خلال الأسابيع الماضية، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش” 24 فردًا من أبناء الطائفة الإيزيدية، وطلبوا 1.2 مليون دولار، مقابل إطلاق
مدخل
خلال الأسابيع الماضية، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش” 24 فردًا من أبناء الطائفة الإيزيدية، وطلبوا 1.2 مليون دولار، مقابل إطلاق سراحهم.
وأكد أقرباء المخطوفين عن طريق نشر نداءات في مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين الحكومة العراقية وإقليم كردستان والخيرين- المساعدة في دفع الفدية 50 ألف دولار عن كل مخطوف، في حين تعاني عائلاتهم من الفقر وعدم القدرة على دفع مبالغ كبيرة، مقابل إطلاق سراح أبنائهم.
وناشد أمير الإيزيدية في العالم “تحسين سعيد بك”، المنظمات الدولية بالتدخل لمساعدة نازحي مدينة الموصل، فيما دعا السلطات الحكومية والأمنية إلى حماية أرواح المدنيين.
وأضاف سعيد بك أن “آلاف العوائل الموصلية نزحت إلى مناطق الإيزيدية إلى منطقة بعشيقة وبحزاني وختارة والقوش وسنجار، مما شكل ضغطاً كبيراً على المنطقة”، مطالباً بـ”تدخل المنظمات الدولية لتوفير الخيم والمساعدات الضرورية للنازحين“.
نتناول في هذاالملف “الإيزيدية”…أصولها…تاريخها..علاقتها بالديانات القديمة..موقف الإسلام السني والشيعة منها.
نشأة الإيزيدية
يعتقد الإيزيديون أن الإيزيدية هي الديانة الأقدم في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم يشْكون من قلّة الأدلّة التاريخية والأركيولوجية التي تعزز ما يذهبون إليه، ورغم إيمانهم بوحدانية الله، إلاّ أن بعض الباحثين والدارسين يصفونهم بعبدة النار والشمس والشيطان، وذلك لأنهم يقدسون النور وكل مصادر الضوء التي تنير الظلام.
أغلب الدراسات عن الإيزيدية تشير إلى أنها نشأت سنة 132هـ، إثر انهيار الدولة الأموية، تقدس يزيد بن معاوية وإبليس (الذي يسمونه طاووس ملك) وعزرائيل، ويتردد أتباعها على المراقد والأضرحة، ولهم عقيدة خاصة في كل ركن من أركان الإسلام، ولهم أعياد خاصة كعيد رأس السنة الميلادية، ويجيزون لليزيدي أن يعدد في الزوجات حتى ست، إلى غير ذلك من الأقوال الضالة والكفرية.
سبب التسمية
أما عن سبب التسمية فهناك العديد من الروايات، منها أنهم سُموا بذلك نسبة إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، حيث يظنون أنه دخل في دينهم.
ورواية ترى أن الإيزيدية نسبة إلى مدينة (يزد) الإيرانية، حيث يعتقد البعض بظهور الإيزيدية للمرة الأولى في تلك المدينة.
فيما تشير رواية ثالثة إلى أنها نسبة إلى كلمة (يزدان) أو (إيزدان) التي تعني “الله” في اللغة الكردية، وأن هذه الديانة كانت موجودة قبل مجيء الإسلام واليهودية والمسيحية، وأنها تتبع نبي الله إبراهيم وإسماعيل.
وهناك من يربط بين الإيزيدية والميثرائية، تلك الديانة القديمة التي انتشرت في مناطق من إيران قبل ميلاد المسيح بفترة من الزمن، حيث وجدوا طقوسًا مشتركة بينهما.
وقيل إنهم ينتسبون إلى رجل من الإباضية اسمه يزيد بن أبى أُنيسة، كان يزعم أن الله سوف يرسل نبياً من العجم، وينـزِّل عليه كتاباً ينسخ القرآن، وقيل: بل هم جماعة انحرفت حين أخذت فلسفة الغُلاة من الشيعة الإسماعيلية، وتأثرت بما جاء في رسائل إخوان الصفا، التي كتبها سراً فلاسفة الإسماعيلية.
ويؤكد بعض الباحثين الإيزيديين إذ يعدون الديانة الإيزيدية امتدادًا للديانة الميثرائية كونها تتكون من أعراق وتقاليد دينية شبيهة بما كانت موجودة في الديانة الميثرائية.
تذهب المصادر والكتب التاريخية التي تبحث في نشأة الدين الإيزيدي إلى أنها ديانة مغرقة في القدم وهي من بين مجموعة من الديانات الشرقية الهندو إيرانية، التي تسبق الديانات السامية بقرون.
التركيب العرقي لأتباع الديانة الإيزيدية
تذهب المصادر والكتب التاريخية إلى أن غالبية معتنقي هذه الديانة ينتمون إلى الشعب الكردي وجذوره الممتدة في أحشاء التاريخ ومنطقة الشرق، ويقول الكاتب والباحث الإيزيدي (درويش حسو): إن أصل الإيزيديين يرجع إلى النبي زرادشت، وكانوا يسكنون (اليزد)، وهي اسم لمنطقة في إيران انتشرت فيها الديانة الزرادشتية، وقبل هذا كان اعتقاد الشعوب الآرية في المنطقة بالإله الواحد وهم يسمون أنفسهم بـ”الإزداهيين”، أي شعب الله وأتباعه، ومنذ ذلك الوقت يسمون بالعقيدة اليزدانية (الأزداهية).
أما عن سبب هجرة الإيزيديين من منطقتهم (اليزد) فيعود إلى أنهم رحلوا عنها هربا من الضرائب والجزية المفروضة عليهم فقصدوا حلب وسنجار والشيخان وبحيرة وان والقفقاس، واتخذوا منها مواطن لهم وأطلقوا على أنفسهم اسم المنطقة التي رحلوا منها.
