أحاديث الفتن أحاديث ذات شجون، وهي كغيرها من الأحاديث فيها الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليها الموضوعات التي لا تصح. فقد حاول أقوام وضع كثير من هذه الأحاديث
أحاديث الفتن أحاديث ذات شجون، وهي كغيرها من الأحاديث فيها الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليها الموضوعات التي لا تصح. فقد حاول أقوام وضع كثير من هذه الأحاديث تسويقًا لفرقهم ومذاهبهم، أو طعنًا في مُخَالِفِيهم، أو إدخالًا للشكوك والظنون في الدين والطعن في نبيه وأهله.
وأحاديث ومرويات ظهور (الرايات السود) و(السفياني) من الآثار التي تعددت طرقها وألفاظها في كتب الفتن والملاحم وأشراط الساعة. وقد سعت بعض الفرق والطوائف في استغلال هذه المرويات لدعواتها ابتداء، أو في استغلال ما ورد فيها من أوصاف وأسماء لتجسيده على أرض الواقع وإسقاطه عليها، فدخل على هذه المرويات زيادات كثيرة وإضافات مختلفة.
ويرى بعض المحققين أن حديث (الرايات السود)، رغم طرقه وألفاظه بالغة الكثرة – التي امتلأ بها كتاب “الفتن” لنعيم بن حماد – لا يصح مرفوعًا ولا موقوفًا، وكذلك شأن أحاديث (السفياني)، فإنه لا يثبت منها شيء أيضا[1].
وحيث ذهب بعض العلماء إلى أنَّ ضعف الإسناد لا يقتضي على الدوام ضعف المتن، كما أنه لا يلزم – أحيانًا – من صحة السند صحة المتن؛ فقد يصح المتن مع ضعف السند لوروده من طريق آخر، أو ثبوته في الواقع العملي كما ورد؛ فإذا ورد حديث ضعيف يخبر عن وقوع شيء ما فوقع كما ورد؛ كان ذلك قرينة يتقوى بها، وإن لم يُجزَم بنسبته للرسول وبصحته؛ فإننا يمكن عقد مقاربة بين الواقع الحالي وأحاديث (الرايات السود)، لا على سبيل تصحيح السند وتكلف إثبات المتن، ولكن على سبيل إعمال العقل في تدبر الواقع على ضوء مرويات محتملة الورود.
وهنا يمكن الإشارة إلى أن أحاديث (الرايات السود) تتفق مع أحاديث الملاحم والفتن عمومًا فيما يلي:
أولا: إشارتها إلى قيام فتن داخلية عظيمة في الأمة، وصراع داخلي عنيف، يحصد الأمة ويقضي بفناء كثير من أبنائها.
ثانيا: إشارتها إلى أن أرض الشام – بما فيها فلسطين امتدادًا إلى العراق والأردن وسيناء – ، ستكون أرض ملاحم وفتن في آخر الزمان، وذكر أسماء مدنها أو حواضرها أو معالمها.
ثالثا: حضور العنصر الهاشمي باعتباره إما منقذًا أو باعثًا للفتنة.
رابعا: سرعة التحولات والتقلبات وسعة الانتشار والتأثر في الأمة.
خامسا: ارتباطها بفصيل له أثره التاريخي في مسيرة الأمة، ألا وهم الخوارج اسمًا أو صفة. ومفردة “الخوارج” في هذا الإطار لا تقتصر على الحرورية، بل يشمل كل خارج على الأمة بالسيف مستحلاً دمها وعرضها ومالها تكفيرًا لها.
وإذا ما عرفنا يقينًا بأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أخبر بجميع الفتن الكائنة بعده لأصحابه، في أكثر من موقف عام وخاص[2]، وأن بعض أصحاب الرسول – رضي الله عنهم – الذين حفظوا عنه هذه الأحاديث أمسكوا عن نشرها والتحدث بها، لعدة أسباب منها:
خشية أن يفتنوا الناس بها فيظلوا معلقين بترقبها، وهي أمور موكولة للقدر والمسار السنني الكوني، في حين أنهم مطالبون بالعمل والأخذ بالأسباب.
خشية أن تُفهَمَ خَطَأً وتُستَغَلَّ في مواجهة الآخرين استنادًا للظنون والإسقاطات المستعجلة.
خشية أن تُكذَّبَ وتُنكَر ممن يسمعها.
خشية أن يعتدى على المحدث بها إسكاتًا له.
