تماشيا مع أدبيات و ميثاق الخط الرسالي بالمغرب القائمة على نشر قيم الحوار و الانفتاح و المواطنة ، فقد قرر الخط الرسالي بالمغرب القيام بسلسلة من الحوارات
أجرى الحوار محمد المحمدي الحموشي ( أبو آية)
تماشيا مع أدبيات و ميثاق الخط الرسالي بالمغرب القائمة على نشر قيم الحوار و الانفتاح و المواطنة ، فقد قرر الخط الرسالي بالمغرب القيام بسلسلة من الحوارات مع فعاليات مدنية و شخصيات إسلامية ووطنية داخل النسيج المجتمعي المغربي، بغية مشاركة الأفكار و الرؤى من أجل تجسير الهوة بين مختلف الفرقاء داخل الساحة الوطنية ، لخلق فضاء يسوده التعايش ٠
و أول المحاورين في هذه السلسلة هو الدكتور أحمد الزقاقي من قياديي جماعة العدل و الإحسان و عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، و فيما يلي نص الحوار:
أمام تنامي موجة الفكر التكفيري وتصاعد خطاب المذهبية والطائفية والتطرف،ما السبل إلى حماية المغرب من هذا الفكر وهذا الخطاب؟
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه
التكفير يعكس أزمة في التفكير،وفقرا في أخلاق المواسعة والمسامحة،والطائفيون والمذهبيون والمكفرون لم ينالوا حظا واسعا من العلم والتزكية،وعندما تنفصل التزكية عن العلم فانتظر كل شيء،ولذلك انصبت وظيفة النبوة على التعليم والتزكية ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) ،وليس العلم ما تكدست فيه النقول وانتكست الإرادة،والأولوية في دراسة الظاهرة ومعالجتها يجب أن تعطى للعوامل الداخلية،المتمثلة أولا في تغييب العلماء الحقيقيين عن مواقع الإرشاد والبيان والتوجيه للشباب،فالكثير منهم يكون حديث عهد بتوبة فتقع عينه أول ما تقع على كتب الريال السعودي الصقيلة،فتُفهمه أن أزمة الأمة تتمثل في شرك القبور وتشغله بذلك عن شرك القصور،وتخلق لديه الجرأة على العلماء وعلى المخالفين بحيث لا يوجهون اللوم إلى أنفسهم كي يوبخوها على ما فرطت في جنب الله،فيرفعون من شاؤوا إلى سماء التقديس وينزلون بمن شاؤوا إلى حضيض الشيطنة،ومرة وقفت على موقع إلكتروني لبعض الحَرْفيين خصصوه لما أسموه بدع العلامة محمد حسين فضل الله رحمه الله،وخصص آخرون موقعا لكشف ” خرافية” عبد السلام ياسين رحمه الله،فضلا عن كل ذلك فإن الاستبداد يبوء بإثم كبير وهو أنه ينزع من الناس مخافة الخالق ويحل محلها الخوف من المخلوق،فتنتشر آفات التردد والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق والشك والسب والقذف،وأضف إلى كل ذلك الفقر الذي تمنى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه لو كان رجلا لقتله،وهذا هو الأمن الروحي الحقيقي الذي نبه عليه الباري جلا وعلا في قوله ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فالأمن من الظلم يُشعر الإنسان بقيمة وطنه،أما هضم الحقوق فيورث العقوق،عقوق الوطن، وعقوق ذوي الفضل والسابقة من الصحب والآل،ولا سبيل أمام المغرب لحماية المغرب من ظواهر التطرف والتكفير إلا أن يستمع وينصت إلى جميع أبنائه وبناته وبدون إقصاء،بكلمة أخي لا حل إلا في الحوار،مع العلم أن الدولة في كثير من الأحيان تنهى عن خلق التكفير وتأتيه،وما عليك إلا أن تقرأ أدبيات الحقل الديني الرسمي التي تسم المخالفين والمعارضين بالخوارج والمشاغبين،والمقاربة الأمنية لا تفعل أكثر من دفع المتشددين للتشبث بمقالاتهم،لا بد من حوار بين العلماء الراسخين والشباب في تيارات التدين الجديد للوقوف على المعاني الحقيقية لإسلامنا العظيم
مسألة الحرية وحرية الاعتقاد والتدين واحدة من القضايا التي أثير الكثير من الخلافات حول أبعادها رغم المصادقة الرسمية على الاتفاقيات الأممية بحرية المعتقد والتدين ما رأيكم؟
لعل من دروس ومستفادات الصوم في هذا الشهر الفضيل أن يحب الناس الله عز وجل بالحرية لا بالإكراه،لأن الإكراه يصنع المنافقين ولا يصنع المؤمنين،وهذا من مشمولات قوله سبحانه ( لا إكراه في الدين) وقوله ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ،فالحرية مبدأ أصيل مع تغييبه بدأت دورة تخلف الأمة وانحدارها وانتكاسها،ابتدأت الدورة بمصادرة حق الأمة في اختيار من يسوسها ويحكمها،دُشِنت المصادرة بالانقلاب الأموي على خلافة الراشدين الأربعة الكبار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم،وآخر تجل للمصادرة إعلان ” داعش” للخلافة وتقديم أحد الصبية كخليفة للمسلمين، ونتج عن مصادرة حق الأمة في اختيار الحاكم اختزال حقوق الإنسان في حق إنسان واحد هو الحاكم فظهرت مقولات ” السلطان ظل الله في الأرض” ، وتضخم فقه سياسي تقليدي يطلب من الأمة بذل طاعة مطلقة للمتغلبين من الحكام،هذه الردة السياسية كان رائد مواجهتها بلا منازع السبط الشهيد سيدنا الحسين رضوان الله عليه،ويقظة الشعوب الأخيرة استمرار للمواجهة الحسينية للردة السياسية،طبعا دخل على الخط من لا يريدون وجه الله،والمتسلقون والمتملقون والحرفيون ومن يتحيزون بالحسين لا للحسين،ولكن ليشبعوا نهمهم إلى المال والسلطة