أما من الناحية القومية والدينية، فهناك من يقول بأن الإيزيديين يرجعون إلى القبيلة (التيراهية- ترياها) وأن والد عدي واسمه (مسفر بن أحمد الكردي) تيرهي، وقد جاء ذكرهم فقط في تاريخ ابن العبري، وأخذ عنه هذا الخبر الراهب (راميشوع) في منتصف القرن الخامس عشر.
ويعتبر باحث عربي آخر أن الإيزيدية من الشعب الكردي وتعبر عن إيزيدية الشيخان بـ ” الداسنيين”، والداسنيون هم من الأكراد الذين كانوا يوجدون في سلسلة جبال “داسن” وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه وتطلق الآن على جبال المزورية.
وإذا صحت نظرية ” اولمستيد” بأن عشيرة مزوري ترجع بالأصل الى عشيرة “مسوري- موسري” الآشورية التي كانت في عهد ” سنحاريب” فيما بين رافدي “الخازر”- يمكننا القول بأن إيزيدية الشيخان هم أحفاد تلك العشيرة الآشورية التي كانت تعيش في فجر التاريخ في هذه المنطقة.
أما إيزيدية سنجار، طور عابدين، ديار بكر، حلب، سعرد، وبدليس وماردين الى ما وراء حدود وان، فبلاد القوقاس لا جدال في أنهم يرجعون إلى سلالات كردية وهم بالأصل من شعوب سلسلة جبال ” زاجروس” الذين وجدوا في هذه الجبال منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة.
إذن أغلب الإيزيدية من الأكراد، وهو ما يوضح اعتراف حكومة كردستان بهم كديانة، وهناك الوقف الإيزيدي، كما أن هناك الوقف الإسلامي والسُني، بل ويعتبرهم مسعود بارزاني حاكم كردستان- العراق بأنهم أصل الكرد.
ووفق إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الإيزيديين نحو 600 ألف نسمة في العراق، ويضمهم إقليم كردستان، ويقطن غالبيتهم في محافظتي نينوي ودهوك الواقعتين 400 و470 كم شمال العاصمة العراقية بغداد.
ويتواجدون في منطقة كرمين الإيرانية، ولا توجد أخبار دقيقة عنهم، بسبب أوضاع إيران ونظامه الإسلامي.
كما يتواجدون في سوريا، ويبلغ عددهم حوالي 70 ألف شخص وفقا لجمعية كانيا سبي، وهم متواجدون بشكل رئيسي في محافظتي الحسكة وحلب.
أما في جمهوريات الاتحاد السوفيتي، فقد تم بناء معبد خاص لهم في روسيا، ويبلغ عددهم حوالي 250 ألف إيزيدي في روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة، ويقدر عدد الإيزيديين في أوربا بحوالي مليون إيزيدي، وهم منتشرون في ألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا وبريطانيا والنمسا والنرويج وإيطاليا وفرنسا، التي يوجد فيها وحدها بلدة شبه كاملة من الإيزيديين، كما أنهم متواجدون في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.
الديانة والمعتقدات
تعتبر الإيزيدية ديانة مغلقة، بل إنهم يعتقدون أن خلْقهم قد تم بمعزل عن العالم، فهم ينحدرون من آدم فقط وليس من السيدة حواء، لذلك فصلوا أنفسهم عن بقية الناس الذين يعيشون بينهم، وكونوا تجمعاتهم الخاصة.
يؤمن الإيزيديون بوجود الله الخالق الأكبر للكون، إلا أنه الآن لا يعنى بشئونه بعد أن فوض أمر تدبيره وإدارته إلى مساعده ومنفذ مشيئته طاووس مَلَك، الذي يرتفع في أذهان الإيزيدية إلى مرتبة الألوهية، حتى إنهم يسبحونه ويتضرعون إليه ويكادون ينسون من أجله الإله الأكبر المتعالي عن هذا العالم.
وبعض الكتّاب والباحثين ومسلماتهم، كون الإيزيدية من بقايا المانوية أو الزرادشتية، أنا لا أنكر وجود قرائن وعادات وطقوس متشابهة بينهما، كما توجد عبادات متشابة بين الإيزيدية والديانة المصرية القديمة أو الإغريقية والسبئية فيما يخص تقديسهم الشمس مثلا، حيث إن البيئات الجغرافية المتشابهة تخلق عبادات وثقافات متقاربة، دون أن يكون هنالك احتكاك بين المجموعات البشرية المختلفة.
وإذا كانت “الثنوية” هي المرتكز العقيدي للديانة المانوية وأنه مبني على التطرف في الزهد والتنسك وتقديس الموت واحتقار ماديات الحياة وتحريم الزواج واعتبار مؤسسة ماني أساس التصوف- فإن الإيزيديين لم يحفظوا في تراثهم الديني ولا في حكاياتهم الشفهية نبياً باسم (ماني) أو (زرادشت)، ولا يصوم الإيزيديون 30 يوماً في أبريل، كما كان يفعله المانويون، كما أن رابطة الزواج مقدسة لدى الإيزيديين عكس المانوية التي حرمها، وأن قتل الطيور والحيوانات مباح لدى الإيزيدية وليس محرماً كما كان الحال عند المانويين.. إلخ.
أهم النقاط التي تقوم عليها الإيزيدية
– لا وجود لإله للخير وآخر للشرّ عند الإيزيدية، بل إن قوة الخير والشرّ تجتمعان في الإله ذي الثنائية في الواحد، ويأتي في أحد أدعيتهم:” يا ره بي خيرا بده، شه را وه ركه رين، بمعنى: يا رب امنح الخير وامنع الشرّ”. وفي هذا الجانب تلتقي فكرة الإيزيدية مع المذهب الجبري أو القدري في الإسلام، كون مفهوم الخير والشرّ هو من عند الله، وأن الانسان مسيّر لا مخيّر.