فإننا يمكن أن نؤكد على أنه لا يبعد أن يكون لمرويات (الرايات السود) أصل جرى التحريف فيه، أو الزيادة عليه، أو إدخال إسقاطات تاريخية عليه[3]. وحيث اختلف العلماء في الأخذ بالحديث الضعيف على ثلاثة مذاهب، فمذهب يرى أنه لا يجوز قبوله ولا العمل به مطلقًا، والمذهب الثاني يرى أنه يقبل ويعمل به مطلقًا، والمذهب الثالث يرى أنه يقبل ويعمل به في الفضائل العملية والمواعظ والقصص ونحو ذلك، مما ليس له تعلق بالعقائد والأحكام، وهو مذهب جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم، فإننا في سعة من إجراء هذه المقاربة التأملية.
وإذا ما أجرينا ذات الاعتبار في أخبار أهل الكتاب على هذه الأحاديث الضعيفة، من حيث عرضها على ما ثبت لدينا صحيحًا من أدلة وأمارات، أو أصول وقواعد، أو أخبار وأحكام، فإننا يمكن أن نخرج من مزلق تصحيح الروايات لأجل قبولها، ويكفينا هنا أن نشير إلى مدى اتساقها مع المرويات المتعلقة بأحاديث الفتن وأشراط الساعة الصحيحة والثابتة لاستقراء أمرٍ محتمل تشهد له وقائع الحال ومعطيات المشاهدة.
الفتنة في المشرق:
أغلب المرويات حول الطائفة المنصورة تشير إلى أهل الشام، والشام، وبيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وأحيانًا يطلق على هذه المنطقة في أحاديث الفتن = المغرب. وفي مقابل هذا الوصف يأتي اعتبار منطقة العراق وخراسان – التاريخيتين – مشرقًا، بالنظر إلى موقعها من المدينة المنورة.
لهذا ثبتت أحاديث كثيرة يشير فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأن الفتنة في المشرق، أو من المشرق، حيث يطلع قرن الشيطان، وفي الأحاديث أنه كان يشير إلى نجد، أو العراق، فعنه عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الفِتنَةَ تَجِيءُ مِن هَاهُنَا)، وأَومَأَ بِيَدِهِ نَحوَ المـَشرِقِ، (مِن حَيثُ يَطلُعُ قَرنَا الشَّيطَانِ؛ وأَنتُم يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ)[4]، وفي روايات أُخَر: (قَرنَ الشَّيطَان).
وقال عليه الصلاة والسلام: (يأتي المسيح – أي الدجال – من قبل المشرق) الحديث[5]. وعنده أيضا أنه قال: (إنَّ الدجال يخرج من أرض بالمشرق يُقالُ لها: خُراسان)[6].
وفي بعض الروايات – وإن كان فيها مقال – يربط الرسول – عليه الصلاة والسلام – بين الخوارج وظهور الدجال والمشرق: (سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع)، حتى عدها زيادة على عشرة مرات، (حتى يخرج الدجال في بقيتهم)[7]!
وفي بعض الأحاديث يشير الرسول الكريم إلى أنَّ: (رأسُ الكُفرِ قِبَلَ المـَشرِقِ)[8]!
ومرويات الرايات السود – باعتبارها فتنة كما سيأتي معنا – تشير إلى ظهورهم من المشرق تارة، ومن خرسان تارة، وهذا يتفق مع ظهور فرق الخوارج – الحرورية والرافضة – التي ظهرت من هذه الجهة. غير أنه جرى في بعض المرويات – رغم ما في بعضها الآخر من ذم – الإشارة إلى أن المهدي سيكون فيها، وأنه يجب اتيانها ولو حبوًا على الثلج، ما يدل على أنَّ التحريف دخل على هذه المرويات على عكس ما يُشعِرُ كثيرٌ من ألفاظها بأنها رايات فتنة[9]. ففي المرويات: أنها تطلع، أو تجيء، أو تخرج من (قِبلِ المـَشرِق)، أو مِن (خُرسَان)؛ وأن أعمال هذه الرايات هي القتل وسفك الدماء: (فيَقتُلُونَكُم قَتلاً لم يَقتُلَهُ قَومٌ)، (فتَستَبيحُهُم)، (يَقتُلُونَ أَعلامَ ذلك الزَّمَان، حتى يهربوا منهم إلى البرية)[10]، (يَسِيلُونَ عليكم سَيلاً) وفي هذا إشارة لسرعة انتشار ضررهم، وسوف يصيب الناس منهم شقاء عظيم، حتى يبلغوا دمشق أو المغرب – يعني الشام[11] فترفع عنها الرحمة، لكثرة ما يقع عليهم من السيف (ثم تعاودها الرحمة، ويرفع عنهم السيف)!
