على مدى تاريخ الإنسان الطويل أدخل لنفسه مفهوما سلبيا لحقوق الإنسان هذا المفهوم كان يعتمد غالبا على منطق الانتماء للغة والدين والعرق أو حتى القربى وأقول
التعذيب الجسدي والنفسي في المغرب في ظل الربيع العربي
عبد الوفي العلام
على مدى تاريخ الإنسان الطويل أدخل لنفسه مفهوما سلبيا لحقوق الإنسان هذا المفهوم كان يعتمد غالبا على منطق الانتماء للغة والدين والعرق أو حتى القربى وأقول سلبيا لأنه يعتمد دائما على الطبقية والتميزية بين الناس جميعا فدفعت بالكائن البشري نحو العدوانية والحروب والخصومات، وشكل انتهاك حرمة النفس والجسد جزءا لا يتجزأ من منظومة القيم العقابية وممارسة التعذيب.
إن حقوق الإنسان الذي ندافع عنه بالطبع عالمي ومناهضة التعذيب أيضا عالمي، إلا أن تعبيرات العنف البشري تختلف من دولة إلى أخرى ومن شعب إلى شعب آخر، وفي أحيان كثيرة تأخذ شكلا خصوصيا، كما يحكي من عاش في بعض البلدان العربية مرارة التعذيب الجسدي والنفسي.
يقول منصف المرزوقي باحث ومناهض للتعذيب ” كل دولة تمارس التعذيب ليست سوى مرحلة متجددة من فشل الإيديولوجيات والدولة والإنسان” ، والتعذيب كما هو معرف في معاهدة 1984 هو أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم نفسيا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول منه أومن شخص ثالث على معلومات أو أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه أو تخويفه أو إرغامه أو عندما يلحق هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أ يا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية”على اعترافه أو تخويفه أو إرغامه. والمغرب من الدول السباقة للتوقيع على هذه المعاهدة ضد التعذيب إلا أن الإكراهات السياسية منذ فجر الاستقلال جعلته يدخل صمن الدول الممارسة للتعذيب وبشتى أنواعه، بل سارع إلى ابتكار أنواع جديدة كان سباقا لها مع اليسار والإسلاميين بكل مكوناتها وتلاوينها بدءا بحركة الشبيبة الإسلامية بعد مقتل بنجلون مرورا بجماعة العدل والإحسان ثم ما يسمى بالسلفية الجهادية بعد أحداث 16 مايو بالدار البيضاء ضمن قانون مكافحة الإرهاب المزعوم والمشؤوم.
فبعد الفضيحة السياسية التي تورط فيها المغرب عن طريق جهاز الاستخبارات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله والتي كانت مسماة ب (الكاب واحد) وهو الجهاز المتورط في اختطاف وتعذيب وقتل المعارض المغربي المهدي بن بركة التي كانت ولا تزال النقطة السوداء في تاريخ الاستخبارات المغربية، وهي الفضيحة التي عادت بالشؤم على السياسة المغربية وديبلوماسيتها بسبب تهور بعض المسؤولين عن الجهاز الإستخباراتي، فقد قرر الراحل الحسن الثاني أن يغيير اسم الجهاز السالف الذكر من (الكاب واحد) إلى مديرية مراقبة التراب الوطني المعروف باختصار(الديستي) وجعل على رأسها ” العشعاشي” وهو أيضا متورط مع الجنيرال “أوفقير والجنيرال الدليمي” في اختطاف وتعذيب وقتل المهدي بن بركة وآخرون ممن نُفذت في حقهم ما بات يُعرف بالاغتيال السياسي.
أما بعد الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر وطي صفحة الماضي الانتهاكات الجسيمة في العهد القديم، ظهر في العهد الجديد اسم معتقل تمارة السري التابع لجهاز المخابرات المدنية المغربية المعروفة بإختصار (ديستي)، مُقترنا بأسوأ ما وصف بهما سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو، إذ يُمارس في هذا المُعتقل أي تمارة كل أنواع التعذيب والتنكيل والحط من كرامة المواطنين المغاربة بصفة خاصة، والمُرحلين من مُعتقل غوانتانامو في إطار ما يُسمى الرحلات السرية لجهاز المخابرات الأمريكية “سي، أي، إي” التي بدورها تقوم بترحيل مُعتقليها إلى المغرب من أجل انتزاع اعترافات افتراضية من المُتهمين في قضايا الإرهاب. إن استعانة المخابرات الأمريكية بنظيرتها المغربية في حد ذاته يُبين ما مدى بشاعة وخطورة ما يجري داخل دهاليز هذا المعتقل التابع للمخابرات المغربية التي لم يسلم من بطشها وجبروتها وتسلطها النساء والشِيب والشباب، وذلك في غياب أي مراقبة لهذا الجهاز الذي لا يخضع لأي مراقبة سواء كانت قضائية أو برلمانية.
ففي أبريل ألفين وسبعة قامت جريدة الأيام المغربية بإنجاز استجواب صحفي مع وزير العدل أنداك محمد بوزوبع وكان من بين الأسئلة التي وُجهت له من طرف الصحفية مرية مكريم هي ما مدى صحة وجود معتقل سري بغابة تمارة التابع لجهاز المخابرات؟ فكان جواب الوزير ذكيا، حيث قال: لقد توصلنا بشكايات في الموضوع فكلفنا النيابة العامة بالرباط من أجل التحقيق في الأمر فٱنتقلت هذه النيابة العامة إلى المكان موضوع الشكايات فكان مقر إداري تابع لجهاز “ديستي” ليس إلا. فجواب الوزير الحكومي لا ينتظر منه الجديد فقد سبقه إلى ذلك حكومات متعاقبة على المغرب جوابهم في مثل هذه الأمور كان مشابها، ففي الثمانينات كانت الحكومة المغربية تنفي وجود معتقل تازمامارت رغم نضال شرفاء هذه الأمة من أجل فضح هذا المعتقل الجحيمي على رأسهم الفرنسية كريستين زوجة أبرهام السرفاتي، وكانت المؤسسة الملكية في شخصالراحل الحسن الثاني في تصريحاته للإعلام الفرنسي تنفي وجود هذا المعتقل أي تازمامارت حتى غاية ألف وتسعمائة وواحد وتسعين ثم الاعتراف به وإطلاق سراح مُعتقليه الثمانية وعشرين من أصل ثمانية وخمسون أزهقت أرواحهم داخل هذا المعتقل.
المفارقة والمقاربة العجيبة أن معتقل تازمامارت رغم عدم معرفة مكانه وغياب شهادات الضحايا أنفسهم ،والصمت المطبق الذي كان يلف هذا الملف الحقوقي إلا أنه بجهد جهيد من المناضلين الشرفاء تم إغلاق تازمامارت وإطلاق سراح ضحاياه،عكس ما نشهده اليوم أن معتقل تمارة، معروف مكانه وتتوفر شهادات بالصوت والصورة لضحايا هذا المعتقل وجلاديه ضباط المخابرات وللأسف لا المؤسسة الملكية ولا القضاء ولا الجمعيات والمنظمات الحقوقية إستطاعة إغلاق هذا المعتقل ومحاكمة جلاديه. السؤال المطروح : من يحمي المواطن المغربي من تسلط جهاز المخابرات من هذا المعتقل وما يُمارس فيه من اغتصاب وتعذيب بشع تشيب له الولدان؟ من الجهة الرادعة لهذا الجهاز؟ في ظل الربيع العربي الذي تخرج فيه الشعوب العربية مطالبة برفع الظلم والقهر وتحقيق الحرية؟
إرسال تعليق