– دفن الموتى عند الإيزيدية واعتبار القبر هو البيت الحقيقي والأبدي للجسد.
– ليس للروح بداية أو نهاية، بل إنها سرمدية خلقها الله قبل كل شيء ووضعها في( القنديل ) قبل أن تنتقل إلى جسم الكائن وتخرج منه بعد مماته.
– يعتقد الإيزيديون “أن الأرض والسماء، والبحار والأنهار، والجبال والوهاد لم تكن موجودة من قبل، وإنما كان هناك الإله الجبار الذي خلق العناصر الأربعة: الأرض والماء والهواء والنار، من لؤلؤة فتدفق منها الماء الذي جرى صوب البحار والمحيطات، ثم صنع سفينة وركب فيها هو وأصحابه الأربعة الذين جابوا الجهات الأربع وحينما وصلوا لالش وجدوا فيها ضالتهم المنشودة، فهي المكان الأجمل من وجهة نظرهم. أرسوا سفينتهم هناك وألقوا خميرتهم في البحر فتحول الغمر إلى أرض صلدة. ثم تصاعد الدخان فتزينت السماوات السبع“.
– يعتقد الإيزيدية بالكواكب السبعة المقدسة لدى العراقيين، لكنهم غيروا أسماء الآلهة البابلية بأسماء الملائكة السريانية المسيحية: يودائيل وإسرافيل وميكائيل وجبرائيل وشمنائيل ونورائيل، أما زعيم الملائكة الأكثر قدسية فهو إبليس (الملك الطاووس)، ويمثل هؤلاء الملائكة سبعة شيوخ مقدسين مثل الشيخ عدي والشيخ حسن وأبي بكر.
– يحتفلون بأول أربعاء من شهر أبريل بهبوط الملاك (طاووس) إلى الأرض، مثلما كان يحتفل أهل النهرين في بابل وآشور بشهر أبريل أو أشهر السنة حسب التقويم البابلي، لأنه شهر الربيع والخصب والميلاد والبداية، وهو عيد الإله يونيو ويبدو جليا أن هناك تشابها بين اسمي (طاووس وتموز)، نفس هذا الشهر أيضا كان يحتفل المانويون البابليون بيوم صلب (ماني البابلي) وخلوده في الأبدية، وكذلك هو عيد الفصح وعودة المسيح للحياة.
– اقتبسوا من المانوية مسألة تناسخ الأرواح وانتقال البشر بين حيوات عدة.
– يشتركون مع المسيحيين في الكثير من المناسبات والأعياد مثل عيد الفصح والقيامة وكذلك التعميد بالماء وقطع الخبز، ثم زيارة الكنائس والحج لمزار الشيخ عدي المقدس لدى المسيحيين في العراق.
– يحتفل الإيزيديون بعيد (القربانط) أي عيد الأضحى حيث ضحى النبي إبراهيم بولده إسماعيل، ويعتمدون التقويم الشمسي الشرقي الذي كان يعتمده من قبلهم أهل النهرين في بابل وآشور.
– يمتلكون تنظيما دينيًا هرميًا مثل نظام الكنيسة المسحية والمانوية وكذلك الشيعة الجعفرية.
ـ يقدسون أحفاد عدي والحسن البصري مثلما يقدس الشيعة أحفاد الإمامين علي والحسين.
ـ أخذوا عن المذهب الشيعي، أحد المذاهب الاسلامية، (البراءة) وهي كرة مصنوعة من تراب مأخوذة من زاوية الشيخ عدي يحملها كل يزيدي في جيبه للتبرك بها، وذلك على غرار التربة التي يحملها أفراد اتباع المذهب الجعفري الاثني عشري، وإذا مات اليزيدي توضع في فمه هذه التربة، وإلا مات كافراً.
العلاقة بين الإيزيدية والديانات القديمة
هناك العديد من جوانب الصلة بين الإيزيدية والديانات القديمة، وفي مقدمتها، بعض الطقوس والاحتفالات والأعياد:
عيد رأس السنة يصادف يوم الأربعاء الأول من شهر أبريل، وكان يسمى بعيد (أكيتو) عند السومريين و(سرصال) عند البابليين والإيزيديين، وكذلك مهرجانات الربيع (احتفالات آلهة المدن) ويسمى عند الإيزيديين بـ(الطوافات)، ولكل قرية إيزيدية مهرجانها (يبدأ بعد عيد رأس السنة ويستمر الى أواخر شهر يونيه)، ويوم الأربعاء من كل أسبوع هو اليوم المقدس لدى الإيزيدية مثلما كان الحال عند البابليين.
الإله الواحد
وكذلك التقارب الكبير بين الإله آنو السومري والإله نابو وطاووس ملك الإيزيدي في المجالات التالية: الإله الواحد، ذو الثنائية في الواحد، أي تتجسد في الإله الواحد قوى الخير والشّر، النور والظلام في آن واحد، والرمز المقدس الأعلى لدى الديانات الثلاث.
الحية
تلعب الحيّة دوراً كبيراً في ميثولوجيا الإيزيدية وكذلك في ميثولوجيا الشعوب المختلفة، وتحتوي الأحاديث التي تروي عن الحيّة تناقضات الحياة، فهي التي ترتبط بالحياة والموت وترمز للخير والشّر في آن واحد وتعبر عن الحكمة والدهاء وهي رمز تفاؤل حيناً وشؤم أحياناً أخرى، وحامية لخزائن المال والحكم، ويجري الحديث عنها بنوع من التبجيل والاحترام والخوف معاً.