حرية الاعتقاد مطلب شرعي وحكمة بشرية إذا روعي الحرص على الجماعة ووحدة الأمة واجتناب القذف والسب وتقليب المواجع،واستدعاء المآسي التاريخية،ما أحوج الأمة إلى الرجوع إلى عهود البراءة الأصلية قبل نشوء الخلاف،وفي إسلامنا سعة وما يغني عن التماس موجبات حرية الاعتقاد في المواثيق الدولية،وأنتم تعرفون أنها غالبا ما تستعمل كذريعة للتدخل في شؤون الدول لفرض خصوصية عالمية واحدة،لا خصوصيات متعددة،كما أنها وليدة سياقات فلسفية معروفة من حيث الموقف من الفرد والمجتمع والدولة والدين والسياسة والحريات الفردية والحقوق والواجبات والثروة والقرار الوطني
هل يمكن أن تعطونا ولو نبذة عن المشروع المجتمعي الذي تطرحه جماعة العدل والإحسان؟
الشيء بالشيء يذكر،من أهداف مشروع جماعة العدل والإحسان استنقاذ الناس من براثن التطرف والجهل والفقر والتكفير،لأن هذه الآفات كلها مشغلة عن إخلاص العبادة لله عز وجل،فهي تطلب الحرية لنفسها وللآخرين ليس إلا، وبعد ذلك الناس أحرار فيما يختارون،تعتقد العدل والإحسان أن ثمة مليار ونصف من الناس يُسَمون مسلمين يتقاسمون اعتقادا جازما مفاده أنهم ميتون ومبعوثون ومحاسبون ومجزيون على أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر،وهذا الاعتقاد حتى لا يبقى في سماء التجريد يلزمه خطة عملية تجعل القلب حيا بالإيمان،لا تشغل عنه الشواغل النقابية والاهتمامات السياسية والمقارعات الفكرية،قلب مع الله ويد تعمل في البيئة الملوثة تصلحها،فمشروعها فكرة حصنتها بتنظيم هو مجرد وسيلة وليس غاية في ذاته،وليس من شرط الدخول فيه السلامة من الأخطاء،هو عمل بشري يسعى إلى مقاربة الصواب وجمع الطاقات وتوجيه الجهود لإحقاق الحق والعدل: العدل في الحكم والقضاء بضمان استقلاله،والعدل في القسمة وتوزيع الثروات،بما يعنيه كل ذلك من إسقاط للشرعيات الزائفة،ومحاولات تحنيط الدين،واحتكار الكلام فيه،وسن سياسات في الحقل الديني يراد منها حقيقة إلجام العلماء بلجام من نار وهم الذين أخذ الله تعالى علهم الميثاق كي يبينوا ولا يكتموا،ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر في غير ضراء مُضرة ولا فتنة مُضلة،كما أن مشروعها في كثير من جوانبه مشروع تصحيحي: تصحيح للتاريخ بملء البياضات التي تركها المُزَوِرون فيه من قبيل السكوت عن التبعات المأساوية للانقلاب الأموي على الخلافة الراشدة،وما أفضى إليه ذلك من تشتت وفرقة واقتتال واشتباكات مذهبية وطائفية،وتعتقد “العدل والإحسان” أن لا سبيل إلى فض تلك الاشتباكات إلا إذا تخلص السنة من “آفة السلطان”،وتخلص الشيعة من “آفة العوام”،وهو ما عبر عنه الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله بقوله:” ” إن مسايرة علماء أهل السنة والجماعة للسلطان، ومسايرة علماء الشيعة للعامة الذين منهم أرزاقُهم وعليهم اعتمادُهم، يُفسر سقوط الأمة في “دسيسة” تاريخية خافية وبادية. العالم الشيعي المرجع له أتباع، وعالم القصر له أطماع، ذاك تسلط عليه أتباعه، وهذا أرْدَتْهُ أطماعه. والحاكم الغاصب والرعاع السائب مناخ ملائم للاستخفاف والتحريف”،وتصحيح لمدارس التربية حيث ساد في تاريخنا التصوف التبركي الطرقي المنعزل عن الشأن العام والمزكي للسياسات الظالمة،في غفلة عن التصوف السلوكي العملي القائم لا القاعد،وتصحيح للفقه الذي انحبس في العبادات ولم يفصل القول في الفقه السياسي نتيجة للاستبداد،و انحبس في أشكال التحيزات الفقهية ضد المرأة،ومن المعاني التي تستبطنها التوبة المراجعة والرجوع،ولذلك تقول العدل والإحسان: نحن جماعة تتوب إلى الله وتدعو غيرها للتوبة بدون أستاذية ولا تعالم،في إطار الحرية ولا إكراه،رجوع على النفس باللوم والتوبيخ وحملها على الجادة ،ورجوع على الفقه والتراث بالنقد البناء،وهو ما يقتضي اجتهادا مجددا،لأن الذي يقلد لا ينتقد.
