من الصحيح القيام بعمل عسكري لحماية الأقلية اليزيدية في شمال العراق، ولكن سجل الغرب في من يستحق الحماية ومن لا يستحقها مخجل.
بقلم: كارني روس / مسؤول بريطاني سابق ـــ صحيفة “الغارديان” البريطانية –
من الصحيح القيام بعمل عسكري لحماية الأقلية اليزيدية في شمال العراق، ولكن سجل الغرب في من يستحق الحماية ومن لا يستحقها مخجل.
صديق من “بريشتينا” قال لي ذات مرة أن أسعد يوم في حياته كان عندما سمع صواريخ كروز حلف شمال الأطلسي تسقط على بلدته، كان هذا في عام 1999 عندما تدخل حلف الناتو من الجو لوقف الحملة الصربية لطرد الألبان من كوسوفو.
في كثير من الأحيان، التدخل العسكري هو عملية خاطئة، ولكن في بعض الأحيان يبدو صحيحا. كان من الصواب التدخل في كوسوفو، وليبيا في عام 2011، وصحيح أيضا التدخل اليوم في شمال العراق.
استقلت من وزارة الخارجية البريطانية لأن حكومتي كذبت بشأن أسباب غزو العراق في عام 2003. ذهبت بشكوكي حول الدوافع الغربية بعيدا. ولكن المعاناة الواضحة لليزيديين وغيرهم والتهديدات الوشيكة لمنطقة كردستان المستقرة حتى الآن تغلبت على هذه الشكوك. آراء اليزيديين وحكومة إقليم كردستان كان واضحة وأكثر أهمية.
لكن التدخل في شمال العراق يسلط الضوء على النفاق الذي يميز السياسات الغربية في الشرق الأوسط: من يستحقها ومن لا يستحقها؟ في مصر، يدعم الغرب الدكتاتورية الاستبدادية، حيث سُجن الآلاف من أتباع جماعة الإخوان المسلمين إلى العديد من الديمقراطيين العلمانيين، مثل علاء عبد الفتاح، في ظروف قاسية ومروعة وقد تعرضوا للتعذيب.
في فلسطين، أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بالقنابل خلال القصف الوحشي على غزة. وفي العراق نفسه، اختارت الولايات المتحدة نوري المالكي رئيسا للوزراء واستمرت في دعمه حتى بعد أن قتلت ميليشياته وسجنت الآلاف من السنة لاعتبارات طائفية. وتقدم الحكومة البريطانية دعما ضمنيا لكل هذا، مع إظهار بعض الامتعاض المحسوب.
وقد أشاع الموقف الغرب نفسه حالة من التشويش البشع في الشرق الأوسط، حيث دعم الديكتاتوريات في بعض الأماكن، ودعا أخرى إلى التنحي، أدان قتل المدنيين في مكان، وتغاضى عنه في بقعة أخرى. هذه هي المعايير المزدوجة التي سيتم استغلالها من قبل المتطرفين عبر العالم، وهي منبع الإرهاب الذي سوف يستمر في مطاردتنا.
لفترة طويلة جدا، استرشدت السياسة الغربية بمفاهيم مجردة ومخترعة من “المصالح” و”الأمن” ومبادئ توجيهية تعسفية انحدرت، منذ فترة طويلة، إلى “أصدقائنا” و”أعدائهم”.
هناك حاجة إلى عقيدة جديدة تقوم على مبادئ واضحة: حماية المدنيين وتشجيع الحلول المحلية وتناسق المكافآت والعقوبات، وكلها مدرجة في نهج شامل.
كما في كل مكان، ينبغي أن تأتي رفاهية المدنيين أولا وتوجه جميع السياسات. ويقدم هذا صورة واضحة في كردستان، ولكن أيضا في فلسطين والسعودية والبحرين. في حالات القمع العنيف، فإن هذا يعني إعطاء السكان وسيلة للدفاع عن النفس. وفي الحالات القصوى، قد تعني التدخل العسكري.
منذ أن قسمت سايكس بيكو الشرق الأوسط منذ قرن من الزمان، فرض الغرب تصاميم بسيطة خاصة بها على تعقيدات المنطقة. كان يجب، بدلا من ذلك، تسهيل دائم للمناقشة المحلية دون افتراضات مثل أن العراق يجب أن تبقى كدولة واحدة. إذا كان الأكراد يريدون دولة خاصة بهم، فلا ينبغي وقفهم، وينبغي أن يكون دورنا التوصل إلى حل تفاوضي مع حماية واضحة للأقليات.
عندما زار جون كيري القاهرة حاملا معه طائرات هليكوبتر هجومية للرئيس سيسي، فإن عدم اهتمامه بدعوة كيري لإطلاق سراح السجناء السياسيين، لم يكن أمرا مفاجئا.
لا اعتبار للخطابات ولا يحسب لها حساب إلا ما ندر، فالانتقادات بشأن قصف مدارس الأمم المتحدة في غزة ليست ذات قيمة ولا يُؤبه لها عندما يطمئن المسؤولون إسرائيل في اللقاءات الخاصة باستمرار الدعم لها.
إذا انتهكت الحكومة حقوق سكانها أو فشلت في إجراء حوار سياسي شامل، ينبغي انتقاد ذلك، ثم إدانته، ثم نبذه، وإذا ما استمر فرض عقوبات عليه. وينطبق هذا على المملكة العربية السعودية، كما يجب أن ينطبق على العراق، وأيضا على إسرائيل.
السياسة الغربية لا تقم بوصل نقاط الأزمات المترابطة في الشرق الأوسط. حماية المدنيين في سوريا يعني إعطاء وسائل الدفاع عن النفس، مثل الصواريخ المضادة للطائرات، إلى المعارضة المعتدلة. وهذا من شأنه أن يحد من تنامي مد داعش في سوريا ومنع التهديد في العراق، وبالتالي ضرورة التدخل العسكري.
قصف داعش في العراق لن يوقف الخطر القادم من سوريا، والتغاضي عن القمع في مصر سوف يعزز التهديد الإرهابي في جميع أنحاء العالم.
إرسال تعليق