أهمية طاووس ملك عند الإيزيديين
طاووس ملك هو اسم لكبير الملائكة، يعبده الإيزيديون ومصطلح طاووس ملك تختلف حوله الآراء: فالبعض يرى أن الصيغة الكردية الإيزيدية لاسم الإله (دموزي) هو(تاووسي ملك)، وهي كالتالي “(دوموزي- تاموزي- تاووزي- تاووسي ملك وفي الصيغة البابلية والعبرية لاسم دموزي- تاووسي ملك هو (تموز)”.
وهناك رأي يرى أن كلمة طاووس ترجع إلى كلمة الطوس أي حسن الوجه ونظارته، ومنه اشتق طاووس، أو أن هذه التسمية تعود إلى ما ورد في رواية غواية إبليس لآدم وحواء واشتراك الطاووس فيها كواسطة بين الشيطان والحية.
أو ربما تكون مُشتقة من كلمة (لوغوس) اليونانية من مذهب هيراقليطس الذي هو قانون العالم (النار المبدأ الأول الذي صدر عنه كل الموجودات)، أما المؤرخ محمد أمين زكي بك فيرى أن مصطلح طاووس هو من أصل يوناني محرف من كلمة “تيئوسtheos بمعنى الله“.
وطاووس ملك عند الإيزيديين وهو رئيس المجمع الملائكي أو الآلهة الستة، وعند الإيزيديين هو متحد مع ذات الله الواحدة وهو ممثلها فهو يتصف باللاتناهي والمطلق والكلية والشمولية، وهو بمثابة الله نفسه وذلك بدليل أن الله خلقه قبل كل شيء، قبل كل الكائنات كلها، وكلفه (الله) بإدارة شئون الكون وجعله حاضرا في كل الجهات، فيرسل خدامه وأعوانه لجميع النواحي للتفريق بين الضلالة والهداية، بين الكفر والإيمان.
وفي (مصحف رش) أي الكتاب الأسود وهو الكتاب المقدس عند الإيزيديين والذي بمثابة القرآن عند المسلمين والإنجيل عند المسيحيين، مذكور فيه بأن الله خلق العالم يوم الأحد، وخلق ملكًا اسمه عزازيل، وهو طاووس ملك رئيس الجميع.
إن عزازيل الإيزيدي مختلف تماما عن عزازيل في التوراة، فالأخيرعنيد ومتمرد ومقاوم للرب، والإله (يهوه) يدفعه لعمل الدسائس بالأنبياء والبشر.
وطاووس ملك ـ كما أسلفنا ـ المخلوق الأول الذي خلقه الله في البدء، وقد امتحنه بعد أن أوصاه، وهذه الرواية يحدثنا بها (مصحف رش): “خلق الله طاووس ملك من سره العزيز نوره.. لأول مرة قبل أن يخلق الإله الملائكة الستة الآخرين.. إنه مخلوق من نور ذاته.. فكان لا بدّ أن يتمسك بوصية (الله) وألا يسجد إلا له.. وبعد أن خلق الله الآلهة الملائكة الستة الآخرين وسلم أمرهم إلى طاووس ملك.. حينها أمر الله طاووس ملك كي يهبط إلى الأرض ويجلب منها حفنة من التراب ففعل ذلك.. ثم صنع الملائكة منه هيكلًا فنفخ الله فيه الروح وسماه آدم فسجدوا لآدم كلهم ما عدا طاووس ملك.. حينها سأله الله عن سبب عدم سجوده فأجاب: كيف أسجد لغيرك وأنت الذي أوصيتني ألا أركع إلا لجلالتك، ثم كيف أسجد لآدم الذي هو من تراب وأنا مخلوق من نورك؟
عباداتهم
عبادة الإيزيديين مزيج مختلف من الديانات الأخرى
الصوم: ينقسم الصيام عندهم إلى صيام عام وصيام خاص، فالعام هو صوم كل الإيزيديين لتسعة أيام تتوزع على ثلاث فترات : صوم إيزيد أو طاووسي ملك في أواسط شهر أكتوبر.
وصوم شيخ شمس لمدة ثلاثة أيام أيضا في شهر أكتوبر أيضا، وصوم خدر إلياس لمدة ثلاثة أيام أواسط شهر فبراير وهو إجباري على كل من يحمل اسم خدر وإلياس.
أما الصوم الخاص فهو ليس إجباريًا، ومنه رجال الدين يصومون أربعينية (أربعين يوماً) الشتاء والصيف، ولا ننسى أن كل عائلة إيزيدية تصوم يوماً خاصاً لرب البيت (خودان) في شهر ديسمبر أيضاً ويسمى هذا (روزي خودانا – صوم صاحب البيت).
وفي الصيام يمتنع الإيزيدي عن تناول الطعام من بزوغ الفجر حتى غياب الشمس الظاهرة، وهو يتقارب في ذلك مع طقوس صيام المسلمين فـي شـهر رمضان.
أما صلاة الإيزيديين فهي صلاتان: واحدة عند الفجر مع بزوغ الشمس المقدسة- عندهم- والثانية عند غيابها وتكون قائمـة على الدعاء أو بعض الترانيم التمجيدية، فلا تمتاز بسمة خاصة. ويفترض بالمصلي صباحاً أن يكون مستيقظاً قبل بزوغ الفجر، يقول الله في كتابهم المقدس: “صلوا لنا كل يوم مرتين، واذكروني في أعماق قلوبكم ولا تنسوني في ليلة النيروز، صلوا سبع مرات واقرأوا الأدعية بإيمان ويقين وخشوع وخضوع”.. ويؤدي الإيزيديون أكثر من أربعة أدعية عند الظهر وقبل النوم. كما يعد العمل مقدسا وجزءاً من الصلاة.