وهذا القتل الذي تشير إليه الروايات إنما هو لما يتمتعون به من غلظة وفظاظة: (قلوبهم كزبر الحديد)، (ليست لهم رأفة ولا رحمة على عدوهم)، وفي روايات أخر:(شديدة رقابهم)[12]! وهذا يتناسب مع وصف الخوارج الذين لا يرحمون أهل الإسلام ويضعون السيف فيهم، ظنا منهم أنَّ هذا هو الجهاد الحق. لذلك جاء في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (يَقتُلُونَ أَهلَ الإِسلاَمِ ويَدَعُونَ أَهلَ الأَوثَانِ، لَئِن أنَا أَدرَكتُهُم لَأَقتُلَنَّهُم قَتلَ عَادٍ)، صحيح البخاري. ومعلوم أنهم يقتلون أهل الإسلام بتأويل فاسد، في حين أنهم يتركون العدو البيِّن. لذلك جاء الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم – في بعض الروايات لكبار الصحابة بقتل رجل منهم، كان يصلي، فتهيبوا لذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (لَو قُتِلَ مَا اختَلَفَ رَجُلانِ في أُمَّتِي حَتَّى يَخرُجَ الدَّجَّالُ)[13]، وفي رواية: (والذي نفس محمـد بيده، لو قتلتموه لكان أول فتنة وآخرها)[14].
فتنة عمياء
يظهر لي – والله أعلم – أنَّ مفهوم (الرايات السود)، وُظِّفَ تاريخيا لصالح بعض الدعوات، واتُّخِذَ شِعَارًا، في حين أنَّ ظاهر النص قد لا يراد لذاته. فالراية لا تمدح أو تذم – في الشرع – لألوانها، وإنما لكونها رايات حق وعدل أو باطل وظلم، ولعلَّ المشار إليه في مرويات الحديث هو الأمرين معا؛ فهي رايات سود ظنًا منهم أنها اتباع ظاهر للنص، ورايات سود من حيث أنها “رايات عِمِّيَّة”، تفتح على الأمة باب فتنة وضلالة. لذلك جاء في بعض الألفاظ: (إن أولها فتنة، وأوسطها ضلالة، وآخرها كفر)!
ولذلك روي في شأن الفتن التي تكون بين الأمة بأنها “فتن كقطع الليل المظلم”، وهذا خلاف الجهاد مع الأعداء – الكفار الظاهر كفرهم باتفاق – فإنه لا يوصف بأنه فتنة مطلقًا. فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم، فليكن كخير ابني آدم)[15]. والكفر في الفتنة هو ضرب رقاب المسلمين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تَرتَدُّوا بَعدِي كُفَّارًا، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ)[16].
ولهذا جاء في ألفاظ بعض الروايات أنهم (يسألون الحق) وفي رواية (العدل)، وفي أخرى (الخير)؛ وهذا دأب الخوارج منذ طليعتهم – ذي الخويصرة الذي طالب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعدل، والحرورية الذين رفعوا شعار (إن الحكم إلا لله)! فقضيتهم وإن بدت عادلة من خطابهم، لكنها مُفرَغَةً مِن المضمون. ولعلَّ رفض الناس لمطالبهم، ومنعهم ما يسألونه، يرجع لكونهم ينزلون الأمور في غير مواضعها تكلفًا، لذلك جاء في بعض الروايات: (فلا يُعطَونَه)، مرتين أو ثلاثًا، أي أنه تتكرر مطالبتهم، ويتكرر رفض المسلمين لهذه المطالب، وهذا الامتناع عن النزول إلى مطالبهم يقودهم إلى القتال واستباحة الدماء: (فيُقَاتِلُون فيَنتَصِرُون)، فإذا ما انتصروا: (فيُعطَونَ مَا سَأَلُوا) لكنهم (لا يَقبَلُونَه)! وهي عادة الخوارج أنهم لا يقبلون توبة الناس، ولا يأخذون العذر منهم، لذلك فهم لا يقبلون الحق أو العدل أو الخير بعد أن يعطوه!
