث تشترك الروايتان في تسليط الضوء على مسار نزوح وتشرد سكان الأرياف، وتلك المدن التي ترفضهم. وصف لمشاهد صادمة، وكأن عين كاميرا يرى القارئ من خلالها تلك الحياة الغير لائقة.
    أعتمدت على تقريب شخصياتك الثانوية من خلال عناقيد حكائية. تبثها هنا وهناك، حكاية والد محمد وموته مسوما، الميلودية تحكي ظروف ولادته، حكايات متعددة للميلودية، علاقة محمد مع الجابية التي حرضته على الدفاع عن نفسه، حتى تحول بعدها من ابن ريف، إلى بلطجي وقد أكتسب خصائص ابن قاع المدينة.
    هكذا أدرت دفة السرد في ثلاث مسارات، الطاغية ومجتمع دوار مريم، ثم مسار حياة الميلودية وأسرته. ثم مسار الشرقاوي.
    حين تنتقل في صفحة 173إلى حياة الشرقاوي التي انقطعت أخباره منذ تخلفه هن أسرته، وكأنك تذكرت ذلك الصبي لتنسج أروع فصول الرواية بعد أن قادته قدماه إلى قرية أو “دوار الربعي”، ليعمل مع الحاج حمادي الذي أواه وأستخدمه، لكن زوجته الصالحه تعشق فتوة الصبي وتهيم شبقا به، وهنا تبدأ حكاية مشوقة، تنتهي بقتل الصالحه لزوجها، ، وتقاد إلى سجن مظلم. هنا تبدأ لملمة خيوط ثلاث حكايات. محمد الذي أصبح عضو المجلس التشريعي، بفضل الشيخ الروبيو، أو أنها زوجته من أثرت عليه ليقترح محمد مرشحا عن ساكني الصفيح، تلك الزوجة التي كانت تطفي لهيبها بمحمد، وحكاية الزعيم في دوار مريم بعد عودة محمد ليقتص منه. لكنه يفاجأ بأن القائد قد قتله لشكه بأنه كان يأتي نساءه خفية. لتتبلول الميلودية ،ولم يكن لها إلا التبول على قبره، بل ونبشه،. ثم نهاية حكاية الشرقاوي الذي ظل يحلم بالزواج من حبيبة صباه “زينة” وما يمت بصلة من حكايات أخرى.
    هي لعبة، أو متاهة أتقنت صنعها، مشاركا قراءك، بين فصل وآخر، بتوجيه الحديث إليهم. فمثلا حين أمست شخصيات الرواية تكيد لبعضها البعض، تناجي قارئك في صفحة 215 “وأنا الراوي أبحث لك أيها القارئ عن مكائد بين هذه السطور، وأتصيد لك المقالب والمطبات…”، ثم ص 218″نسيت أن أقول لكم أنه أقتنى ثلاث جرار…”. وأيضا في73 “كان بالامكان وخلافا لكل التوقعات أن نشعل حربا شرسة بين العجوز وطاقم اسرتها من جهة، والفقيه الحكيم وازلامه من جهة ثانية…”. وكذلك في صفحة 66″نسيت أن أخبركم أن دار القائد…”. وص 54″تخيل معي عزيزي القارئ، لو انفلت خيط السرد، من يد الراوي، لا قدر الله، وتشعبت الأحداث في كل منحى وإتجاه…”. ص13″وهكذا استطاع في مملكة الجهلاء أن يشيد له صرحا متينا…”… الخ تلك المناجاة. فهل أردت نوعا من التجديد في بنى الرواية؟.
    أسماء شخصياتك كان اختيارا ذكيا فقد كانت انعكاسا لمجتمعها: “بوعزة، ميمونة، عباس أزلماط، محمد، أمديدش، أحميده بن داوود، هارون، الشرقاوي، زينة، أمبارك، الميلودة، يزة، علال، الصالحة،النماش…”.
    كذلك الفضاء المكاني بمسمياته المختلفة كان له حضور، من المدينة البحرية التي لم ترد ذكرها، إلى أماكن مثل: سينما الشعب، حديقة العشاق، شارع المجاهدين الأحرار، ملعب العوفير، حانة الاوزة الحمراء، ماخور السلطانة بنت زرياب، سينما كاليبسو، حي المزاليط، سوق الغفلة. دوار الربعي، دوار مريم، بوادي الزهيرات، جبل مويريق، بحيرة الزعفران…
    واسألك هل خططت قبل كتابة هذا العمل؟. أو فكرت أثناء الكتابة بالتجريب. فقد بدت مناجاتك للقارئ شيئا لم نألفه في كتابة الرواية، أم أن تلك المناجاة بنت لحظتها!. ثم تلك المسارات الحكائية الثلاث التي أجدت حبك أحداثها ونسج علاقات شخصياتها.
    نأتي ياصديقي للنهاية، وبالذات نهاية ذلك الطاغية، هل تشعر أنك استعجلت، وأنها كانت بحاجة للمزيد من التروي. أم أنك أردت للقارئ أن يبحث عن نهايات تخصه لتلك الشخصيات ، خاصة وقد أشركته من خلال توجيه خطابك إليه بين فصل وآخر.
    أكرر اعجابي بهذا العمل الأكثر عمقا، والمبهر في وصف عذابات سكان الهوامش، وتصوير أساليب الطغاة.
    تحية لروائي متجدد، دوما ننتظر بشوق لجديده، خاصة وأنه يغوص في مجتمع أقصى مغرب الوطن العربي. يصطحبنا
    بمهارة إلى دهاليز القاع لنكتشفها ونتعرف إليها معه.