والزكاة: تجمع بواسطة الطاووس ويقوم بذلك القوالون وتجبى إلى رئاسة الطائفة.
والحج: يقفون يوم العاشر من ذي الحجة من كل عام على جبل عرفات في المرجة النورانية في لالش بالعراق.
ويحرم الإيزيديون التزاوج بين الطبقات، ويجوز للإيزيدي أن يعدد في الزواج إلى ست زوجات، ويحرمون اللون الأزرق، لأنه من أبرز ألوان الطاووس.
– يحرمون أكل الخس والملفوف (الكرنب) والقرع والفاصوليا ولحوم الديكة، وكذلك لحم الطاووس المقدس عندهم، لأنه نظير لإبليس طاووس الملائكة في زعمهم، ولحوم الدجاج والسمك والغزلان ولحم الخنزير.
كما يحرمون حلق الشارب، بل يرسلونه طويلاً وبشكل ملحوظ.
قدسية معبد لالش لدى الإيزيديين
لالش موقع مقدس لدى الإيزيديين يقع في منطقة جبلية قرب عين سفني حوالي 60 كم شمال غرب مدينة الموصل في شمال العراق، تقع فيها معبد لالش النوراني وقبر الشيخ عُديّ بن مسافر، المقدس لدى أتباع الديانة، كما أنها مقر المجلس الروحاني للديانة الإيزيدية في العالم، حيث يحج الإيزيديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل إلى لالش حيث يستمر الحج مدة ستة أيام، أما الإيزيديون القاطنون في المنطقة فيقومون بحج سنوي خلال فصل الخريف من 23 أغسطس وحتى الأول من أكتوبر.
يحج الإيزيديون سنوياً إلى لالش الذي يُعد المركز الروحي لجميع الإيزيديين، ففيه ضريح الشيخ عدي بن مسافر، وهو رجل صوفي عاش في القرن الثاني عشر، ويعتبرونه المعلّم الذي حدد العقائد، وهو الهادي إلى الطريق الصحيح، فلا غرابة أن يعتبروه نبياً ومنقذاً لهم، فهو الذي قال لهم: “كنتُ حاضراً عندما كان آدم يعيش في الجنة، وكذلك عندما ألقى النمرود إبراهيم في النار، وكنت حاضراً عندما قال لي الله أنت الحاكم وأنت إله الأرض“.
ورغم تعرض الإيزيدين إلى 72 حملة إبادة على مر العصور إلا أنهم احتفظوا بكتبهم المقدسة وتراتيلهم الدينية، فلديهم “كتاب الجلوة” و”مصحف رش” أو “الكتاب الأسود”، وكان لديهم نحو 12 ألف بيت شعر دمرت وأحرقت غالبيتها ولم ينقذوا منها سوى (200) بيت من الشعر المكتوب باللغة الكردية، وتعتبر من أقدم النصوص التي تعود إلى نحو ألف سنة تقريبًا.
يصف الباحث الأثري عبد الرقيب يوسف، المعبد بأنه أقدم موقع قائم في كردستان، حيث يرجع تاريخه إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهو امتداد للتراث والديانة الميثرائية التي كانت قائمة ومنتشرة في كردستان.. ويستند الباحث في هذا القول إلى وجود العديد من رموز الديانة الميثرائية فيه، كما أن هذا القول يؤكده بعض الباحثين الإيزيديين إذ يعدون الديانة الإيزيدية امتدادا للديانة الميثرائية، كونها تتكون من أعراق وتقاليد دينية شبيهة بما كانت موجودة في الديانة الميثرائية.
في حين يقول الكاتب الإيزيدي بير خدر سليمان: (إن لالش كلمة كردية متكونة من «لا – ولاش» بمعنى في مكان الهدوء «هش من لاش» كما يشير إليه، الإيزيدية بمعنى «الموقع المقدس – لا له لش».
وإلى ذلك تنتشر على جانبي الوادي الجبلي قباب ومزارات عديدة لأولياء الإيزيدية، ولكل واحدة حجمها الخاص من البناء مع شكل موحد، فبعضها مخروطية تضم اثني عشر مفصلاً، دلالة على عدد أشهر السنة، في حين تستند أخرى إلى قاعدة مربعة دلالة على الجهات الأربع، وهي تتجه نحو الشمس، لما لها من مكانة مقدسة في الديانة الإيزيدية، كما تنتشر في الأطراف الدكات والمواقع التي يجلس عليها الزائرون، متوزعة بين كل زاوية وخطوة باتجاه القناديل.
يقول بابا جاويش الذي يعمل في المعبد بمهمة الإرشاد الديني والإشراف عليه: هناك أكثر من 365 موقعاً يتم فيه إشعال الفتايل (قناديل – جرا) مساء كل أربعاء، مضيفا بابا جاويش الذي يعمل في المكان منذ سبع عشرة سنة: « يوجد في لالش ست قباب كبيرة، أبرزها قبة مزار شيخ عادي، شيخ شمس، شيخو بكر وكانيا سبي، وأكثر من أربعين موقعا ومقاما مقدسا لأوليائنا العظام، ولكل واحد موقعه ومقامه لدى الإيزيدية».. ويصف بابا جاويش المكان بأنه (لا مثيل له في المعمورة، حيث تشعر النفس فيه بالاطمئنان والرهبة، لأنه مقدس في كل شيء(.