وظاهر من المرويات أنَّ بدايتهم ستكون بسيطة، فهم (لا يُؤبَهُ لهم) كما في بعض الروايات، وفي بعضها: (قوم ضعفاء يجتمعون)، لكنهم لقوة بأسهم يفتتحون المدن فتفتح عليهم، وكما جاء في بعض الألفاظ: (يؤيدهم الله بنصره)، وهو تعبير لا يتفق مع مسار التحذير، والأظهر أنه روي بالمعنى، والأقرب منه أنَّه (لا تزال الرايات السود ظاهرة على من ناوأهم)، أو (في أسنتها النصر)، ولا يلزم من ذلك التأييد الإلهي الذي يشير لرضى الله عنهم؛ لذلك جاء في ذات الروايات: (فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم)، أو (فيقاتلونكم قتالا لم يقاتله قوم). وهذا يدل على أنَّ سيفهم سيكون وبالا على الأمة لا من أجلها!
لذلك جاء في بعض المرويات: (فالزموا الأرض فلا تحركوا أيديكم[17] ولا أرجلكم)، وهي إشارة تناسب توجيهات أخرى حذر فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم – من أن يكون المرء مشاركًا في الفتنة بلسانه أو يده، أو أن يكون ساعيًا فيها أو ماشيًا[18]. وليس المقصود – والعلم عند الله – عدم مدافعتهم، بل عدم اتباعهم فيما هم عليه، وإلا ثبت عنه – عليه الصلاة والسلام – دعوته لقتال الخوارج، وتوعده إن أدركهم أن يقتلهم قتل عاد[19]! كما ثبت عنه امتداحه لمن قتلهم وقتلوه: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)[20].
من المحتمل أن تدوم فتنة (الرايات السود) وتأخذ حظها في الأمة، حتى تكون لهم دولة وكيان، وسيصيب الأمة منهم كرب عظيم، حتى يخالف الله كلمتهم ويقع السيف بينهم – كما جاء في المرويات. ومن تتبع فرق الضلال والباطل – التي حملت السيف على الأمة من فرق التشيع والخوارج والباطنية – يجد أنها استطاعت إقامة دولها بالسيف؛ وأنَّ زوال دولها كان ابتداؤه خلافهم وافتراقهم واقتتالهم فيما بينهم، فمناهجها العقدية والفكرية والسلوكية تحمل بذور تدميرها في ذاتها.
جاء في بعض الروايات: (فيطول أمرهم ومدتهم)، وفي رواية: (فلا تزال دولتهم حتى يظهر النجم ذو الذناب، ويختلفون فيما بينهم)، وفي أخرى: (يبايع لغلامين منهم، فإذا أدركا اختلفوا فيما بينهم)، وفي بعضها: (حتى يختلفوا فيما بينهم)، أو (يخالف بعضهم بعضا)، وبعضها يربط هذا بتحول في الشام: (فيطول اختلافهم حتى ترفع بالشام ثلاث رايات، فإذا رفعت كان سبب انقطاع مدتهم).
وأيًّا كان الأمر،؛ فأهل الأهواء يسلط عليهم المولى تعالى ذات سيف البغي والعدوان الذي يرفعونه على الأمة؛ فيذيق بعضهم بأس بعض بما كانوا يظلمون، فهذه العلامة على فنائهم تتسق مع الأخبار النبوية الأخرى، ومع سنن الله تعالى في البشرية، ومع الخبرة والتجربة الإنسانية التي سجلها علماء التاريخ لهذه الفرق عبر عصور الإسلام.
غير أنَّ بعض الإشارات تشير إلى أنَّ لهم دولة أخرى ستقام في المغرب[21]، وأنَّ كلا منها – فيما يظهر – سيتسمى بالخلافة أو إمارة المؤمنين، وأن نزاعا ربما ينشب بين هاتين الدولتين رغم اتفاق دعواهما.
هل المرويات تقترب من واقعنا اليوم
منذ نهاية تسعينيات القرن المنصرم شهدت ساحات الجهاد في أرض أفغانستان مولد “تنظيم القاعدة”، الذي أسسه عدد من المجاهدين العرب الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، ومنذ ذلك الحين تصدر هذا التنظيم – الذي تحول إلى شبكة واسعة من التنظيمات المصغرة العابرة للحدود – المشهد الإعلامي حول صورة الجهاد ونصرة قضايا الأمة. ولا يخفى على المتابع أن هذا التنظيم أَخرَجَ، لعوامل عِدةٍ، رؤيةً فكريةً خاصةً به تتعلق بالجهاد وتطبيقاته. صاغت هذه الرؤية مرجعيات مختلفة التأصيل، إلا أنها في غالبها تميل للتشدد والغلو والتطرف. وشيئًا فشيئًا تحول التنظيم من فكرة مواجهة الأعداء المحتلين للأمة من الخارج إلى الأعداء الداخليين، باعتبارهم الجدار العازل لهذا العدو، وبهذا اتجهت كثير من مسائل التنظير لتقعيد مسائل تتعلق بتكفير المسلمين، واستحلال دمائهم، وأخذ هذا التنظير يمارس على أرض الواقع من خلال أعمال تستهدف قوى عسكرية وأمنية، وقبائلية عشائرية، وحزبية وفكرية، ومراجع دينية.
