تعتبر العلاقة الزوجية من أسمى العلاقات التي تربط بين البشر لتكوين مجتمع متكامل ومتزن عند الزوجين ويقاس نجاحه وفشله بالاحتكاك والمعاملة وطبع كل واحد
تعتبر العلاقة الزوجية من أسمى العلاقات التي تربط بين البشر لتكوين مجتمع متكامل ومتزن عند الزوجين ويقاس نجاحه وفشله بالاحتكاك والمعاملة وطبع كل واحد فيهما وذلك عن طريق الاختلال والاضطراب العاطفي الذي يقع بين المرأة والرجل، وقد سن الله تعالى لهذه العلاقة في كتابه الكريم(.. ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة “
يتم توضيح الآية إن تأملناها وما تحمله من معنى ومنهج الحياة الزوجية فهي توضح لنا قوام العلاقة الزوجية التي تقوم على التفاهم والرحمة والمودة وليست من طرف واحد وإنما من الطرفين معاً
وعندما أشار الله تعالى بالآية بقوله ( أنفسكم ) أي أن آدم وحواء من كيان واحد فمنه خلقت ولذلك يظل الطرفان في حالة شوق لبعضهما البعض والاستقرار اﻷسري ضمان للتقدم والرقي والازدهار، ولكن لما يتوقف أحد الزوجين عن أداء دوره الإيجابي لهذه العلاقة يقع النشاز باللحن وتصبح هذه العلاقة معزوفة مملة لكلا الطرفين وتبدأ الأوتار بالتمزق وتضيع أبجديات المعزوفة الزوجية وربما آتت معزوفة أخرى بلحن جديد أكثر طرباً لتحل محلها النشاز، ﻻبد أن يكون هناك خلل إذ نراجع حساباتنا حتى ﻻ يقع النشاز باللحن وﻻ يقع الملل الذي هو داء عضال يفسد الحياة كما يفسد الخل العسل، وما على الطرفين نهج غض الطرف عما يفسد ويعكر صفو الحياة، إذا كان التسامح شيمة اﻷكرمين فالزوجين أولى بهذا الخلق العظيم كي يكون أقوياء على اﻷقل في المتربصين بهم
فعلاقة السكن والتآلف الزوجي تحتاج لشحن متواصل من المشاعر بكل صورها الحسية والمادية، وإلا اهتزت وانهارت هذه العلاقة…
إن ترابط الأمة الإسلامية بهذه المسؤولية المنوطة لجميع أفراد المجتمع التي
ألقاها الشرع علينا ومنه تماسكنا بها قد تجعل كل واحد منهم يحترم اﻵخر ويقوم معه للوصول إلى جانب إجابي يحقق الاستقرار والازدهار الذي يفتقده البعض وهو في أمس الحاجة إليه كي يبني أمة قوية تهابها الأعداء،فيقع الطرفان فريسة لشرك الإهمال وسلبية التعامل، منذ البداية من أحد الطرفين فقط ولكنه بمرور الوقت يتسرب للطرف الآخر نتيجة برود المشاعر التي يجدها لدى الآخر..
ترى هل يموت الحب بمعناه بعد التنافر والفجور؟؟؟
بداية الحب، هو مزيج من المشاعر المختلطة من الانفعال والإعجاب بالآخر بما فيه من صفات مثالية تلقى القبول والإعجاب بها فينتقل من الشعور بالإعجاب إلى الشعور بالراحة والسكن لهذا الآخر..
والحب موجود بداخلنا ولكن ربما يكسوه بعض الصدأ ، فبالرغم من ذلك إلا انه لا يموت أبدا بمعناه الطبيعي هذا برأيي المتواضع رغم أن المواقف ترسل به للعناية المركزة ويصبح بحالة احتضار، وتغلفه سحابات الصمت ومشاغل الحياة.
ولكن من يتأمل، في ما يحدث بين أي زوجين كان الحب يوماً ساكن بينهما وبصدق وليس زيف مشاعر، نرى أنه مهما كبت وغلفته الأيام والليالي بسكونها ومتغيراتها إلا انه يظهر عند أول كبوة يتعرض لها أحد الزوجين، فلو مرض الزوج ستجد أن أول من ستجرى وتحاول الاطمئنان عليه زوجته التي أهملها يوماً أو يكون العكس سيظل الزوج بجوار زوجته حتى تمر من أزمتها ويذهب الخلاف للنسيان..وتنعقد عقدة الألسنة،هنا نستطيع القول بأن ما يحدث بين الزوجين من خرس عاطفي ليس موت للحب بقدر ما هو نوع من البرود العاطفى..
