الدكتور محمد بشاري – ريحانة برس
في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم، يطرح تساؤل عميق نفسه: هل يمكن للأخلاق أن تكون منظومة مستقلة عن الدين؟ أم أن الدين يظل ركناً أساسياً في تشكيل العمق والغاية الأخلاقية؟ هذه الإشكالية ليست وليدة اللحظة، بل امتداد لجدل فكري وفلسفي طويل.
يتبنى البعض رؤية مفادها أن القيم الإنسانية المشتركة قادرة على إنشاء نظام أخلاقي متماسك، حيث تعتمد على مبادئ كونية مثل العدل، والاحترام، والمساواة. من هذا المنطلق، يرى هؤلاء أن الإنسان قادر، بعقله وإرادته الحرة، على بناء أخلاق تُعنى بتنظيم المجتمع وتلبية احتياجاته، دون الحاجة إلى مرجعية دينية.
على النقيض، يرى فريق آخر أن الأخلاق دون الدين تفقد جوهرها وسموها. الدين، في هذا السياق، لا يُعتبر مجرد مصدر للأوامر الأخلاقية، بل هو أساس يمنح القيم معناها الأعمق ويربطها بغايات سامية تتجاوز الضرورة الاجتماعية. وفق هذا الرأي، الدين ليس مجرد إطار خارجي للأخلاق، بل هو قوتها الدافعة التي تُوجه الإنسان نحو الارتقاء الروحي والتوازن الداخلي.
لكن المشكلة التي تواجه مجتمعاتنا لا تكمن في الدين ذاته، بل في التدين، أي الفهم الإنساني للنصوص المقدسة. التدين، باعتباره اجتهاداً بشرياً، قد يتحول إلى منظومة تفرض قيوداً على الإبداع الفكري، إذا ما رُفِع إلى مرتبة القداسة التي تُكمم الأفواه وتقتل روح النقد. وهنا يأتي السؤال: كيف يمكن التمييز بين قدسية الدين وطبيعته الإلهية من جهة، وإنسانية التدين ونسبيته من جهة أخرى؟
مجتمعاتنا، رغم امتزاج الدين بالأخلاق في دساتيرها وخطاباتها العامة، ما زالت تعاني من فجوة بين القيم النظرية والتطبيق الواقعي. فكيف يمكننا ردم هذه الفجوة؟ وهل المشكلة في النصوص نفسها أم في آليات قراءتنا وتطبيقنا لها؟
ما بين الدين كمنظومة مقدسة والتدين كتجربة بشرية، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في دور الدين والأخلاق في حياة الإنسان. الأخلاق التي تستمد معناها من الدين لا يجب أن تتوقف عند حدود الالتزام الظاهري، بل يجب أن تهدف إلى بناء إنسان متوازن، قادر على تحقيق السلام الداخلي والانسجام مع مجتمعه.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن للقيم الإنسانية وحدها أن تضمن أخلاقاً صادقة وذات عمق، أم أن الدين يظل ضرورة لضمان استمرارية هذه الأخلاق وتحقيق غاياتها العليا؟ الإجابة لا تقتصر على نظرية فلسفية، بل تتطلب رؤية شاملة تسعى لتحقيق توازن عملي بين الروحانية والإنسانية.
امين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة
إرسال تعليق