ومع ضراوة المعركة مع هذا التنظيم، وشراسة الهجوم عليه من قبل الأنظمة؛ ومع الاستنكار الذي يوجه له، رغم يقينه بعدالة قضيته وصوابية مساره؛ أصبحت قيادات عدة في التنظيم، خلافًا للقيادات القديمة، ترى أن جزءًا من معركتها يجب أن يتجه نحو التيارات الإسلامية التي تقف مخالفة لها، ومنددة بأعمالها، في حين تمد يدها للأنظمة أو تقف في صفها!
وهذه القيادات هي التي دفعت شيئًا فشيئًا إلى بروز “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، والتي انتهى شأنها إلى “دولة الخلافة الإسلامية”، وشأن أميرها إلى “خليفة” للمسلمين، واجب السمع والطاعة! وهذا تحول خطير لم يدركه كثير من المتابعين في مسيرة القاعدة التاريخية، حيث ابتدأت كحركة مناصرة للشعوب المسلمة المحتلة، وتنظيم يسعى لرد العدوان والدفاع عن المسلمين، ومقاومة تقف أمام الغزو الأجنبي للأمة، إلى مشروع سياسي يستهدف إقامة دولة إسلامية وفق رؤيته، بعيدًا عن قبول الحاضنة الشعبية والاجتماعية المضيفة له، بكل أطيافها ومكوناتها.
وبعيدًا عن فقه التغيير، والعمل الإصلاحي العميق والمتجذر في الأمة، وتوسيع قناعة القبول لدى الأمة، والتدرج معها، يأتي فرض الرؤية العقدية والفكرية والنموذج التطبيقي الخاص بالتنظيم، الذي فقد كثيرًا من مرجعياته الشرعية والدعوية نتيجة الأخطاء ومظاهر الغلو والتطرف التي باتت تسيطر على قياداته العملية والمرجعية، وفي ضوئها يتم تصنيف الناس وتطبيق مبدأ الولاء والبراء ولوزامه العملية عليهم!!
وهنا تواجهنا هذه الرواية – رغم ضعفها: (إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض، فلا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يَدعُون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء). ومعلوم أنَّ ابتداء القاعدة هي رايات سوداء كتب عليها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وجميع هذه الصفات حقيقة قائمة في غالبية منتسبي التنظيم، إلى حين أعلن “الدولة الإسلامية”. فليس لهم أسماء يعرفون بها إلا الكنى، نتيجة مطاردتهم أمنيًا، وتتبعهم استخباريًا، ولما جرت عليه عادة المجاهدين في مراحل معينة. كما أن نسبتهم إلى بلدانهم وقراهم أكثر منها إلى عشائرهم وقبائلهم، وفي بعض المرويات (قبائلهم – أو أنسابهم – القرى). وهم يرخون شعورهم بشكل ظاهر، وفي رواية: (شعورهم إلى المناكب)!
ومن الطبيعي والحالة هذه، وقد رأى كثير من محبي الجهاد ومنتسبي القاعدة قيام دولة إسلامية تعلن سيطرتها على مساحات من أرض الشام، وتطبق الشريعة، أن يحافظوا على هذا المكتسب ويقاتلوا عليه قتالًا عنيفًا، فقد تحقق حلمهم الذي طالما تغنوا به ونافسوا عليه الجماعات والحركات الإسلامية التي تنشد الأمر ذاته – وإن كان بصورة وآلية مختلفة.
ولا غرابة إذًا أن يكون شعارهم كما في رواية: (أمت أمت)! وأن (لا يردها – أي: راياتهم – شيء)! وأن يقتل كل (عدو لهم)! فالقضية لديهم قضية فريضة وواجب ديني، وحلم وأمل منشود ضحوا من أجله لعقود، وواقع سيجدون في ظله أمنًا وطُمَأنينة ومجالًا لإكمال طموحهم نحو الخلافة الإسلامية[22].
