الرأسمالية الاجتماعية

  • بتاريخ : 12 أكتوبر، 2024 - 21:15
  • الزيارات : 75
  • ريحانة برس- عبد الواحد بلقصري         (باحث في علم الاجتماع السياسي)

    يشير مصطلح “رأس المال الاجتماعي”، الذي اشتهر بعد أن صاغه عالـِم السياسة روبرت بوتنام من جامعة هارفارد في تسعينيات القرن العشرين، إلى “سمات المنظمات الاجتماعية، مثل الشبكات، والمعايير، والثقة التي تسهِّل العمل والتعاون لتحقيق المنفعة المتبادلة”، يشمل هذا المفهوم الغامض بعض الشيء القيم المشتركة، والعادات السلوكية، ومصادر الثقة المتبادلة والهوية المشتركة التي تسمح للمجتمع بالعمل. 

    كلما ازداد رأس*1* المال الاجتماعي الذي تتمتع به أي مجموعة، تعاظم استعدادها وقدرتها على العمل بشكل جماعي في ملاحقة أهداف قيمة،وفي ظل الليبرالية الجديدة والتفاعلات التي اقترنت بسياساتها، كان طبيعيًّا أن يبلغ التفاوت الاجتماعي المدى الذي وصل إليه فـي داخل الدول، و فـيما بينها على حد سواء. وكان هذا التفاوت أحد أهم ما سعى الليبراليون الجدد إلى إثبات أنه أمر طبيعي فـي دراسات اعتمدت على مناهج حديثة فـي العلم الاقتصادي، وقدموا من خلالها ما أسموه مبدأ الاستحقاق Desert Principle، الذي أسهم فـي بلورته عدد من الأكاديميين، مثل: «دانيال بيل» فـي كتابه (بزوغ مجتمع ما بعد الصناعة) عام 1973، و «روبرت نوزيك» فـي كتابه (الفوضى والدولة واليوتوبيا) عام 1974.

    ولاننسى أن هذا المفهوم هو نتيجة التراكمات الفكرية والسياسية للفكرالالماني ونجد مثلا مؤسس الوحدة الألمانية بسمارك Bismarck حينما أقبل على إقامة نظام الحماية الاجتماعية من أجل تضييق الخناق على البروز السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي المحظور، وبالتالي دمج الحركة العمالية الألمانية.

    وشهد هذا التعريف المقتصر في البداية على الحماية الاجتماعية، انتشارا متزايدا ليشمل أربعة ركائز أساسية للدولة الاجتماعية، وهي على الشكل الآتي: الحماية الاجتماعية، وتقنين علاقات الشغل (الحق في الشغل والمفاوضة الجماعية)، والخدمات العمومية، والسياسات الاقتصادية (ميزانياتية، نقدية، تجارية، دخلية…) المدعمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل.

    وفي عصرنا المعاصر ومع التضخم الذي عرفته الرأسمالية المالية والازمات الاقتصادية التي عرفها النظام الرأسمالي نتيجة الاحتكار وتغول الشركات المتعددة الجنسية التب أصبحت بحكم هيمنتها الاقتصادية وجماعاتها الضاغطة تتحكم في العديد من الأنظمة السياسية عبر العالم، دون أن ننسى الاشتراطيات السياسية لصندوق النقد الدولي الذي أصبح يوجه السياسات العمومية للبلدان المتخلفة ،كل هاته الأشياء أثرت بشكل كبير على السياسات الاجتماعية الممنهجة للعديد من الدول…

    ومع ظهور جائحة كورونا طفى إلى السطح هذا المفهوم كبديل يمكن أن نحقق به نموا اقتصاديا مبنيا على بناء الجسور وتكثيف الروابط الاجتماعية ودعم الاقتصاد الإجتماعي التضامني المبنية على ترسيخ الاستثمار في الثقافات المحلية والهويات المشتركة التي بواسطتها يمكن خلق الثماثل الاجتماعي والاقتصادي.

    في الأخير يمكن القول أن جائحة كورونا بينت مدى فشل العولمة النيوليبرالية وسياساتها الاجتماعية المبنية على التوزيع غير العادل للثروات والتي خلقت تفاوتات اجتماعية شاسعة وفي نفس الوقت أكدت للعالم أنه بدون إعادة الاعتبار للأنظمة الاجتماعية المبنية على العدالة الاجتماعية والمجالية لا يمكن التغلب على المشاكل المعقدت للمجتمعات المعاصرة في زمن معولم لا يرحم.