وهناك موقع (كانيا سبي – العين البيضاء) الذي يعده الإيزيديون أقدس موقع في المعبد، وهي بركة ماء زلال تنزل في حوض عبر مدخل بوابة العين وعلى اليمين منها موقع السادن الذي يشرف عليها، وهنا يتوجب على كل شخص إيزيدي أن يرش الماء عليه في هذا المكان، خاصة أولئك الذين لم يسبق لهم زيارة المعبد، وهذا الأمر بمثابة التعميد الموجود لدى المسيحية، وفي لحظة وصولنا لهذا المكان وجدنا عائلة قادمة من قضاء سنجار تقوم بهذه المراسيم وهي رش الماء على كل الذين لم يسبق لهم زيارة المعبد.
أشهر أعياد الإيزيدية
للإيزيدية عدة أعياد موزعة على فصول السنة الأربعة، ولكل واحد من هذه الأعياد تاريخ محدد، ولها معان ومدلولات خاصة بها، ولكل منها طقوس وممارسات ذات معان، ترتبط بالعيد وأسبابه ومناسبة حدوثه.
عيد رأس السنة: تبدأ سنة الإيزيدية في أول شهر أبريل، ويقع في يوم الأربعاء. ويزعم الإيزيديون أن (طاووس ملك) هبط في مثل هذا اليوم الى الأرض، ليخلص موسى عليه السلام وصحبه من كيد الفراعنة، كما كان يحتفل البابليون والآشوريون بشهر أبريل أول أشهر السنة البابلية، لأنه شهر الربيع والخصب والميلاد والبداية، ويعتبر الإيزيديون شهر أبريل الشرقي كله عيدا مقدسا فلا يتزوجون في النصف الأول منه، ولا يحفرون أرضا ولا يقيمون بناء، ولا يكتبون عقد بيع أو شراء.
– عيد القربان: وهو العيد القريب من عيد الأضحى عند المسلمين ويقع في أول يوم من حلول عيد الأضحى عند المسلمين ويسمونه أيضا بعيد الحج.. ويقولون إن الله تعالى أمر إبراهيم الخليل في هذا اليوم أن يذبح ولده إسماعيل، ثم هيأ له كبشا فداه به. ويحج الإيزيديون في هذا العيد مرقد الشيخ عدي فيتضرعون بالدعاء.
– عيد أربعانية الصيف: ومدته خمسة أيام تبدأ من اليوم الحادي عشر من شهر يوليه، وتنتهي في اليوم السادس عشر منه حيث يذهب رجال الدين الإيزيديين إلى مرقد الشيخ عدي، ليصوموا أياما ثم يعودون الى ديارهم ليتموا صيام أربعين يوما، لأنهم يعتقدون أن الشيخ عدي كان يصوم أربعين يوما في الصيف.
– عيد الجماعة: واعتبر من أهم أعياد الجماعة الإيزيدية ومن أعظمها شأنا، وأكثرها خطورة، ويعتقد الإيزيدية أن في هذا الشهر تغفر الخطايا والذنوب. وهو عبارة عن سلسلة احتفالات تستمر لمدة سبعة أيام واجبة على كل يزيدي ويزيدية، تبدأ من اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، وتنتهي في الثلاثين منه.
كما يقوم الإيزيدية بالاغتسال ببئر زمزم كما يسميه الإيزيدية ويقولون: إن الشيخ عدي قد جاء يوما الى هذا المكان فلم يجد ماء، فطلب المتشيعون له أن يجترح لهم آية، فأخذ الشيخ عكازته وضرب الصخرة وقال للماء بالعربية: (زم، زم) فزم.
– عيد يزيد: ويقوم الإيزيديون بصيام ثلاثة أيام (الثلاثاء والأربعاء والخميس) والتي تسبق أول يوم جمعة من شهر ديسمبر- أقصر أيام السنة وأبرزها ويجعلون اليوم الرابع عيدا عاما يسمونه (عيد صوم يزيد) فيقيمون الولائم والأفراح.
– عيد بلندة: يقع هذا العيد في اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، أي بعد عيد يزيد بخمسة وعشرين يوما ويسمونه بعيد الميلاد.
– عيد العجوة: يقع هذا العيد في اليوم السابع من شهر يناير، أي بعد مرور 12 يوما على عيد الميلاد.
– عيد أربعانية الشتاء: ويقع هذا العيد في العشرين من شهر يناير من كل سنة، أي بعد حلول عيد العجوة بخمسة عشر يوما، ويجري فيه ما يجري في عيد (أربعانية الصيف) من صوم وإفطار وزيارة، ويقول الإيزيدية: إن في هذا العيد قرب الشيخ عدي إليه أربعين من رجاله الصادقين فعلمهم أحوال الدين اليزيدي.
– عيد خضر إلياس: ويقع هذا العيد في أول يوم خميس من شهر فبراير، وقد يصوم البعض من الإيزيدية الأيام الثلاثة التي تتقدمه (أي أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء).
– عيد المحيي: وهو من الأعياد القريبة من المسلمين والمعروف عند المسلمين ليلة النصف من شعبان حيث يحيونها حتى الصبح. كما توجد أعياد لدى الإيزيدية كعيد الطوفان وأعياد الجمع وعيد حضور السنجق.
وهناك العديد من الأدعية وشعائر الإيزيديين أنهم موحدون بإله واحد ويقولون في صلاة الفجر “باسم الله (يزدان) المقدس الرحيم الجميل، إلهي لعظمتك ولمقامك ولملوكيتك، يا رب أنت الكريم الرحيم الإله، ملك الدنيا، مملكة الأرض والسماء، ملك العرش العظيم. يارب إنك أزلي قديم، يا رب إنك حتى الأبد أمنية الروح. يا رب إنك ملك الإنس والجن، ملك الكرسي والعرش.