قد تكون أحد أسبابه فتور مزمن أو مؤقت للعلاقة بينهما، وتباين الاهتمامات بين الزوجين، والتباين الثقافي والاجتماعي والفكري وقولبة الرجل لزوجته في إطار المتعة الحسية المؤقتة فقط، ويكون هناك صمت زوجي مرضى كأن يكون أحدهما يمر بحالة اكتئاب فعلى الطرف الآخر المحاولة المستمرة لإخراجه من هذا الجو ليتم له التوفيق من عند الله، وهناك الجمود العاطفي الذي يكون من حالة التعود على الآخر واعتياد وجوده، إذن فالحياة أصبحت نمط روتيني مقولب .. فقد حفظ كل منهما الآخر وأصبح الرمز يحل مكان الحرف..
فالعين واليد والبسمة تحل محل الحرف ليكون ناتج من طول مدة الزواج فيعرف كل منهما أبجديات الآخر فيقل الكلام ويستبدل بمعاني ووسائل أخرى، ولكن لابد من القول بأنه لا بديل عن الكلمة في أي حال من الأحوال، لأن الآذان تتوق لسماع الكلمة الطيبة وتؤكدها اللمسة الحانية وتغلفها النظرة الودودة لتكتمل الصورة ويتم التفاعل الصحيح والسليم..
وما علينا إلا أن نفرق هنا بين الصمت المؤقت والمزمن فالصمت المؤقت يكون في أوقات الخلافات وهذا شيء حميد، ويفضل أن لا يطول، ولكن يجب المناقشة وتعرية المشكلة تماماً حتى يمكن القضاء على جذورها، وتستأنف الحياة الزوجية الطبيعية.
بحيث يعتبر الصمت المستعصي بمثابة المسمار الأول بنعش الحياة الزوجية، ويكون القلب قد فقد البوصلة الخاصة به، فيحتار ويسير أحياناً بمسارات خاطئة قد تزيد من حالة البرود العاطفي الموجود لدى الزوج أو الزوجة فيصنع حائلاً بينهما ويحول الحب لنفور ويتحول الزواج من سكن ومودة إلى مباراة من مباريات الضربة القاضية وتكون بذلك صعوبة في إمكانية عودة الحب من جديد وتفقد العلاقة بيتها بصفة الامتنان والمودة، إذ يمكننا آنذاك من معرفة سبب هذا النفور الذي أدى لهذا الصمت الزوجي، فلابد من جلسة ودية وصافية بمكان مريح ووقت مناسب، حتى يتم تذويب وتسيل ما علق بالنفوس من تراكمات..
والتذويب للصمت العاطفي لا يكون بإلقاء التهم على الآخر واللوم وتحميل الخطأ لطرف دون الآخر ولكن يكون بحسن الاستماع والوصول للب المشكلة والغوص بمعاناة الآخر، فالحل ليس بمحاكمة طرف لطرف بقدر ما هو بحث عن أسلوب يكون قوامه المودة والرحمة واستعداد من كلا الطرفين وعقد نية تجاوز هذا الخرس العاطفي، وأيضا المصارحة بما تضيق به النفس بشكل دوري يقلل من هذا الصمت المذموم فالتوافه بالحياة أحياناً تكون أصل جبال الصمت العاطفي بحياتنا.
ويتبقى بعد المصارحة المشاعر الدفينة المتراكمة بالنفس وما خلفه الصمت العاطفي هذا من إساءة هي لا تزول وتظل بداخلنا لتتحول من الشعور إلى اللاشعور ويتم ترحيلها من الوعي إلى اللاوعي رغم وجودها مهما حاولنا مداراتها ستبقى جدارا حائلاً ولو شفافاً بين الزوج وزوجته إلى أن يجعل الله لها مخرجاً.
أو بطريقة أخرى قد يكون للتنفيس عن هذا التراكم الموجود باللاشعور، طريقة انتقامية تريح النفس ولكنها ستقضى على كامل الحياة الزوجية وستكون رحلة ذهاب بلا إياب، هناك طريقة دعانا الله إليها، بكتابه الكريم وذكرت بمحكم آياته وذكرها لنا رسولنا الكريم، وهى المسامحة والعفو، أن تعفو وتغفر لمن أساء إليك لهو الثواب العظيم عند الله وعندما نتعامل مع الله الخالق، فنحن ننحى المخلوق جانباً، أن تسامح الغير من القلب وليس بلسانك فقط، لهو الكرم بعينه، والمقدرة الحقة، على تجاوز ما علق بالنفس، ولهو قمة الطهر والإيمان، وكظم الغيظ والعفو من أفضل الخصال الإنسانية، مقتدين بقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء و الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )( آل عمران 133/134)
وأخيرا بعد أن يكون الخرس أو الصمت العاطفي أو الزواج أحد أهم أسبابه الملل، فليحاول كل من الطرفين البحث عن أهم أسباب لهذا الملل ومحاولة الوصول لطريقة تقضى عليه وإن لم يستطع فعليه باستشارة من يثق فيهم والأفضل الذهاب لمختص يزوده بالنصيحة الجادة، وليس الأصدقاء العابرين بحياته فلا تفضي بمشاكله إلا لمن يثق به ..وإلا وقعت فيما لا يحمد عقباه.
إرسال تعليق