وهنا يمكن القول بأنه تغيب الرؤية الشرعية المعتدلة والعقل المتزن، كما جاء في حال من وصفهم رسول الله في حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه، وفيه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخاف عليكم الهرج)، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: (القتل)، قالوا: وأكثر مما يقتل اليوم إنا لنقتل في اليوم من المشركين كذا وكذا؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس قتل المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا)، قالوا: وفينا كتاب الله؟ قال: (وفيكم كتاب الله عز وجل)، قالوا: ومعنا عقولنا؟ قال: (إنه ينتزع عقول عامة ذلك الزمان، ويخلف هباء من الناس يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء)[23]. فيؤخذ الإنسان بغير جريرة، كما جاء عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: “إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي أن يؤخذ الرجل منكم البريء فيؤشر كما تؤشر الجزور، ويشاط لحمه كما يشاط لحمها، ويقال عاص وليس بعاص”[24].
أما الجديد في المشهد؛ هو أنَّ أثرًا ينسب إلى علي – رضي الله عنه – يشير فيه إلى كون قيادة هذه الفئة ستكون في شخص من نسله. وفيه: (يرسل الله على أهل الشام من يفرق جماعتهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، وعند ذلك يخرج رجل من أهل بيتي في ثلاث رايات، المكثر يقول: خمسة عشر ألفا، والمقلل يقول: اثنا عشر ألفا، أمارتهم: أمت أمت، على راية منها رجل يطلب الملك، أو يبتغي له الملك، فيقتلهم الله جميعا، ويرد الله على المسلمين ألفتهم وفاضتهم وبزازتهم). قال ابن لهيعة، وأخبرني إسرائيل بن عباد، عن محمد بن علي، مثله، إلا أنه قال: (تسع رايات سود). وبهذا سيكون التجديد في فتنة “الدولة الإسلامية” اتخاذ العلوية شعارًا على غرار “الإمامة” عند الطوائف الشيعية!
في حين تشير مرويات أخر إلى أن نهايتهم هي على يد هذا العلوي الهاشمي: (حتى يدفعوها [وفي رواية يدفعونها] إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطًا [وفي رواية عدلًا، وفي رواية قسطًا وعدلًا]، كما ملئوها جورًا [وفي رواية ظلمًا، وفي رواية ظلمًا وجورًا]).
ويبقى أن نشير إلى أنَّ موجة الدعوة العلوية بدأت ترتفع في الأمة مجددًا، في تصديق لخبر الهادي المعصوم حول فتنة السراء، والتي يكون: (دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، إنما وليي المتقون)! وهي ذات الحال التي شهدتها الأمة في قرون سابقة وأفضت بها للاحتراب والاقتتال الداخلي وتغلب الأعداء عليها، فوضع فيها السيف ولم يرفع عنها حتى اليوم[25].
والأيام كفيلة بتجلية الصحيح من غيره؛ وسيقضي الله أمرًا كان مفعولًا ..
[1] جاء في مرويات “الرَّايَاتُ السُّودُ” الإشارة إلى “خُرَسَان” و”الفُرس”، ودولة بني العباس، والمهدي، ويظهر جليا أنَّ غالبية هذه المرويات مكذوبة، كونها تجعل للفرس دورًا في نصرة المهدي، وأنَّ ظهوره منها، وأنها تمثل دولة العدل وإنصاف آل البيت. ولذلك فغالبية هذه الروايات يأنس بها الشيعة ويروجونها بإضافات وزيادات كثيرة مكذوبة. وفي المقابل فهي تجعل الهزيمة لأهل المغرب “الشام” وتذم “السفياني” والذي يظهر في هذه الروايات كشخصية مصطنعة تشير إلى بني أمية، أو أعداء آل البيت. وعلى العكس تمامًا فإن من المعلوم من الأحاديث الصحاح أنَّ غالبية أحاديث الفتن تبشر بأثر الشام والحجاز واليمن في المعارك الكبرى، وتجعل فارس والروم محلًا للقتال والفتح مجددًا؛ وأنَّ أغلب التحذير والتشاؤم الوارد في الأحاديث يشير إلى المشرق، أو نجد، أو جهة خرسان.
[2] جاء عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أنه قال: “والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة، فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسرَّ إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله قال: وهو يحدث مجلسًا أنا فيه عن الفتن، أو – وهو يعد الفتن: (منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار). قال حذيفة: “فذهب أولئك الرهط كلهم غيري”. رواه مسلم.
[3] لم انشغل كثيرًا بتخريج المرويات في هذه الورقة نظرا لأن كلام أهل العلم حولها يتفق غالبه على ضعفها سندًا، ولكن جهدي اقتصر على تتبع واستقراء الألفاظ التي وردت في هذه المرويات أيًا كان الحكم عليها.
[4] رواه مسلم: 2905.
[5] رواه مسلم: 1380.