الموت و التناسخ
يعتقد الإيزيديون أن الروح تتناسخ وتحل في جسد آخر حيث الزاني تنزل روحه إلى خنزير، والكاذب تنزل روحه إلى جحش حمّال ومتعب، والظالم تنزل روحه الى كلب دنيء صغير.. واذا مات ولد لا يعرف الخير والشر فيبقى أربعين يوما في جنة شداد بن عاد وبعده ترجع روحه إلى البشر، فإن كان ذكراً فتحل في ذكر، وإن كان أنثى ففي أنثى، ومن مات سارقا تنزل روحه إلى هرة، ويعتقد الإيزيديون أن البعض ينتقل سبع مرات من جنس إلى جنس آخر أو من جلد آخر بالترقي إلى أن يصير إلى الغزال أو الخروف.. وبعده يرتقي إلى فرس أصيل عند أحد الملوك أو الأمراء، وبعد ذلك يلبس الجسد الإنساني ثانية.
إذا مات واحد من الإيزيدية يجب أن يكون عنده شيخ يحضر له قليلاً من تراب الشيخ عادي يضعون منه قليلا بكفه وعلى وجهه، يمسحونه به قبل دفنه، وبعد الدفن يضعون قليلاً من بعر الغنم على قبره خوفا من أن تأتي الوحوش عليه. والكواجك (وهم فئة من الفئات الاجتماعية) يسهرون على قبر الميت، وبالأحلام والاكتشافات يعرّفون أهل الميت ماذا صار بعد موته، وبأي صورة وشبه أيضا رجع لهذا العالم مرة ثانية.
طبقات المجتمع الإيزيدي
وفي الديانة الإيزيدية مراتب دينية مرتبطة بالمراتب الاجتماعية وحسب نصوصها الدينية، التي تعتمد على الأدب الشفاهي، ولا تقر بوساطة بين البشر والله، بحيث جعلت العلاقة بين الطرفين مباشرة، أي لا تحتاج إلى أنبياء ورسل وتكتفي هذه الديانة بسبعة ملائكة من مساعدي الله يديرون شئون الكون معه وبأمره وإشرافه.
وينقسم المجتمع الإيزيدي إلى ثلاث طبقات: طبقة الشيوخ والكبار والمريدين، ولا يجوز لهذه الطبقات أن تتزاوج فيما بينها، كما لا يجوز لهم الزواج من أتباع الديانات الأخرى.
ورجال الدين يسدلون لحاهم طيلة الحياة في حين عامة الطائفة من الشباب المتدين تربي شاربها حتى وإن كان غليظاً، ويعود سبب ندرة كتبهم المقدسة إلى أن الكتابة والقراءة محرمة عندهم، بسبب الظروف الاجتماعية والدينية التي عاشتها الإيزيدية.
وهناك مجموعة أخرى تُعرف بالقوالين وهم مثل الشيوخ والكبار والمريدين يرثون منزلتهم الاجتماعية بالولادة، لكنهم يتعلمون العزف على الناي والنقر على الدف، لأنهما من بين الآلات الموسيقية الأكثر تقديساً عند الإيزيديين، فقد صنعتهما الملائكة كما يزعمون، لأنها تجتذب الروح كي تدخل جسد آدم، حين قالت الروح: “لا أستطيع أن أستقر داخل جسد آدم ما لم أسمع صوت الناي والدف“.
وتظل للمرأة في هذا المجتمع دورها البارز، فعلى الرغم من قسوة الأوضاع فإن ثمة نساء قمن بدور (الفقرا)، وهو دور يشبه دور الراهبات في الديانة المسيحية، حيث تقوم المرأة بالخدمة في ضريح الشيخ (عدي بن مسافر البعلبكي) وينذرن حياتهن لأداء هذه الخدمة دون أن يتزوجن، ويحرم على المرأة التي تنذر نفسها لخدمة معبد الشيخ عدي بن مسافر والبابا جاويش، الزواج أو التزين، ويوكل إليها إدارة شئون المطبخ، وتنظيف المعبد، وتحضير الماء، وجني الزيتون، وخزن زيته، وطبخ الحنطة، وعمل فتائل للمصابيح الزيتية لإضاءة المعبد، وإشعال وإطفاء المصابيح، ورغم ذلك فمن الملفت للنظر عدم جواز وجود النساء في المناصب الروحانية التي تعتبر حكرا على الرجال.
أما الرقص والغناء فهما يدخلان العديد من الطقوس والشعائر الدينية الإيزيدية، وعلى الموسيقيين أن يدرسوا الناي والدف وغيرهما من الآلات الموسيقية منذ طفولتهم كي يبرعوا فيها ويتقنوا ألحانها ويعرفوا أية قطعة تُعزف وفي أية مناسبة وهناك ألحان متعددة مثل سماع قانون وشرف الدين وزازا وما إلى ذلك وهي جزء أساسي من الموسيقى الكردية.
ويحرم على الإيزيدية أكل الخس واللهانة (الملفوف) والقرنبيط وبعض الخضروات التي تسمد بعذرة الأنسان، ولا سيما الخس، فأنه عندهم من أخس ما خلقه الله على وجه الأرض ومجرد رؤيته حرام، ويحرم عليهم من اللحوم لحم الخنزير والسمك بكل أنواعه وكذلك لحم الغزال، كما يحرم على اليزيدي حلق شاربه أو استئصالهما بالمقص غير أنه يستحب تخفيفهما أما أللحية فيجوز فيها كل ذلك، كما يحرم على الإيزيدي النظر إلى وجه المرأة غير الإيزيدية.
ومن الأعراف الإيزيدية “المكارفة”، وتقضي بأن يتخذ خلالها الإيزيدي شخصا أخر إيزيدي مثلـه أو مسلم يرتبط معه بعلاقات صداقة حميمة وتصبح عائلة كل واحد منهما محرمة على الأخر وتمتد هذه العلاقة والتحريم إلـى سبعة أجيال حيث يضحي الإيزيدي بماله وروحه من أجل التضحية لكريفة والمحافظة على حياته وشرفه.