الجماعة كانت أ طلقت نداء للحوار وطرحت ميثاقا،أين وصل ذلك؟
هذه الدعوة سيدي ما زالت قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها،ولا يزيد مرور الأيام والسنين هذه الدعوة إلا تأكيدا،وأنت تعلم أن من الاختلالات الكبيرة في مغربنا هو التدبير الأحادي للملفات بدون إشراك كل الفاعلين في المجتمع،سواء تعلق الأمر بملف الصحراء المغربية،أو بملف الشأن الديني،أو بملف التعليم،ورُقِيت أخيرا المهرجانات لمستوى الملفات التي لا يحق للشعب أن يعلق على رداءة مضمونها، أو يتساءل عن مصادر تمويلها،وسبب تزامنها مع امتحانات الطلبة والتلاميذ،إذا لا تريد العدل والإحسان الانفراد بالملفات ولسان حالها يقول: تعالوا جميعا نجلس إلى مائدة حوار على مرأى ومسمع من الشعب نتداول الرأي بشأن القضايا كلها بدون خطوط حمراء،وما اتفق عليه يصاغ في ميثاق والميثاق هو العهد المؤكد بيمين،وأجزم لك بأن نفور عديد من الجهات الحزبية والجمعوية والشخصيات من الاستجابة للحوار هو نتيجة لضغوط مخزنية رهيبة من جهات في النظام تخوف الناس من العدل والإحسان،وتمة أفاضل يثمنون المبادرة ويجلسون إلى أهل العدل والإحسان،وهذه المبادرات تقوت في الآونة الأخيرة لاسيما بعد الانفتاح على أدبيات الجماعة التي تقطع مع الفكر التكفيري القتالي وتلتمس طريقا إلى الحوار بلا أسوار.
ما رأيكم في الخط الرسالي و ما طرحه في ميثاقه و أدبياته ؟
بصرف النظر عن نسبة الاتفاق والاختلاف مع كثير مما ورد في الورقة التصورية للإخوة في الخط الرسالي فلا يسع المرء إلا أن يؤكد على حقهم الكامل في إبداء آرائهم والتعبير عنها وتبليغها للناس،إلا أن ما أثمنه في الورقة النفس الوحدوي والحرص على رص الصفوف، بطبيعة الحال ليس بطريقة تنميط المجتمع فهذا مخالف للطبائع والشرائع،فيما يتعلق بالمذهبية وإمارة المؤمنين،فمعلوم أن جعفر الصادق رضوان الله عليه هو أبو المذاهب،تتلمذ له مالك وأبو حنيفة،وكانوا لا يعرفون الانتماءات التعصبية،بل لم يكن يخطر في بالهم بأنهم بصدد تأسيس مذاهب،وإنما كانوا يمارسون عمليات التعليم والتزكية،وحازت طرقهم القبول من الأمة،إلا أن قمع السلطات الحاكمة التي كانت ترى في أهل البيت والعلماء العاملين منافسا على الحكم ألجأت أتباعهم إلى جحور التقية والتخفي حيث تنمو الكثير من الاعتقادات الخاطئة ولا تجد من يصححها،ولذلك من فضائل الحرية تقويم النظر والعمل،وكل هذا يفترض معانقة آفاق الإسلام الرحبة وعدم سجن الفكر والنفس والقلب في التاريخ وفي الفتاوى المظروفة بظروفها الخاصة ،أما إمارة المؤمنين فإن جلالة اللقب تدفع إلى التحذير من الذين يريدون تصييرها دستورا فوق الدستور، وشيكا على بياض يُخَول لمن تلقب به التصرف في الحكم والمال بلا حسيب ولا رقيب،وأحسب أن أي ورقة تصورية كيفما كانت فهي ستتعرض للتعديل والتطوير والإضافة والإغناء والإثراء،ويبقى الحرص على العمل وفق قاعدة “لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين” هو المأمول.
كلمة أخيرة؟
تقبل الله منا ومنكم في هذا الشهر الكريم صالح الأعمال،وأشكركم على هذه الاستضافة الطيبة،آملين أن ييسر سبحانه فرصا لتلتقي الأشباح كما التقت الأرواح.والسلام عليكم ورحمة الله.
إرسال تعليق