[6] رواه أحمد في مسنده؛ والحاكم في مستدركه، وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد.. ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
[7] وفي رواية: (حتى يخرج الدجال في نفسهم). انظر الحديث: في مسند أحمد، ومصنف أبي شيبة، ورواه الحاكم في مستدركه وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه فقد اتفقا جميعا على أحاديث موسى بن علي بن رباح اللخمي، ولم يخرجاه.
[8] رواه مسلم: 52.
[9] وبعض الروايات تشير إلى أن المهدي سيخرج على إثرهم! وعلى أنه سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأوها ظلما وجورا!
[10] يروي بعض الأشخاص أن بعض العلماء والدعاة والمجاهدين فروا من الفتنة الواقعة في العراق والشام لا من النصارى وأذنابهم من الرافضة ولكن من جماعات الغلو والتطرف! وأنهم هربوا مستخفين لأنهم لا يقيمون لهم حرمة، ولا يرون لهم عذرا، ويستبيحون دمائهم بأدنى الشبه!
[11] جاء عن أبي أمامة أنه قال: “لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق”، رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن، وأحمد واللفظ له، وفيه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشام).
[12] لم أجد من تحدث عن هذا الوصف، فهو تركيب لغوي ظاهره أنَّ رقابهم قوية، أما إذا أريد منه معنى مجازي فإنَّ الرقبة يعبر بها عن الإنسان نفسه، من باب تسمية الشيء ببعضه، فيكون المعنى أنهم أهل شدة في نفوسهم. وقد يكون المعنى المجازي للرقبة هنا الغِلُّ، وهو من باب إطلاق اللفظ وإرادة المجاور لها أو محله، وقد استخدم في القرآن: ((فك رقبة))؛ فيكون المعنى شديدة أغلالهم التي فرضوها على أنفسهم حتى استعبدتهم، دونما تكليف من الله.
[13] رواه أبو يعلى في مسنده، وذكره الآجري في كتاب الشريعة، وحكم حسين سليم أسد بضعف إسناده.
[14] رواه أحمد في مسنده، وقال شعيب الأرنؤوط – ومن معه من محققي المسند: رجاله رجال الصحيح، لكن في متنه نكارة، وقد تفرد به مسلم بن أبي بكرة عن أبيه، وعثمان الشحام عن مسلم بن أبي بكرة، وعثمان وثقه غير واحد، لكن قال فيه يحيى القطان: تعرف وتنكر، ولم يكن عندي بذاك. وقال النسائي: ليس بالقوي، مع أنه قال فيه في موضع آخر: ليس به بأس. وقال الدارقطني: يعتبر به، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم. وأخرجه ابن أبي عاصم في “السنة” (938)، من طريق روح بن عبادة، بهذا الإسناد.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل: (إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم..)، وذكر حديث الخوارج. وإسناده ضعيف.
وعن أنس عند البزار (1851 – كشف الأستار)، وأبي يعلى (90) و(3668) و(4127) و(4143)، والبيهقي في “الدلائل” (6/287 – 288)، وأبي نعيم في “الحلية” (3/52 و226). وطرقه كلها ضعيفة.
وعن جابر بن عبد الله عند أبي يعلى (2215)، ورجاله رجال الصحيح.
ورابع من مرسل عامر الشعبي عند سعيد بن يحيى الأموي في “مغازيه”، أورده الحافظ في “الفتح” (12/299)، وفيه أن الرجل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله اعترض عليه في قسمة الغنائم، وقال: إنك لتقسم وما نرى عدلا.
قوله: “أرعدت” قال السندي: على بناء المفعول، أي: أخذها الاضطراب. وقوله: “لكان أول فتنة وآخرها”، أي: لما وقعت بعده فتنة.
وقد أورد الحافظ شواهد الحديث في “الفتح” 12/299، واستدل بها على أن هذا الرجل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله هو ذو الخويصرة – أو ابن ذي الخويصرة – التميمي الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف: “إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. “، وذكر الحديث.
وقد سلف ذكر أحاديث هذا الباب عند حديث عبد الله بن عمرو السالف برقم (7038).
قلنا: وقد جاء في هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل هذا الرجل عندما استأذنه بعض أصحابه في ذلك، وهو الصحيح في هذا الباب، وهذا يخالف ما في حديث أبي بكرة من إذنه صلى الله عليه وسلم بقتله.
