خلال شهر رمضانَ الفضيل، يعرف المجتمع المغربي حالات للعنف متكررة ومتشابهة في بعض الأحيان٬ الشخوص نفسها والمواقع والمواقف متفرقة ومتغيرة، لكن الأحداث
خلال شهر رمضانَ الفضيل، يعرف المجتمع المغربي حالات للعنف متكررة ومتشابهة في بعض الأحيان٬ الشخوص نفسها والمواقع والمواقف متفرقة ومتغيرة، لكن الأحداث متشابهة. وقائع عنف واشتباك وتلاسن وسباب وشتم،هنا وهناك ينتج عنها ضرب وجرح باستعمال الأسلحة البيضاء، المؤدي للقتل في بعض الأحيان هل يتعلق الأمر هنا بظاهرة اجتماعية يمكن أن ندرجها فيما يطلق عليه المغاربة تسمية ”الترمضينة”؟ أم أن الأمر يتعلق بشهر الصيام في حد ذاته ؟ أم أن الأمر يتعدى شهر الصيام ويرتبط تحديدا بأشخاص وأفراد وجماعات وبأماكن بعينها؟
موقع ريحانة بريس نقلت جملة من التساؤلات وطرحتها على الباحث في سوسيولوجيا الجريمة الأستاذ عادل بلعمري.
هل الإجرام له علاقة برمضان ؟وكيف يمكن أن نشرح أن شهر رمضان ذو طابع روحي وإيماني ، تتحول فيه مجموعة من الأفراد من كائنات بشرية إلى وحوش أدمية تقتل؟
الأمر حقيقة يتعلق بشجارات و مشادات كلاميةكما تفضلت تحدث خلال شهر الصيام يستعمل فيها الكلام النابي المخل بالأخلاق العامة والذي يتنافى والمعايير والقيم والأعراف المجتمعية التي ترتضيها الجماعة، و يخالف شعورها العام، ويتعارض كليا مع الأفكار والمبادئ السائدة في المجتمع، ويضر بمصالحها. وهذا في نظرنا يحصل كنتيجة للتفكك الاجتماعي، والذي نعني به جملة من الإختلالات التي طرأت على النسق الثقافي للمجتمع المغربي ككل والمرتبط بالتغير الاجتماعي، الذي مس الجانب المتعلق بالقيم التنشئوية، على مستوى الأسرة ، والمدرسة، والإعلام و هو ما أصبح يؤثر على مسألة الضبط الاجتماعي بفعل دينامية التحولات السريعة والمتسارعة للمجتمع المغربي على المستوى الديموغرافي والعمراني والاقتصادي والإعلامي، والانتقال من نظام أسري يقوم على بنية أسرية ممتدة بطريكالية إلى نموذج أسرة نووية ذات أوصاف معاصرة.
ماذا يمثل الترمضين كسلوك وكممارسة في حد ذاته ؟
الترمضينة كسلوك يمثل أحد مظاهر الانفصال وعدم الترابط والوفاق بين مجموعة من الغايات والأهداف، التي تحددها الجماعة المسلمة حسب ما تمليه الثقافة الإسلامية السائدة والمعايير والقواعد التي ينص عليها الدين الإسلامي ويقرها النظام الاجتماعي الخاص بالبنية الاجتماعية للمجتمع المغربي، وهو مجرد محصلة و نتيجةلضعف في العلاقات والبنية الاجتماعية، ما يؤدي إلى نوع من الفوضى وإلحاق الضرر بالنظام المجتمعي ككل.
ما هي التدابير والآليات الوقائية التي يضعها المجتمع في نظرك للحفاظ على سلمه واستقراره الروحي الاجتماعي؟
المجتمع هو أيضا يشتغل وفق آلية عقلانية تتمثل في ميكانيزم العقوبة وهي ليست آلية لرد فعل يمارسه المجتمع على أفراده الذين خرقوا بعضا من قواعد السلوك، وإنما هي تعبير واضح وصريح عن نظام الأخلاق والتضامن الاجتماعي السائد والمتبلور، كما أنها آلية يعمل من خلالها المجتمع على صون روابط التضامن بين مختلف مستويات الوعي الاجتماعي، كما تصون روابط التضامن بين مختلف مستويات الوعي الاجتماعي، وهو ما يعطيها ذلك الطابع الشبه قداسي. فهي لا تعدو أن تكون سوى إجراءات إصلاحية، تشكل ضرورة حتمية، ذلك من أجل تحقيق استمرارية التدعيم والتضامن الاجتماعي،عن طريق الردع والعقاب، ووأيضا من أجل تحقيق أغراض العلاج والإصلاح وتقويم الاعوجاج.