كما توجد بين الإيزيدية عادات وطقوس دينية واجتماعية أخرى، مثل أخذ البسك (وهو قص شعر السوالف من قبل الشيخ للشاب) إضافة الى وجوب ختان الذكور فقط من خلال مراسيم وجود (كريف).
كما تسمح الديانة الإيزيدية بتعدد الزوجات وذلك حسب الاقتدار المادي، إلا أن هذه الظاهرة باتت قليلة فـي ظـل متغيـرات العصر.
ويتساوى النساء والرجال من حقهم بتعلم الدين، وكذلك بكل قضايا الحياة الأخرى،إلا أن العرف العشـائري النـاظم للحياة العامة في المجتمعات الإيزيدية جعل من قضايا الميراث حكرًا للرجال فقط، كما نلاحظ أن حالات القتل غسلاً للعار “جرائم الشرف” أصبحت جزءًا لا يتجزأ ًمن الموروث العشائري القبلي الناظم في حياة هذه الديانة.
ولعب الخوف من الإسلام الذي امتص العديد من أتباع هذه الديانة، دوراً بـارزاً فـي عـدد مـن الفتـاوى والمحرمات التي أصدرتها المشيخة، فحتى وقت غير بعيد كان يمنع على الإيزيدي التعاطي مع المسلمين أو طلب المساعدة منهم، كما أننا لم نستطع تفسير قضية مفادها إذا قام المسلم برسم دائرة على الأرض المحيطة بقدمي الإيزيدي، لا يخرج الإيزيدي منهـا حتى يقوم ذاته بمسحها أو فكها، وان كنا متأكدين ان الدائرة رمز للقسم والحلف عند الإيزيديين إلا انه يمكن اعتبارها رمزاً للشمس الطاهرة التي لا يجوز للإيزيدي المؤمن مسحها حتى وإن كانـت رمزًا.
لابد من الإشارة إلى أن الإيزيدي حينما يموت يُدفن في قبر بأيدٍ متصالبة، ويُوضع وجهه صوب الشمس، ولا يبالغ في بناء القبر. كما تُقرأ له بعض التراتيل الدينية المصحوبة بعزف آلتي الدف والناي ليس في وقت وفاته فحسب وإنما في مناسابات وأوقات أخرى.
موقف السنة والشيعة من الإيزيدية
يرى مركز الابحاث العقائدية احد المؤسسات الدينية بالعراق، أن الإيزيدية يخالفون شعائر الدين الاسلامي وليس مسلمون فشعائرهم التعبدية كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر فروض العبادة فإنها تخالف ما فرض الاسلام من ناحية الكم والكيف.
وأضاف المركز في فتوي له ان الخوف بالإيزيدية من الشيطان قد بلغ درجة أنهم تركوا عبادة إله الرحمة مبرئين أنفسهم من الخطأ في ذلك أن الله الذي لا حد لصلاحه وجوده ومحبته للخلائق، لا يفعل بهم شراً لأنه صالح، أما الشيطان فهو منقاد طبعا الى عمل الشر، لانه مصدر الشر ومبدأه، وعليه فالفطنة تقتضي على من يريد سعادة الحياة أن يهمل عبادة الله الصالح بطبيعته الذي لا يشاء عمل الشر، ويطلب ولاء الشيطان وحمايته تخلصا من أذاه، اذ للشيطان وحده أن يسلط الشرور وأن يدفعها.
كما أفتى أحد رجال المذهب السني، أن الإيزيدية فرقة منحرفة ضالة، خارجة عن الإسلام، فمن كان هذا دينه: لا يشك في كفره، ومنافاة دينه لدين الإسلام الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم .واعتبرهم من أهل الكفر الخارجة عن دين الإسلام، فهم ليس لهم كتاب أصلا، بل هي طائفة مرتدة، جمعت ألوانًا من الكفر في ملة واحدة.
ولكن ما يلفت الانتباه قيام وفد من جامعة الأزهر بزيارة المديرية العامة لشؤون الإيزيدية، يوم 28 مارس 2013، بغية التعرف عن قرب بالديانة الإيزيدية، في أربيل، ضم كل من الدكتور محمد عبد فضيل القوسي وزير الأوقاف المصري السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر والدكتور عبد المقصود باشا عضو هيئة كبار علماء الأزهر.
واستقبل الوفد من قبل السيد خيري بوزاني المدير العام لشؤون الإيزيدية، وقدم للوفد الضيف نبذة عن الديانة الإيزيدية، وشدد على أهمية التواصل وتمتين العلاقات بين المؤسسات الدينية الإيزيدية والمسلمة والمسيحية في إقليم كردستان وجمهورية مصر العربية . من جانبه عبر الوفد الضيف عن جل احترامهم للديانة الإيزيدية والإيزيديين، وأكد على التواصل في جميع المجالات بغية تكريس التعايش والتسامح بين جميع الأديان أكثر فأكثر.
رحلة الصمود الإيزيدي عبر التاريخ
واجه الإيزيديون عبر مراحل تاريخهم أكثر من مرحلة لمئات الاعتداءات والإبادة من قبل الحاكم للدولة العراق أو الدول العثمانية، فقد تحدث الأدب الشفاهي للإيزيدية عن 72 فرماناً لإبادتهم قد حل بهم خاصةً في العهد العثماني الذي كان يغزو قُراهم ومدنهم من خلال حملات عسكرية متواصلة، والتاريخ يتحدث عن جرائم بشعة ارتكبها المسلمون بحق الإيزيديين في سنجار ويعشيقا والشيخان (في كردستان ال