وسلف من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي برقم (16160) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل رجل، ثم رجع عن ذلك ردا للأمر إلى ظاهره، لكون هذا الرجل كان يشهد أن لا إله إلا الله، وقال السندي في ذلك الحديث: الأقرب أن يكون أمره صلى الله عليه وسلم بقتله عملا بباطن الأمر، ثم ترجح عنده العمل بالظاهر لكونه أعم وأشمل له ولأمته، فمال إليه وترك العمل بالباطن. قلنا: وقد يحمل حديث أبي بكرة على ذلك إن صح، والله أعلم. أ. هـ.
وقال الشيخ الألباني في تخريجه لكتاب “السُّنَّة” لابن أبي عاصم: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم، غير شيخ المصنف، وهو الحسين ابن محمد بن شنبة أبو عبد الله البزار وهو ثقة.
والحديث أخرجه أحمد (5/42): ثنا روح عن عثمان الشحام به؛ وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي (6/225): رواه أحمد والطبراني من غير بيان شاف ورجال أحمد رجال الصحيح.
قلت: ثم روى أحمد (5/44) بإسناده المذكور المتن الذي قبله مثله إلا أنه قال: (فأنيموهم فالمأجور قاتلهم). أ. هـ.
[15] رواه ابن ماجة، وصححه الألباني. وفي بعض ألفاظ الحديث عند الإمام أحمد – في مسنده – قالوا: فما تأمرنا؟ قال: (كونوا أحلاس بيوتكم)، وهو عند الحاكم، وقال عنه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفي لفظ آخر: (والزموا أجواف بيوتكم). وهنا نكتة أن الإمام أحمد روى بسنده عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس، كان مع الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قرية، فخرج عبدالله بن خباب، ذَعِرًا يجُرُّ رِدَاءَه، فقالوا: لم تُرَع؟ قال: والله لقد رعتموني. قالوا: أنت عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فهل سمعت من أبيك حديثا يحدثه عن رسول الله تحدثناه؟ قال: نعم، سمعته يحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي)، قال: (فإن أدركت ذاك فكن عبدُ الله المقتول)، قال أيوب: (ولا أعلمه إلا قال: ولا تكن عبدُ الله القاتل). قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله؟ قال: نعم. قال: فقدموه على ضفة النهر، فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك نعل ما ابذقر، وبقروا أم ولده عما في بطنها.
[16] رواه البخاري ومسلم، وهذا اللفظ عند البخاري، وعندهما (لا ترجعوا) بدل (لا ترتدوا).
[17] فيه إشارة لعدم حمل السلاح والقتال فيها، جاء عند الحاكم عن الفتن، أن الرسول أوصى صحابته في هذه الفتن بقوله: (كُفَّ نفسك ويدك وادخل دارك)، وهو يناسب المعنى الوارد المذكور.
[18] عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِن القَائِمِ، والقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِن المـَاشِي، والمـَاشِي فيها خَيرٌ مِن السَّاعِي، ومَن يُشرِف لها تَستَشرِفهُ، ومَن وَجَدَ مَلجَأً أو مَعَاذًا فليَعُذ بِهِ)؛ رواه البخاري.
[19] انظر حديث البخاري (3344)، ومسلم (1064)، في شأن الرجل الذي اعترض قسم الرسول – صلى الله عليه وسلم، وقال له: “اتق الله يا محمد”!
[20] انظره في مسند أحمد (1302)، تخريج أحمد محمد شاكر؛ وفي مستدرك الحاكم: (وهم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم).
[21] هذا يتسق مع حالة الانتشار التي تلقها الأفكار المتطرفة في كل من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا وغيرها. حيث أصبح لديها حضور مسلح وقوي يهدد استقرار المنطقة، ويمكن أن يفاجئ المنطقة بتحول سريع على ميدان الأرض!
[22] جاء في حديث لأبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا تقوم الساعة حتى..، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: (القتل)؛ رواة البخاري ومسلم. وعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وأخاه وأباه)، رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: (رقم 3185). وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي – رضي الله عنه، فيما يرويه عن الرسول في الخلال السِّت التي تكون بين يدي الساعة: (وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته). رواه البخاري. وعند ابن حبان: (ثم فتنة تكون بينكم حتى لا يبقى بيت مؤمن إلا دخلته). وعند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ست من أشراط الساعة)، وذكر: (وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم).
[23] رواه الحاكم في مستدركه.
[24] رواه الحاكم في مستدركه.
[25] وهذا مصداق حديث الرسول الكريم: (إذا وُضِعَ السيفُ في أُمتي لم يُرفَع عنها إلى يومِ القِيَامةِ). وهو عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حبان والحاكم، وغيرهم.