الإصلاح و التجديد ضرورة واقعية

  • بتاريخ : 23 ديسمبر، 2014 - 11:41
  • الزيارات : 19
  • لقد كان و ما زال أهل الإسلام بمختلف مكوناته من فقهاء، و حكماء، و كتاب،… يدعون إلى ضرورة الإصلاح و الانفتاح و مواكبة العصور بمستجداته و نوازله، منطلقين

    لقد كان و ما زال أهل الإسلام بمختلف مكوناته من فقهاء، و حكماء، و كتاب،… يدعون إلى ضرورة الإصلاح و الانفتاح و مواكبة العصور بمستجداته و نوازله، منطلقين في ذلك من آيات بينات من الذكر الحكيم و من المشرب النبوي الزاخر بالدعوة إلى العلم و التجديد، متخذين من السيرة النبوية و العصر الراشد المرجعية العليا للتأصيل و الشرعنة و الشرعية لذلك، و لم تكن بلاد المغرب الأقصى الزاخر بأعلامه و دوله بمنأى عن ذلك؛ فقد عرف عدة دعوات من مصلحين و علماء في مختلف العصور يجددون الدعوة إلى ضرورة الانفتاح و الإصلاح في شتى المجالات بعد نخر عود التخلف و التقهقر و مجانبة الجادة في البلاد، لذلك لزم اليوم على من ينتسب إلى ملة الإسلام ضرورة الإصلاح و التجديد و الانفتاح بما لا يخالف ثوابت الأمة و مرتكزاتها و ثقافتها و هويتها؛ وكنموذج مشرق عرفه المغرب في تاريخه المعاصر؛ نجد الإمام العلم أحمد بن المواز الذي اتخذ من الدعوة إلى التجديد في مجالات التعليم و الحياة الاجتماعية و السياسية و المدنية معالم كبرى للنهضة الحضارية،و سنجد ذلك جليا و واضحا من خلال ما سنورده الآن:

    فقد كان هذا المصلح يرى  أن الإسلام لا يعارض اقتباس العلم والمعرفة والحكمة من الأمم الأخرى وإن كانت غير مسلمة، فالإسلام لا يمنع من قراءة أي علم كان ولا يصد عن تعليم كل ما فيه منفعة ومصلحة، باقتباس الحكمة من أي جنس كان لقوله صلى الله عليه وسلم  الحكمة ضالة المؤمن [1]

    …… وتصور ابن المواز في ذلك أن العلم والمعرفة ليسا ملكا لأمة دون أخرى، فكل الأمم ساهمت في نشر العلم والمعرفة“[2]

    من خلال هذا النص يتبين لنا أن ابن المواز كان يدعوا لفكرة الاستفادة من العلم الغربي وخصوصا الذي يجلب المصلحة للأمة، وهو ما دعا إليه الإسلام من خلال قوله عليه الصلاة والسلام “الحكمة ضالة المؤمن” كما اعترف بقوله أن العلم والمعرفة كانت مبنية على تراكمات وليست ملكا لأحد، فكل الأمم ساهمت في نشر العلم والمعرفة بدرجات متفاوتة، فليست هناك أمة بدأت من الصفر، وإنما كل أمة تنطلق من حيث توقف غيرها، فلا شك أن الحضارة الإسلامية استفادت من الفلسفة اليونانية، وأن أوربا استفادت من المسلمين، وهكذا…، وهذا ما تحدث عنه ابن المواز بتأكيده انتقال العلم والمعرفة من المسلمين إلى أوربا من الأندلس وجنوب ايطاليا، وهذا ما أدى إلى اعتراف بعض المؤرخين بأن العلوم والمعارف في ذلك التاريخ إنما كانت للمسلمين، حتى قال بعض فلاسفة أوربا، إن العرب أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر  مع استقامة الدين، ولعل كتاب ابن رشد “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” شاهد على هذه الأسبقية

     

    مشروعية الاستفادة والاقتباس من الآخر:

    يشير ابن المواز نقلا عن الطهطاوي في رحلته إلى باريس إلى أهمية مناهج التعليم الفرنسي التي تعتمد على التخصص[3].

    …..ولم يفت ابن المواز تأكيد ضرورة تعلم اللغات الأجنبية، وخاصة الفرنسية إذ لا تخفى شدة الاحتياج لذلك في هذه الأعصار لأجل التداخل وروابط المداخلة الموجبة لتفهم الأعمال الاقتصادية والإصلاحية و المصارفات الجارية والأحكام القانونية، فلا يتأتى الوقوف على حقائق ذلك إلا بمعرفة اللسان، لأن الجهل في هذه الحالة ضرر عظيم[4].

    للوقوف على الجوانب التربوية في فكر ابن المواز لا بد من الإطلاع على الظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت المغرب في عصره، حيث اتسمت هذه الفترة بضعف الدولة المغربية وتسلط الدول الإمبريالية على مقدراتها بدعوى التجديد والتحديث، فكان لهذا التفوق الغربي دور هام في التأثير على فكر ابن المواز التربوي، فقد انبهر لما عليه الدولة الفرنسية من التقدم المعرفي والعلمي، هذا الانبهار جعله يبحث عن أسبابه لعلّ ذلك يساعد الدولة المغربية للخروج من حالة الضعف والتخلف، فدعا إلى تحديث مناهج التربية والتعليم لبناء مجتمع مغربي  حديث يساير مقتضيات العصر.

    فكيف إذن يتأتى بناء هذا المنهج؟

    ينطلق ابن المواز من فكرة أن الحكمة ضالة المؤمن ليصل إلى أن الاستفادة من المناهج الغربية في التربية والتعليم لا يناقض مقتضيات الشريعة، إذ يجب على الأمة أن تبحث في أسباب التفوق الغربي والتي أجملها في مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية، هذه الأسباب في نظر ابن المواز هي التي نقلت الدولة الفرنسية من عصور الظلام  إلى الثورة التكنولوجية والعلمية، مما يحثم على الأمة المغربية أن تسلك مسلك الدولة الفرنسية حتى تستطيع أن تتجاوز حالة الضعف والتخلف التي تترنح فيهما، وهذا ما اختتم به كتاب خطوة الأقلام وسماها بالخاتمة الإنصافية بحيث عبر فيها عن فضل التعاليم الفرنسية، كما أظهر فيها إعجابه بالشعار الفرنسي المتمثلة في الحرية والإخاء والمساواة،  إذ لا بد في نظر ابن المواز من تجاوز النمط التقليدي في التربية والتعليم والانتقال به إلى نظام جديد يعتمد على مبدأ التخصص وحرية الفكر والعقل والإبداع، كما يشير إلى أهمية تعلم اللغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الفرنسية، التي اعتبرت آنذاك من بين اللغات التي تحتاجها الأمة من أجل فهم الأعمال الاقتصادية والأحكام القانونية، كما أن الجهل بها كما عبر عنها ابن المواز يعتبر ضررا عظيما، فكانت نظرته للدولة الفرنسية هي الدولة القدوة المثلى الواجب الاحتذاء بها لبلوغ  الكمال المعرفي والعلمي الذي بلغته في نظره..

    فهكذا نجد علما من علماء المغرب يجسد و بقوة النموذج الحركي لدفع حركة التدافع الكوني إلى النهضة من جديد بعد استشراء داء التخلف في الأمة الإسلامية قرونا،و هو ما يلزم أن يقوم به من جديد كتابنا و أصحاب الغيرة و الهمة للنهوض من جديد من الغفلة و التخلف.