ماذا يمثل السلوك العنيف أو ما يصطلح عليه بالترميضة بالنسبة للفرد والمجتمع دائما في ارتباط بشر رمضان؟
مجرد عدم احترام المعاييرالمجتمعية خاصة خلال شهر الصيام يعد بمثابة استفزاز للأحاسيس الداخلية للوعي الجماعي، وأصل العقوبة يكمن في وظيفة تقريب الوعي الفردي من الوعي الجماعي، وتكمن فائدة العقوبة إذن في تثبيت القيم الاجتماعية وليس النيل من الفرد الخارج عن المعيار الاجتماعي.
ما هي أنواع هذه النزاعات التي تكثر في شهر الصيام؟وهل يمكن الحديث عن أماكن بعينها تكون مسرحا لهذه الأحداث؟
هذه النزاعات و الاصطدامات التي تصل إلى درجة الاشتباك بالأيدي و الضرب والجرح، المفضي للقتل في بعض الأحيان أو لعاهات مستديمة تحصل في غالب الأحيان بين أفراد أو مجموعات يقطنون داخل الأحياء الشعبية والتي تتميز بطبيعتها الهامشية لكونها توجد في أماكن هي في الأصل على ضواحي وجنبات المدن الكبرى البعيدة وشبه المعزولة عن المركز وفي قطيعة تامة مع تنمية فعلية وحقيقية.
أشير إلى أن هذه الأحياء الهامشية والتي تكون مسرحا لهذه الأحداث تتميزبكونها ذات كثافة سكانية عالية وجد مرتفعة، كما تعرف نوعا من عدم التجانس الاجتماعي بين أفرادها وقاطنيها،نظرا لوجود مؤثرات خارجية تتمثل تحديدا في خصوصية للانتقال الثقافي تساهم في انتشار وشيوع مجموعة من العادات والقيم والأعراف الإجرامية.والمرتبطة أساسا بالتقاليد الموجودة في تلك المناطق الحضرية، و التي أصبحت تنتقل بوثيرة متسارعة عبر سيرورة التواصل اللفظي، بصفة خاصة داخل الأوساط والمناطق الحضرية التي فشلت بها الضوابط الاجتماعية.
وبالتالي فالفرد في هذه الأوساط، تتم تنشئته وفق نظام معين من القواعد خاص بالوسط الذي يعيش فيه، وفي إطار وعي أخلاقي خاص.
يذكر أن أحداث العنف و الوقائع والأحداث الإجرامية الرمضانية تنشأ إثر نزاعات مفتعلة في بعض الأحيان تنشب بين شباب يتعاطون تناول المخدرات و من شريحة المدمنين عليها ومن مميزات هؤلاء الأفراد المدمنين أنهم يتسببون في مجموعة المشكلات الاجتماعية ويكونون طرفا أساسيا فيها، وهنا تتحدد وتبرزأحد مخاطر المخدرات لما لها من انعكاسات وتبعات صحية ذات طبيعة سلبية على الفرد والمجتمع، سواء من الناحية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والتي تطفو للسطح خلال شهر رمضان.
ماهي في نظركم انعكاساتالإدمان على المخدرات في ارتباط بالصيام دائما؟
من مظاهر وتداعيات استعمال المخدرات أنها تشكل تهديدا حقيقيا يجعل الشخص المدمن في حد ذاته في الغالب فردا غير سوي، لأنه يصير غير قادر على تحمل المسؤوليات داخل الحياة المجتمعية ومجردا من القدرة على التحكم في أعصابه، ومتذبذبا في مواقفه، زيادة إلى كونه يتحلى ببعض المميزات كاللامبالاة وعدم الاكتراث بمشاعر الغير والتقيد باحترام القواعد المعايير القيمية والاجتماعية ناهيك عناتصافه بمجموعة من الصفات كالتسرع وكثرة التردد، والشعور بنوع من الإحباط والإحساس بالغربة، وعدم القدرة على الإنتاج والخلق والابتكار والمساهمة الفعالة والإيجابية في الدورة الاقتصادية داخل المجتمع. مما يجعل من شريحة المدمنين على تناول المخدرات أشخاص مستعدين في أي وقت للدخول في أعمال عنف وشغب وأحداث إجرامية، سواء أتعلق الأمر بشهر الصيام أو خلال باقي أيام السنة.